عشائر سوريا: النعيم والبو شعبان الأكبر… وانتقادات لـ «مدّعي المشيخة»

منافسة

مصادر مختصة في الشأن العشائري ذكرت لـ«القدس العربي» أن المنافسة اليوم على صدارة العشائر السورية تنحصر بين قبيلتي النعيم والبو شعبان. وفي ظل غياب إحصائيات رسمية تجاه هذه الأمور، فإن التقديرات تشير إلى أن تعداد كل واحدة منهما يصل إلى مليوني نسمة، والفارق بينهما أن النعيم موجودة تقريبا في معظم المحافظات، أما البو شعبان فأبناؤها منتشرون في محافظات الجزيرة الثلاث دير الزور والرقة والحسكة، وأيضا في ريف حلب.
الشيخ فرج الحمود الفرج السلامة، اعتبر أن أبرز القبائل السورية تعدادا هي البو شعبان والنعيم والعكيدات والبقارة والموالي والحديديون وطي وشمر وبنو خالد والعنزة وجيس والجبور والفواعرة وعبيد والدليم والشرابيين والخرشان والحديش وحرب وعدوان وبنو سعيد وبنو خالد والسخاني والبوبنا.
وقال السلامة، وهو أحد شيوخ قبيلة البو شعبان، إن تعداد القبائل السورية مبالغ فيه بشكل عام فهناك من يدعي أن البوشعبان يصلون إلى ثلاثة ملايين، والواقع أن الرقم المنطقي هو ما بين مليون ونصف المليون إلى مليوني نسمة.
وبين في تصريحه لـ«القدس العربي» أن التنسيق بين القبائل قبل زمن حكم البعث كان قوياً جداً، وكانوا بمثابة الدولة المصغرة التي تحكم مناطقهم، واليوم ما زالت هناك شخصيات بارزة في هذه القبائل ممن لها وجودها، والتنسيق بينهم يتمظهر في عمليات المصاهرة والقربى والجيرة.

القبائل والثورة

سلامة الذي يعتبر نفسه بأنه أحد مؤسسي الثورة السورية ضد النظام البائد، بين أن القبائل والعشائر العربية كانت بمثابة صمام أمان في المنطقة الشرقية للثورة السورية، وكان من أبرزها العقيدات في دير الزور والناصر في الرقة والفواعرة وبنو خالد والنعيم في حمص والموالي في إدلب، وبالتالي فإن العشائر العربية تركت في الثورة بصمتها الواضحة.

لعبت أدواراً معقدة ومتعددة الأوجه… وانتهى دور شيوخ «العيرة» بعد سقوط الأسد

وعلق على المتقلبين بين العشائر في الولاءات بين النظام السابق والإدارة السورية الجديدة وقال: «طبعا كان هناك من انقلب في الولاءات، لكن هؤلاء أساسا من بيئة فاسدة ولن يتغيروا، لأننا عندما نتحدث اليوم عن العشائر فنتحدث عن عشائر منتشرة على مستوى الدولة بل وحتى على مستوى الإقليم وهؤلاء شعوب وليس من الغريب أن يكون من بينهم بعض الفاسدين والمنتفعين والمتسلقين، ومن يغير ولاءاته بين يوم وليلة كما في باقي فئات المجتمع عامة، ولكن في المقابل، فإن العشائر كان من بين أبنائها شخصيات تركت بصمتها في الثورة ضد النظام البائد.

لا مجالس قيادية

وانتقد سلامة من يظهرون حالياً على أنهم يمثلون القبائل والعشائر السورية وقال: لا توجد مجالس قيادية فاعلة تجمع بين الزعامات الحقيقية للعشائر.
وتابع: شكل النظام السابق مجالس للعشائر، وكذلك الحال تم تشكيل مثل هذه المجالس في إدلب، وإلى اليوم تواصل هذه المجالس المتاجرة، لكنها على أرض الواقع غير حقيقية وينخرط فيها أشخاص يحاولون التقرب من السلطة للاستفادة منها، وربما كانت تربطهم علاقة مع جماعة أو فصيل ثوري، والحال ذاته كان في زمن النظام، واليوم العشائر ورموزها التاريخية ممتعضة من محاولة البعض تصدّر المشهد من هذا الباب.
وانتقد السلامة مدعي المشيخة الذين يسوّقون أنفسهم كقيادات للقبائل والعشائر السورية وقال: «إن القبائل الحقيقية ومشايخها وخصوصاً من أبناء الثورة يحمّلون ما «يسمى مجلس العشائر والقبائل السورية» محاولة تهميشهم ويطالبون الدولة بضرورة إصلاح موقفها باعتبار أن الملف العشائري لا يختزل بوزارة أو وظيفة ينتقون لها الشخص الذي يحتاجونه، وإنما هناك رمزية يجب احترامها في هرمية القبيلة».
وقال: «لا نقبل بأن يأتوا بأي شخص يدعي أنه يمثل القبيلة وهو ليس من رموزها ولا من مشايخها المعروفين، وهؤلاء الذين يقدمون أنفسهم في مجلس العشائر والقبائل السورية، لا يمثلون إلا أنفسهم»، مشدداً على ضرورة أن «تتفهم الدولة هذه الحقائق وأن تتحمل مسؤولية تلميع هؤلاء الأشخاص على حساب الهرمية المعروفة في البيوت العريقة للقبائل والعشائر السورية».

الثورة وتسلّح القبائل

في توصيفه لقوة القبائل عسكريا، أوضح الشيخ زايد الطحان أنه وبمعنى القوة العسكرية لم تكن لدى القبائل والعشائر العربية تلك القوة، ومن كان منهم ينتشر في أطراف البادية كان لديهم بعض السلاح الفردي لحماية قطعان أغنامهم، ولكن ومع اندلاع الثورة فقد تسلح الكثير من أبناء العشائر، بل وظهرت فصائل مقاتلة، وكباقي أبناء المجتمع السوري كان البعض مع النظام البائد، والغالبية كانوا ضده في مناطق وجودهم بكل المحافظات.
الطحان، وهو من أهالي بلدة حمريت في محافظة القنيطرة، أوضح في حديثه مع «القدس العربي» أن الأجيال الجديدة من أبناء العشائر بات قسم كبير منهم من سكان المدن، لكن العشائر ما زالت تنتشر في الريف وما زال جانب منهم يمارس رعاية الماشية.
وأكد أن نظام حزب البعث كان ضد بروز دور للعشائر أساسا ولم يكن هناك رابط مؤسساتي بين أبناء العشيرة الواحدة أو مع العشائر الأخرى، وما كان موجودا هو رابط ذاتي لا أكثر.

شيوخ «العيرة»

وتابع: كان النظام البائد يعمل على خلق شيوخ «عيرة» لمحاربة ومحاصرة الشيوخ الحقيقيين للعشائر، حتى درج بينا تعبير أن «كل أزمة يظهر فيها شيوخ جدد»، وهم أساسا ليسوا بشيوخ ولكن النظام كان يلمعهم ويقدمهم لاستخدامهم، وهو ما ظهر بشكل لافت عندما تفجرت الثورة، فعمد النظام الى تصنيع شيوخ حسب مقاساته وغاياته وهم بكل تأكيد لم يكونوا من شيوخ العشائر السورية، باستثناءات معروفة.
وبين أن الشيوخ الحقيقيين يتميزون بأنهم لا يضعون أنفسهم في مواقف تقزّمهم أو تصغرهم وإن كانت الظروف فرضت عليهم التعاطي مع النظام للتدخل والإفراج عن أبناء عشائرهم، مثل المرحوم رضوان الطحان، شيخ قبيلة النعيم، لكنهم لم يكونوا ممن يقبلون تلقي الدعم المالي أو يلجأون للطرق الملتوية، أو يعملون كعملاء للأجهزة الأمنية، كحال مدعي المشيخة من أزلام النظام.
وذكر الطحان، وهو من شيوخ قبيلة النعيم، أن النظام لعب كثيرا على موضوع العشائر وحتى في الحروب التي كان يديرها مع «قوات سوريا الديمقراطية – قسد»، لكن لا يمكن أن نشمل كل العشائر السورية في سلة واحدة وإذا ما كان هناك من وقف مع نظام الأسد من العشائر، فهم لا يتعدون 15 ٪ من تعداد هذه العشائر، والحال ذاته بالنسبة للعشائر المندمجة في آليات حكم الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا من العشائر العربية مع الأكراد، باعتبار أن الواقع يفرض نفسه والناس مجبرة، والقوي هو ما يفرض شروطه على الآخرين، وكلنا يعلم أن بيت الأسد ربما لم يتجاوز عددهم الـ100 شخص لكنهم حكموا سوريا لعقود.
وتابع: العشائر في الجزيرة مضطرة اليوم للتعامل مع الكردي القوي المدعوم من الولايات المتحدة عسكريا وماليا، وهناك حقول النفط، والناس تلحق مصالحها.
الطحان قال إنه وبعد أن سقط النظام ظهرت حركة لمؤسسة عمل العشائر والقبائل العربية لكنها ليست منظمة ولا ممنهجة، وهناك طموح لتأسيس مجلس عشائر جدي بين الزعامات الحقيقية، أما المجالس الموجودة حالياً فمن ينضوي تحتها هم مجرد مجموعة أشخاص وعشائر صغيرة، ولا يمكننا أن نقول إنهم ناطقون باسم عشائر سوريا.
وأكد أن من سوّقهم النظام السابق على أنهم من قادة العشائر، وكانوا من أدواته، قد تم تحجيمهم اليوم، وإن كان البعض ما زال يحاول «البلعطة»، إلا أن الشيوخ الحقيقيين عادوا وأخذوا مكانتهم في المجتمع.

شيخان عشائريان: موجودون في حال عجزت السلطة… وليغادر الهجري سوريا إن لم تعجبه

وشرح الشيخ منصور حمد النادر، كيف بدأت القصة في السويداء، وقال إنه «بعد هجوم الدروز على البدو المقيمين في بلدة المقوس، اتصل معي الشيخ سليمان المرشود وقال لي: نحن بوجهكم فقد ذبحنا الدروز وذبحوا أطفالنا ونساءنا وحرقوا منازلنا، وتحركت من جانبي وبلغت قيادات عشائرية بالوضع، وبالتوازي دخلت قوات الجيش والأمن السوري للفصل، لكن الدروز قتلوا منهم وعملوا على طردهم بالتعاون مع الإسرائيليين وتحت قصف طائراتهم التي كنا نراها بالعين المجردة وكنت حينها في المنطقة ما بين درعا والسويداء».
وبين النادر، وهو من شيوخ قبيلة النعيم، أنه ومع إعلان وقف إطلاق النار أول مرة بدأ الدروز، من جماعة حكمت الهجري، بقتل المسلمين السنة على الهوية، ليس فقط من البدو، وإنما ممن كان يقيم هناك من الفلاحين أو من أصحاب المهن من المحافظات الأخرى، وحينها حصل النفير العام والفزعة استجابة لاستغاثة نسائنا، حيث قامت جماعات الهجري بالهجوم على منازل البدو وقتلوا كل من فيها وهناك فيديوهات توثق ذلك.
وقال إنه بعد أن غدرت مجموعات الهجري بقوات الأمن الداخلي، فإننا عدنا للتحرك لأن هذه الحكومة هي من الشعب، ونحن نقف وراءها، والدولة هي الأب لكل أبنائها، وعندما طلبت منا التوقف والخروج استجبنا لندائها وكذلك الأمر في المرة الثانية وحتى في المرة الثالثة الأخيرة، لكن مجموعات الهجري ظلت تواصل قتالها محاصرة (أول من أمس) أهلنا في عريقة حسب اتصال ونداء تلقيته منهم. وتابع: نحن مع كل ما يصدر عن الدولة وسنقدم لها كل الدعم وهي التي تدير الأمور، ولسنا فوق قراراتها، ولكن إذا ما عجزت فإن قوات العشائر موجودة.
النادر الذي كان يتحدث لـ«القدس العربي» من درعا عبر الهاتف، أوضح أن البدو المقيمين في السويداء بنسبة كبيرة هم من عشائر الزبيد والنعيم وشمر، ويقدر تعدادهم ما بين 120 إلى 150 ألف نسمة، وكانوا موزعين في العديد من مناطق المحافظة بما فيها أحياء داخل مدينة السويداء وبلدات شهبا والمزرعة، وهم يعملون في رعاية الغنم وسحقتهم حرب النظام السابقة على امتداد 14 عاما وأفقرتهم كباقي أبناء الشعب السوري. وقال إن النظام السابق لطالما ادعى وقوفه إلى جانب العشائر لكنه واصل خلق الفتن، وظل يقف إلى جانب الدروز حتى آخر لحظة، واستطعنا في الأيام القليلة الماضية اعتقال أشخاص ممن كانوا يقاتلون مع النظام البائد ضد الثوار.
وعن تفسيره لالتزام العشائر بقرارات الدولة حاليا وتحديدا فيما يتعلق بالمواجهات التي شهدتها محافظة السويداء، قال الشيخ زايد الطحان، إن حكومة الرئيس أحمد الشرع هي حكومة الأغلبية والعشائر هم من ضمن الأغلبية، ولن يكسروا قراراتها، وإن كانت هناك ملاحظات على الأداء لكن الإدارة السورية الحالية تمثلهم ويشعرون بأنهم جزء منها.
وأضاف الطحان، وهو من شيوخ قبيلة النعيم: العشائر اعترفت بهذه الدولة على خلاف (الشيخ الدرزي) حكمت الهجري، الذي وضع نفسه أمام معظم الشعب السوري في خانة الخيانة، وإن كان هناك تضخيم في حجم المعلومات المنشورة من قبل الطرفين المتقاتلين في السويداء إلا أن العشائر تنظر للقضية من باب أن هناك وطنا، ووصل الأمر إلى فتح الباب أمام التدخل الإسرائيلي وإلى قصف عاصمتنا دمشق، ما شكل ذلك خنجرا في قلب كل سوري وكل ذلك بسبب الهجري ومن يتبعون له. وتابع: لدينا جميعنا تحفظات على هذه الحكومة ولدينا آراؤنا على أدائها، ولكننا نريد أن نسير بسوريا إلى الأمام، أما الهجري فيريد أن يسحبنا إلى الوراء، فماذا يريد؟ وهل يسعى لاستقلال السويداء وهذه ليست كلها من الدروز، وليس حتى كل الدروز مع الهجري، ووصل الأمر بهم إلى رفع العلم الإسرائيلي والتباهي به.
وأضاف: إذا كانت سوريا الحالية لا تعجب الهجري فليتركها وليغادرها، أما إن كانت هناك أخطاء من الحكومة فليعطها الفرصة وحتى نحن مستعدون لنتظاهر معه ضد هذه الأخطاء كسنة ودروز ومسيحيين وشيعة، ولكن الأمر وصل به إلى منتهى التفاهة والإجرام بحق دولتنا ليدعو إسرائيل للتدخل في مشاكلنا، وليسمح بإراقة الدماء وصنع شرخ لن ينتهي في أيام أو في سنوات قليلة.

• القدس العربي