ملخص
نحو 300 ألف حساب على مواقع التواصل تنشط في أربع دول، على رأسها إيران ثم العراق ولبنان واليمن على التوالي، أسهمت هذه الحسابات في تحريض الرأي العام ونشر معلومات مضللة، واشترك في الحملة وسائل إعلام معروفة وسياسيون بارزون، فيما تواجه الحكومة السورية تحديات كبيرة لمواجهة هذه الظاهرة.
حسابات وهمية، وأسماء مزيفة، وهويات رقمية مشبوهة، ومعرفات غير حقيقية، وروبوتات إلكترونية، وحسابات آلية مبرمجة، وأسماء مستعارة، تنشط على مدار الساعة وتبث محتوى متشابهاً على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً على منصات مثل “إكس” و”فيسبوك” و”إنستغرام”، هذه الحسابات لم تكن مؤثرة لولا تفاعل الناس معها، وفي بعض الأحيان تدعم روايتها وسائل إعلام رسمية.
في منتصف يوليو (تموز) 2025، اندلعت اشتباكات عنيفة في محافظة السويداء جنوب سوريا، وبالتزامن مع المعركة الميدانية اندلعت معركة أخرى إلكترونية، لا تقل عنفاً، تضمنت خطاباً طائفياً وتحريضياً، وتشمل معلومات كاذبة وإشاعات لا أصل لها، وجرى تداولها على نطاق واسع.
أكاذيب أكثر انتشاراً من الرصاص
في ليلة الـ18 من يوليو، بعد ساعات من انسحاب الجيش السوري من السويداء بناء على اتفاق مع قوى إقليمية تجنباً للتصعيد، توافد آلاف من أبناء القبائل العربية باتجاه السويداء للدفاع عن البدو الذين تعرضوا للاعتداءات من مسلحي حكمت الهجري، وإلى هنا لا توجد أية معلومات غير صحيحة، لكن بعد مرور ساعات عدة من بدء توافد قوات القبائل والعشائر، جرى تداول أنباء عن دخولهم إلى مدينة السويداء، بل وسيطرتهم على كامل المدينة، ومعلومات أخرى تفيد بأن مروحية إسرائيلية هبطت في السويداء قبل أن تعود للجولان حاملة معها شيخ العقل حكمت الهجري، إذ لجأ إلى إسرائيل، تزامناً مع إلقاء قوات العشائر القبض على ابنه أثناء القتال.
في صبيحة اليوم التالي تبين أن غالبية هذه المعلومات عارية من الصحة، لكن بالفعل وصلت قوات القبائل إلى أبواب مدينة السويداء من دون أن تدخلها، إلا أن الهجري لم يغادر إلى إسرائيل ولم يجر إلقاء القبض على ابنه أثناء القتال.
وزارة الإعلام السورية:
حرصاً على تعزيز الوحدة الوطنية وصون النسيج السوري بجميع مكوناته، يُمنع منعاً باتاً تداول أي محتوى إعلامي أو نشره، أو محتوى خبري ذي طابع طائفي يهدف إلى بث الفرقة والتمييز بين مكونات الشعب السوري. pic.twitter.com/SDyO20kAQs— الوكالة العربية السورية للأنباء – سانا (@Sana__gov) December 26, 2024
حين ينسب الزلزال إلى “مصادر خاصة”
في الليلة التالية في الـ19 من يوليو، خبر عاجل تنشره قناة “الميادين” التابعة لـ”حزب الله”، جاء فيه نقلاً عن “مصادرها الخاصة” أن الرئيس السوري أحمد الشرع وعائلته وصلوا إلى تركيا، وأن غارات إسرائيلية أسفرت عن مقتل وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، وأن العاصمة دمشق تشهد توترات أمنية. انتشرت هذه الإشاعات كالنار في الهشيم، لكن في صبيحة اليوم التالي ظهر الشرع في قصر الشعب مستقبلاً وفداً اقتصادياً سعودياً، وفي اليوم الذي تلاه ظهر وزير الدفاع مرهف أبو قصرة وهو يزور جرحى الاشتباكات في السويداء، ليتبين أنه لا صحة على الإطلاق للخبر الذي نقلته قناة “الميادين” وتداولته حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي بصورة واسعة.
في ليلة الـ20 من يوليو، انتشر على نطاق واسع خبران، الأول نشره السياسي اللبناني وئام وهاب، ويزعم فيه أن “ضباط المخابرات التركية غادروا فندق الفورسيزن بدمشق، وتوترات أمنية تشهدها العاصمة”، والخبر الآخر نشرته صحيفة “يني شفق” التركية، ويزعم أن “الاستخبارات التركية أبلغت سوريا عن خطر يهدد دمشق”. وبعد دقائق من نشر الصحيفة التركية الخبر انتشر على آلاف الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن تحذفه الصحيفة وتعتذر عن الخطأ، وفي اليوم التالي تبين أيضاً أن لا صحة على الإطلاق لما نشره وئام وهاب.
توضيحات رسمية
كثرة انتشار الإشاعات والأخبار الكاذبة دفعت الحكومة السورية إلى إصدار توضيحات رسمية، إذ قال وزير الإعلام حمزة المصطفى إن هناك “نحو 300 ألف حساب وهمي على منصات التواصل الاجتماعي، تنشر أخباراً مضللة تستهدف السوريين عبر خطابات تحريضية”، مضيفاً أن “سوريا ما تزال تحت العقوبات الأميركية في ما يخص العلاقة مع منصات التواصل الاجتماعي، مما يجعل التقدم بطيئاً إزاء رفعها، على رغم الأمر التنفيذي الذي وقعه الرئيس الأميركي دونالد ترمب”، موضحاً أن “استمرارية تلك العقوبات يعوق التواصل المباشر مع هذه المنصات، خصوصاً في ما يتعلق بمكافحة حملات التضليل والإشاعات”.
وكشف المصطفى عن أن “هذه الحسابات تتوزع في أربع دول رئيسة” من دون أن يحددها، كما أكد أيضاً أن “المحتوى المضلل الذي ينشر، يأخذ أشكالاً مختلفة، بعضها مؤيد للدولة، ولكنه يهتم بنشر خطاب تقسيمي، وأن وزارة الإعلام تبذل جهوداً مضاعفة لوقف إنشاء الحسابات الجديدة، وبلغت في الأيام الأخيرة مستويات كبيرة تصل إلى 10 آلاف حساب يومياً”.
مصدر في وزارة الإعلام السورية كشف لـ”اندبندنت عربية” عن أن “الدول الأربع التي أشار إليها وزير الإعلام هي إيران والعراق ولبنان واليمن”، فيما النسبة الأعلى من الحسابات تخرج من إيران ثم العراق، يليها لبنان وأخيراً اليمن.
منصة واحدة بآلاف الحسابات
غالب الحسابات التي تشارك في منشورات التحريض تستخدم مواد بصرية قديمة لأحداث سابقة، بزعم أنها حصلت في الأحداث الأخيرة، ويجري نشر الإشاعة على مئات الحسابات في التوقيت نفسه، ثم يجري تداولها على نطاق واسع، وتدعم هذه الحسابات بعضها بعضاً، وتشارك منشورات بعضها، فيما تحدثت تقارير إعلامية عن الاستعانة ببرامج الذكاء الاصطناعي لنشر معلومات مضللة، إضافة إلى استخدام “بوتات” منسقة وفق ما أفاد به تقرير لشبكة “بي بي سي” العربية، كما أوضح التقرير أن هذه الحسابات تعمل على “تحريض ممنهج، وله تأثيرات ملموسة في الرأي العام، مثل المساهمة في الهلع الجماعي أو التوترات المناطقية، أو زعزعة ثقة الرأي العام”.
الإعلام الرسمي.. فشل أم صمت؟
من جانب آخر يرى مراقبون أن أحد أهم أسباب انتشار الإشاعات وكثرتها هو ضعف الإعلام الرسمي السوري، وعدم تنفيذ رفع كامل العقوبات، وبحسب تقرير سابق لموقع قناة “Deutsche Welle” الألمانية، فإنه “في مارس (آذار) 2025، وأثناء أحداث الساحل السوري، جرى رصد حسابات مرتبطة بإيران تدفع أموالاً للترويج لمنشورات طائفية”، وبحسب التقرير، كانت تلك الحسابات تدفع نحو 20 أو 30 دولاراً، للترويج لكل منشور تحريضي”. وتستخدم الحسابات المزيفة ألفاظاً تسهم في لفت انتباه المتابع من قبيل “عاجل” و”ورد الآن” و”مهم جداً” إلخ… كما تقوم تلك الحسابات باستخدام التهجئة نفسها والتسميات نفسها والأسلوب نفسه، بهدف إيهام المتابع بصحة الخبر عندما يبحث عنه ويجده في أماكن أخرى.
لمواجهة الأخبار المضللة والإشاعات، تأسست منصات خاصة مهمتها التحقق من صحة الأخبار، ونشر الخبر الحقيقي مع الوثائق المتاحة لذلك، إلا أن هذا الإجراء لم يكف في ظل كثرة الحسابات الوهمية وازدياد النشاط الإلكتروني التحريضي، وهو تحد كبير تواجهه الحكومة السورية، وعلى رأسها وزارة الإعلام.
إذاً حسابات وهمية، وأخبار مضللة، وانتشار واسع للإشاعات، أسهم ذلك بصورة مباشرة في تغيير الرأي العام، كما أفقد بعض وسائل الإعلام صدقيتها، خصوصاً تلك التي نقلت عن مصادر ضعيفة، أو تعمدت نشر معلومات غير صحيحة لأهداف سياسية، بعد أن أضحت المعارك الإعلامية ذات تأثير مباشر في المعارك الميدانية.
- إندبندنت