قادت فرنسا والمملكة العربية السعودية تحرّكا دبلوماسيا عالميا مهمّا تمثّل باجتماع في مقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك الأمريكية اختتم مساء الثلاثاء، وحضره ممثلون عن الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، ومن بريطانيا وكندا وأيرلندا وإسبانيا وإيطاليا والنروج، ومن أمريكا اللاتينية حضرت البرازيل والمكسيك، ومن آسيا وأفريقيا حضرت اليابان وأندونيسيا وتركيا وقطر والأردن ومصر والسنغال.
بعد الإشارة إلى الظرف التاريخي الحرج الذي يعقد فيه الاجتماع أكد القادة والممثلون الموقعون على «إعلان نيويورك» الاتفاق على «اتخاذ إجراءات جماعية لإنهاء الحرب في غزة» و»لتحقيق تسوية عادلة وسلمية ودائمة للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني على أساس التنفيذ الفعال لحل الدولتين».
إذا نظرنا لقائمة الموقعين إلى البيان، وخصوصا منها الدول التي تنتمي إلى دول وازنة في العالم الغربي، التي مثّلت السند العسكري والاقتصاديّ والسياسي لإسرائيل منذ نشوئها، والتوزّع القارّي المتنوع للحاضرين، ولطريقة صياغة الإعلان، فسنجد في النص تفاصيل تدلّ على انزياح سياسيّ عالميّ، ولانطلاق ديناميّات جديدة على صعيد الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، ولوصف يمكن اعتباره جديدا على اللغة السياسية والدبلوماسية العالمية فيما يخص نقد إسرائيل وارتكاباتها الفظيعة ضد الفلسطينيين.
تحدّث الإعلان، مثلا، عن إدانة الهجمات ضد المدنيين «من أي طرف»، وأتبع ذلك بتأكيد رفض «أي أعمال تؤدي إلى تغييرات إقليمية أو ديموغرافية، بما في ذلك التهجير القسريّ للسكان المدنيين الفلسطينيين، كونه يشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني»، وبعد الإدانة التقليدية لـ»الهجمات التي ارتكبتها حركة حماس ضد المدنيين في 7 تشرين أول/ أكتوبر»، أدان الإعلان «الهجمات التي شنتها إسرائيل ضد المدنيين والبنية التحتية المدنية في غزة، والحصار والتجويع الذي تسبب بكارثة إنسانية مدمرة وأزمة حماية»، معتبرا هذه الهجمات «انتهاكات جسيمة للقانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني»، ومشددا «على ضرورة المساءلة».
يفكك الإعلان، في فقرته الخامسة، «البروباغندا» الإسرائيلية التي تدّعي أن ما تقوم به هو لتحقيق السلام والأمن فيقول إنهما لا يتحققان بـ»الحرب والاحتلال والإرهاب والتهجير القسري»، وأن الحل هو «إنهاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني» عبر «تنفيذ حل الدولتين»، كما تؤكد الفقرة عمليا أنه من دون الحل السياسيّ لا يمكن «وضع حد للإرهاب والعنف بجميع أشكاله».
وفي إشارة واضحة إلى الحاجة التاريخية الملحّة للخروج من الخطب والكلمات التزمت الدول الموقعة «باتخاذ خطوات ملموسة، محددة زمنية، ولا رجعة فيها للتسوية السلمية لمسألة فلسطين وتنفيذ حل الدولتين» والقيام بـ»إجراءات عملية، وفي أسرع وقت ممكن، لتحقيق قيام دولة فلسطين مستقلة ذات سيادة، قابلة للحياة اقتصاديا وديمقراطية»، بما يتيح، كما قال الإعلان، «اندماجا إقليميا كاملا واعترافا متبادلا».
كان مهما إعلان الموقعين أن غزة «جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية ويجب توحيدها مع الضفة الغربية»، وتعهدهم بدعم سياسة «دولة فلسطينية واحدة بحكومة واحدة وسلاح واحد للسلطة الفلسطينية»، معلنا أن على «حركة حماس إنهاء حكمها في غزة وتسليم أسلحتها للسلطة الفلسطينية»، كما أيد التنفيذ العاجل لخطة الإعمار العربية – الإسلامية «مع ضمان بقاء الفلسطينيين في أرضهم»، كما أعلن دعم نشر بعثة دولية مؤقتة لتحقيق الاستقرار بدعوة من السلطة الفلسطينية وتحت مظلة الأمم المتحدة، كما التزم الإعلان «بحشد الدعم السياسي والمالي للسلطة الفلسطينية»، و»تعزيز التنمية الاقتصادية الفلسطينية».
يبدو واضحا لموقعي «إعلان نيويورك» أن الضمان الرئيسي للانطلاق في هذا البرنامج الاستراتيجي الواسع هو وقف الإبادة والمجاعة الجاريتين ضد الفلسطينيين، وهو ما بلورته، بدقّة بالغة، جملة: «يجب أن تنتهي الحرب في غزة الآن»، وتطرّق الإعلان أيضا إلى ضرورة «التسليم الفوري والآمن وغير المشروط وبدون عوائق للمساعدات الإنسانية» وحدّد أدوات ذلك بـ»الأمم المتحدة والصليب الأحمر»، وأعلن رفض استخدام التجويع كسلاح حرب، ولم ينس الإعلان أيضا إعلان المعارضة القوية لـ»الأنشطة الاستيطانية»، و»اعتماد تدابير تقييدية ضد المستوطنين المتطرفين العنيفين والجهات والأفراد الذين يدعمون المستوطنات غير القانونية»، وكذلك «الحفاظ على الوضع القانوني والتاريخي القائم في الأماكن المقدسة».
أشار الإعلان إلى عزم الدول الموقعة على ضمان أن تشكل القرارات المتخذة في المؤتمر «نقطة تحوّل، بحيث يتم حشد المجتمع الدولي بأسره، على المستويات السياسية والاقتصادية والمالية والأمنية»، وهو ما يعبّر عن زخم كبير يعيد مسار «حل الدولتين للحياة»، ويؤذن، على الأغلب، بتداعيات واقعية له في المنطقة.
- القدس العربي