سعار طائفي مكسوّ بقشرة مصطلحات الهوية الجامعة والمشروع الحضاري والحق الساطع والباطل الزاهق من جهة، والحق في الاختلاف، والحرب المقدسة الحضارية على السلفية الداعشية وغير الداعشية من جهة أخرى، يلفت النظر في الفضاء الافتراضي، ويؤسس لمرحلة من النكوص الحضاري والتشظي الهوياتي على نقيض ما يرنو إليه.
يّعذر حاملو هذا الخطاب في قصور وعيهم؛ لأنهم نتاج مرحلة جدب فكري هيمنت فيها إما خطابات ماضوية أو خطابات طائفية برداء حداثوي.
يبدو أن الاحتلال المفاهيمي للفضاء من طرفين عجزا عن التواصل على مدى عقود يتطلب ثورة على صعيد المفاهيم لإعادة ترتيب الفضاء ومنع احتلاله من جديد.
يذكر الحوار مع بعض المحسوبين على النخب بحوار الروائي والمغني الشعبي حول مضمون رواية للأول، فقد كانت في نظر المغني رواية كافرة؛ لأن أحداثها تمتد على مدى عشرين عامًا، ولم يرفع خلالها أذان، ولم يؤدّ أي من شخصياتها فريضة الصلاة. وعبثًا حاول الروائي أن يقنعه بأن الفن لا علاقة مباشرة له بهذه المقاييس.
أذكر أن من ضمن محاولات إعادة بناء المفاهيم منذ ربع قرن تقريبًا كانت محاولة المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الذي أصدر كتابًا بعنوان: ” بناء المفاهيم: دراسة معرفية ونماذج تطبيقية” من مجلدين شاركت فيه مجموعة من المؤلفين، وهي محاولة مهمة إذا استمرت وتطورت وتمكنت من الوصول إلى شرائح أكبر، وهي العقبة الكبرى التي تحتاج إلى جهود مؤسسية لتذليلها.
لا شك لدي أن طه عبد الرحمن أكثر راهنية من سيد قطب، أو بالأحرى هو الراهن بالمقارنة معه، و أن ابن رشد أكثر راهنية من أدونيس، وأن فتحي المسكيني يجب أن يقرأ قراءة واعية، وأن بعضًا من ابن تيمية والغزالي ينبغي ان يستعاد. وعلى الرغم من أن فيبر آبند دعا إلى فوضى المنهج، فإنه أكثر راهنية من كارل بوبر وتوماس كون والوضعيين المنطقيين. وهي راهنية مقاسة بما هو الأنفع لنا ونحن في هذا المفصل التاريخي الذي إن لم نتنبه إلى مخاطره، فربما كان الانقراض احتمالًا من احتمالات مصيرنا، وقد حدث مثل ذلك في التاريخ.
– كاتب وباحث سوري