ملخص
لعبت الأحداث الأخيرة التي شهدتها سوريا، بخاصة تلك التي طاولت الأقلية الدرزية في السويداء، دوراً كبيراً في منع أي نقاش حول إلغاء كامل للعقوبات الأميركية المفروضة قبل سنوات.
في وقت كانت سوريا تخرج إلى العلن بتقرير التحقيق في أحداث الساحل الدموية، صادقت لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب الأميركي على مشروع قانون لتعديل قانون قيصر، الخاص بالعقوبات الأميركية على سوريا، بدل إلغائه، تحت عنوان “قانون محاسبة العقوبات على سوريا”، وقد نال مشروع القرار أصوات 31 نائباً، وعارضه 23 نائباً. وبهذه المصادقة يصبح القانون جاهزاً للانتقال إلى المراحل التالية وصولاً إلى إقراره.
وكان تقدم بمشروع القانون رئيس اللجنة الفرعية المعنية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابعة للشؤون الخارجية في المجلس، السيناتور الجمهوري، مايكل لولر، في 16 يوليو (تموز) الجاري، ويهدف إلى مراجعة القيود المصرفية، وتعزيز القدرة على مكافحة غسل الأموال، ويفرض شروطاً تتعلق بحقوق الإنسان من أجل إلغاء “قانون قيصر” نهائياً. وأشار لولر، إلى أن المشروع يدعو إلى “حماية الأقليات والحريات الدينية ومكافحة تجارة الكبتاغون”، في مسعى لمراجعة الإجراءات التي يعتزم الكونغرس اتخاذها لرفع كل العقوبات عن سوريا.
على ماذا ينص مشروع القانون؟
في التفاصيل، ينص مشروع القانون على تمديد فترة الإعفاء من العقوبات من 180 يوماً إلى عامين كاملين، ويقضي بإنهاء العمل بقانون قيصر بالكامل إذا ما تأكدت الإدارة الأميركية من امتثال الحكومة السورية للشروط المحددة مدة عامين متتاليين، أو بحلول نهاية عام 2029.
كذلك يتضمن بنداً يُلزم الإدارة الأميركية بتقديم إحاطة إلى الكونغرس عن التسهيلات التنظيمية والتنفيذية التي مُنحت لمصرف سوريا المركزي. وعلى رغم إقرار مشروع القانون في لجنة الشؤون المالية في مجلس النواب، إلا أن أمامه خطوات قبل أن يصبح قانوناً نافذاً، بما في ذلك مراجعات من لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، وطرحه على التصويت النهائي في مجلسي النواب والكونغرس.
وبالتزامن، انتقدت وسائل إعلام أميركية الحكومة السورية جراء الأحداث الأخيرة التي شهدها الجنوب، وتحديداً محافظة السويداء. وجاء في افتتاحية صحيفة “وول ستريت جورنال” “إن تعليقات المبعوث الخاص إلى سوريا، السفير توم براك، المتكررة المؤيدة للمركزية ضللت الحكومة السورية وجعلتها تعتقد أن لديها الضوء الأخضر لإرسال قوات إلى السويداء، على رغم التحذيرات الإسرائيلية”. وأشارت الصحيفة إلى أن البعض في الكونغرس “لاحظ أن ثمة حاجة إلى مزيد من الحذر بشأن احتضان الولايات المتحدة للرئيس أحمد الشرع”. مضيفةً أن نظر لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب في المشروع، من شأنه إرساء آلية رقابة، ووضع شروط لرفع المزيد من العقوبات المفروضة على سوريا.
وكان البيت الأبيض قد أعلن، بداية يوليو، أن الرئيس دونالد ترمب وقع أمراً تنفيذياً لإنهاء العقوبات على سوريا. وأبقى الأمر التنفيذي العقوبات على الرئيس السوري السابق بشار الأسد ومساعديه وتنظيم “داعش” ومن وصفتهم المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، بوكلاء إيران.
لكن لماذا أجازت لجنة الخدمات المالية تعديل “قانون قيصر” بدل إلغائه؟
يرى العديد من السوريين المعارضين أنه منذ أن تولى الشرع الحكم في سوريا، لم يتوقف المشهد الدموي المتجدد، منذ أحداث الساحل التي طاولت العلويين، ولاحقاً في جرمانا وصحنايا، ومن ثم ما حصل أخيراً في السويداء، وبالتالي لا تزال واشنطن تشكك بأن دمشق تسير نحو عهد جديد من الاستقرار. ولهذا، اختارت لجنة الخدمات المالية في الكونغرس تعديل “قانون قيصر” بدل إلغائه، تحت عنوان “قانون محاسبة العقوبات على سوريا”، لتبعث برسالة مزدوجة، مفادها بأن سوريا لن تُعفى من العقوبات ما دامت الانتهاكات مستمرة، لكن الباب سيبقى موارباً أمام حكومة دمشق إذا أظهرت استعداداً حقيقياً لوقف الجرائم، وحماية الأقليات، وفك ارتباطها بمحاور النفوذ الإقليمي.
الرؤية الأميركية الجديدة تجاه سوريا بعد الأسد
ويعكس هذا التعديل إدراكاً أميركياً أن سوريا الجديدة لا تزال ساحة صراع لم تُحسم فيها أوراق الحرب ولا ملامح السلام. ومنذ أن تسلم الشرع الحكم، تغيرت المقاربة الأميركية تجاه دمشق. فواشنطن لم تعد ترى الوضع السوري كما من قبل، أي كتلة واحدة مرتبطة بشخص الرئيس المخلوع، بل تتعامل مع سوريا كدولة يمكن إعادة إدماجها تدريجاً في النظام الدولي إذا أظهرت مؤشرات تغيير سياسي وإصلاح داخلي. لذلك، رأت لجنة الخدمات المالية أن تعديل “قانون قيصر”، بدل إلغائه، يمنح الإدارة الأميركية مرونة سياسية واقتصادية تسمح باستخدام العقوبات كأداة ضغط انتقائية، وليس كسيف قاطع يعزل سوريا بالكامل.
طرح سريع ومفاجئ
وفيما لم يصدر حتى الساعة أي موقف رسمي من دمشق تعليقاً على مشروع القانون، أعلن المجلس السوري- الأميركي معارضته الصريحة لمشروع قانون تعديل “قانون قيصر”، محذراً من أنه يشكل توسعة مقنعة للعقوبات وتهديداً مباشراً لجهود إنهائها بالكامل، وهو في جوهره تعزيز إضافي لنظام العقوبات، في وقت بدأت سوريا تخطو خطوات حذرة نحو الاستقرار وإعادة الإعمار وعودة اللاجئين.
يقول المستشار السابق في وزارة الخارجية الأميركية وعضو الحزب الجمهوري حازم الغبرا، إن مشروع هذا القانون طرح بشكل سريع جداً، ومفاجئ بعض الشيء، ويبدو أنه من تبعات ما حصل في جنوب غربي سوريا، تحديداً في مدينة السويداء. وبدأ هناك سؤال يطرح في واشنطن، حول التسرع في رفع العقوبات عن سوريا، وبالشكل الذي قام به ترمب. إذ إن رفع العقوبات كان أساسه إزالة أية عقبات أمام التقدم الاقتصادي وتعافيه، وإنما ليس لأسباب سياسية.
ويتابع الغبرا بطرح تساؤلات عن الخطوات الفعلية التي قامت الحكومة السورية للبدء بعملية الإصلاح الداخلي، السياسي والاجتماعي اللازم للتوجه إلى الخارج، والقيام بالعمل الدبلوماسي الدولي، بمعنى هل قام الحراك الدبلوماسي الخارجي على بنية داخلية هشة، انهارت بعض الشيء خلال الأسبوع الماضي، وانهار معها الكثير من الحراك الدبلوماسي؟
ويشير إلى أن وجهة نظر بعض أعضاء الكونغرس، أن هناك ضرورة لتطبيق نوع من الرقابة، والتأكيد على الحكومة السورية أن لديها ما تخسره، إذا كان هناك سوء إدارة والتي أدت إلى ما حصل في السويداء. من هنا، أتت ضرورة طرح هذا القانون، كطريقة للتعامل مع هذه الأسئلة وجدولة عملية إلغاء “قانون قيصر”. فعندما يسن قانون كهذا فهو يفعل عمل الأجهزة الحكومية الأميركية، كوزارة الخارجية ووزارة المالية، لتطبيق مراقبة مستمرة وواضحة المعالم على الحكومة السورية وما تفعله أو ما لا تفعله. علماً أنه ليست هناك ثقة كبيرة أنه سيمر عبر التصويت، لكن هو مؤشر على تفكير شريحة واسعة من السياسيين في الولايات المتحدة”.
أحداث السويداء وتأثيرها
وكانت انتشرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، تظهر مسلحين وهم يقتادون ثمانية رجال من عائلة واحدة، قبل أن يقتلوهم رمياً بالرصاص، من بينهم شخص يحمل الجنسية الأميركية، يدعى حسام سرايا، وأكدت وزارة الخارجية الأميركية موت أحد مواطنيها، معربة عن قلقها ودعوتها للمساءلة. في حين أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريراً يتهم جميع الأطراف، بما في ذلك القوات الحكومية، بارتكاب انتهاكات.
من هنا فإن الأحداث الأخيرة، خصوصاً تلك التي طاولت الأقلية الدرزية، لعبت دوراً كبيراً في منع أي نقاش حول إلغاء كامل للعقوبات. واعتبرت هذه الأحداث دليلاً على أن التشكيك في قدرة الحكم الجديد على فرض الأمن أو منع الفوضى الطائفية، وأن هناك استمراراً لأساليب التصفية العشوائية التي كانت تُنسب في الماضي للنظام السابق.
يقول المحامي والناشط السياسي السوري المقيم في باريس، زيد العظم، إن المؤسسات في أميركا، والنواب، والبنتاغون، ليس لديهم الثقة الكاملة والكافية بأن الوضع الجديد قادر على استيعاب جميع السوريين المختلفين طائفياً ودينياً وإثنياً. وهذا ما لاحظناه في البدايات وعبر مستشاري ترمب أنفسهم، والمسؤولين عن مكافحة الإرهاب، إذ كانوا يقولون إنه يجب وضع شروط على السلطات الانتقالية الجديدة، لأنه لا يوجد نسبة الضمان الكافية بأن هذه السلطات لن ترتكب انتهاكات بحق بقية المكونات السورية.
ويتابع “أحداث كثيرة حصلت في الأشهر الماضية، منها في الساحل السوري في مارس (آذار) الماضي، وفي صحنايا في أبريل (نيسان) الماضي، وأخيراً أحداث السويداء. ومن كانت لديه شكوك في أميركا في سلوك السلطات السورية الجديدة، كانت شكوكه في محلها. هذه الأمور دفعت ببعض المشرعين أو النواب لإدراج مسألة وضع سنتين كمدة زمنية لمراقبة سلوك السلطات السورية الجديدة”.
ورقة ضغط
يستغل أعضاء نافذون في الكونغرس، من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، التقارير الإعلامية والحقوقية حول الانتهاكات والقتل لتبرير الإبقاء على العقوبات مع تعديلها، بحجة أن رفع العقوبات من دون ضمانات سيُعتبر تواطؤاً أميركياً مع الحكومة في ظل العجز الكامل عن حماية المدنيين، حيث أضاف القانون المعدل بنوداً تُشدد على أن أي تخفيف للعقوبات مرتبط بآليات محاسبة حقيقية لمرتكبي الجرائم، سواء كانوا فصائل مسلحة أو أجهزة أمنية سورية.
“القوات السورية لم تدخل السويداء”
الموفد الأميركي إلى سوريا ولبنان توم براك أعلن بدوره أنه يجب إخضاع الحكومة السورية للمساءلة حيال ما يجري من أحداث مروعة، في إشارة إلى أحداث السويداء، داعياً إلى دمج الأقليات بالسلطة في سوريا.
وتابع أن بلاده “تتفاعل مع التطورات في السويداء بقدر من القلق والألم والمساعدة”، مضيفاً أن بلاده “لن ترسل المزيد من الجنود على الأرض في ظل ظروف عدائية في أي مكان”.
ونقلت وكالة “أسوشيتد برس” عن براك قوله إن “التدخل الإسرائيلي في سوريا جاء في وقت سيئ للغاية… ولا توجد خطة بديلة للعمل مع السلطات السورية الحالية لتوحيد البلاد”. وذكر أن “وقف إطلاق النار المعلن بين سوريا وإسرائيل هو اتفاق بشأن السويداء فقط”.
وفي حديث آخر مع وكالة “رويترز” أشار إلى أن “الأخطار مرتفعة في ظل عدم وجود بديل للحكومة الحالية قابل للتطبيق… ولا خطة بديلة وإذا فشلت الحكومة السورية فهناك من يحاول إسقاطها عمداً لكن السؤال لماذا”. ورداً عن احتمال مواجهة سوريا سيناريو كارثي مثل ليبيا أو أفغانستان قال المبعوث الأميركي، “نعم وربما أسوأ”.
إعادة تشكيل مؤسسة السلم الأهلي
يقول المحامي زيد العظم، إنه يجب إعادة تشكيل مؤسسة تحمي السلم الأهلي في سوريا، والتي هي الجيش، وعلينا أن نعود للقرار الدولي 2254، الذي حدد الفترة الانتقالية بـ 18 شهراً، وقد لا تكون مثالية، ولكنها أفضل بكثير من فترة الخمس سنوات التي أعطيت للشرع.
كذلك يرى البعض أنه من خلال إجازة تعديل “قانون قيصر” بدل إلغائه، تحاول الولايات المتحدة الضغط على الحكومة السورية الجديدة لوقف الانتهاكات وبسط سيطرة الدولة على الميليشيات. وذلك تجنباً لعزل سوريا كلياً، كي لا تتحول بالكامل إلى ساحة نفوذ إقليمي، روسي، تركي، وإيراني. واستخدام الأحداث الأخيرة كورقة سياسية لتبرير الإبقاء على العقوبات، وربط أي انفراج اقتصادي بخطوات ملموسة في حماية المدنيين والأقليات، وبناء نظام سياسي أكثر شمولية. وغير ذلك سيكون إلغاء “قانون قيصر” بشكل كامل، كهدية مجانية لسوريا وحلفائها.
- إندبندنت