ملخص
أفادت مصادر الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا بأن الاندماج الكامل بالدولة السورية سيتم مع نهاية العام الحالي، وهذا ما سبق أن أكده قائد “قسد” مظلوم عبدي، في حين تشكك الآراء التركية بالأقوال وتنتظر “الأفعال”، في وقت يبقى الموقف في دمشق حذراً.
في كلمة لافتة تحمل رسائل مزدوجة في اتجاهات متعددة، خرج قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) مظلوم عبدي، ليعلن أمام منتدى السلام والأمن في الشرق الأوسط في دهوك، أن قواته لا تشكل أي تهديد لأحد، وأن إدارتها تعمل تحت مظلة الدولة السورية، لكن الرسالة الأعمق في هذه التصريحات كانت تأكيده أن اتفاق مارس (آذار) يسير ببطء ولكن بثبات، وأن الملفات العسكرية والأمنية قطعت شوطاً كبيراً ولم يبق سوى “تفاصيل أخيرة” قبل إعلانها رسمياً.
ممثل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا إلى بلدان الخليج العربي سيهانوك ديبو قال لـ”اندبندنت عربية” إن “الإرادة الوطنية والقرار المستقل التي تمتلكها الإدارة الذاتية وقوات قسد متوفرة من أجل الوصول إلى حل مستدام لعموم المسألة السورية، وتنطلق من خلال قرارها بأن الاندماج، حتى يكتب له الاستمرار ويمتاز بالقوة والصلابة، عليه أن يكون ديمقراطياً، وتتشكل من خلاله سوريا جديدة كدولة لا مركزية ديمقراطية تتوسع على عموم السوريين، ومن أجله كان أحد أهم بنود اتفاق الـ10 من مارس العمل على تحقيق الاندماج قبل رأس السنة، ويجب التركيز على نوعية الاندماج وشكله وآلياته أكثر منه على الزمان، رهاننا كسوريين على نوعية الحل أكثر بكثير من وقت إنجازه”. أضاف المسؤول في الإدارة الذاتية أن “المحادثات مستمرة والتفاوض لم ينقطع مع السلطة في دمشق، على رغم أن المحادثات لا تبدو مثالية. ونجد أن الزيارة الأخيرة للرئيس أحمد الشرع إلى واشنطن تطور مهم قد يساعد في تسريع العمل التفاوضي، ومن المفترض أن نشهد، في فترة قريبة، جولة جديدة”، آملاً أن تحقق نتائج ملموسة ينتظرها عموم شعب سوريا.
من جهته، قال عبدالوهاب خليل ممثل “مجلس سوريا الديمقراطية” في دمشق لـ”اندبندنت عربية” إن الاندماج سيتم بالفعل قبل نهاية العام الحالي.
إعلان رسمي مكتوب
في ما يخص تصريحات مظلوم، فهي ليست لافتة في مضمونها بقدر توقيتها ومكان صدورها وسقفها السياسي، فكلامه أتى من دهوك، وعلى منصة يحضرها مسؤولون دوليون وإقليميون، وفي مرحلة تشهد واحدة من أكثر فترات إعادة التموضع في المشهد السوري تعقيداً بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، وتحول ميزان القوى الداخلي والإقليمي، وفي ظل التفاوض المستمر منذ أشهر عدة على صيغة دمج “قسد” بالجيش السوري، والموقف التركي الذي يعتبر هذا الملف ملفاً داخلياً بالنسبة إلى أنقرة، لكن الملفت في تصريحات عبدي قوله إن “الملفات العسكرية والأمنية شهدت تقدماً كبيراً ولم يبق سوى تفاصيل أخيرة قبل الإعلان الرسمي لها بشكل مكتوب وخطي موقع بين الطرفين”، وهذا إعلان رسمي بأن عملية الدمج قد تتم فعلاً بنهاية العام الحالي.
كلام “قسد” العلني عن قرب الاندماج بالدولة السورية، يأتي قبل أسابيع قليلة من نهاية “مهلة سياسية غير معلنة” لها للاندماج، خصوصاً بعد زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى واشنطن والدعم الكبير الذي حظي به من نظيره الأميركي دونالد ترمب، الذي بدوره يعطي أهمية خاصة لمواقف كل من السعودية وتركيا، وكلتا الدولتين داعمتان بصورة علنية ومباشرة لوحدة سوريا، ولحكومة الشرع، لذلك رأى مراقبون أن خيارات “قسد” باتت محصورة بتحصيل أي قدر من المكاسب ضمن إطار الدولة السورية.
أنقرة تبحث عن الخطوات العملية
الباحث السياسي التركي مصطفى يلدز قال “كلما تحدث مظلوم عبدي عن السلام، تتساءل أنقرة عن الخطوات العملية، نحن نسمع الكلام ذاته منذ أشهر، المشكلة ليست في ما يقولونه الآن، بل في ارتباطهم التنظيمي مع تنظيم حزب العمال الكردستاني، هل فعلاً تم فك الارتباط؟”، مضيفاً “تركيا لا تعارض وجود إدارات محلية، لكنها تعارض قيام قوة مسلحة على حدودها تحمل البنية العقائدية نفسها لحزب العمال، هذا هو الموقف التركي، وهذا الموقف يفسر لماذا حرص عبدي في كلمته على التأكيد أن قسد ليست تهديداً لتركيا، لكن هل تقبل أنقرة هذا التعهد؟ المسألة أكثر تعقيداً من مجرد خطاب، والزمن يسير بسرعة وما هي إلا أسابيع قليلة حتى تنتهي المدة التي حددها اتفاق الـ10 من مارس”.
الأكراد… اندماج ولكن
من مدينة القامشلي، قالت الناشطة السياسية الكردية دلشاد مرعي إن الأكراد يريدون بالفعل الاندماج بالدولة السورية، لكنهم أيضاً يريدون “ضمانات، نعم الاندماج في الجيش السوري قد يكون حلاً، لكن هل ستحترم دمشق خصوصية الإدارة الذاتية؟ وهل ستضمن ألا يتم استخدام الجيش بأي أجندة سياسية جديدة؟ إن خطاب مظلوم عبدي يمثل خطاب المصالحة الواقعية، إذ إن القضية ليست كردية فقط، إنها سورية بالكامل، والإدارة الذاتية يجب أن تجد صيغة تعيدها للدولة السورية ولكن من دون خسارة إنجازات السنوات الماضية”.
هل يوجد انقسام داخل “قسد”؟
وسط هذه الأجواء، لفت مراقبون إلى أن الانقسام داخل “قسد” واضح، إذ إن هناك تياراً براغماتياً يرى أن ضمان مستقبل الكرد يمر عبر الدولة السورية الجديدة، في حين يخشى التيار الآخر المتوجس فقدان المكاسب السياسية والعسكرية التي تحققت منذ تأسيس “قسد” قبل 10 سنوات، أما التيار الثالث فهو تيار الارتباط العقائدي مع “حزب العمال الكردستاني”، وهذا التيار يرفض الدمج ويعتبره تنازلاً، إلا أن الإرادة الإقليمية والعربية تبدو مع الدمج وحماية وحدة الأراضي السورية.
ما الذي نص عليه اتفاق مارس؟
في الـ10 من مارس عام 2025 أعلنت الرئاسة السورية اتفاق إطار مع قائد “قسد” مظلوم عبدي، تضمن بنوداً حول وقف النار، وحقوق التمثيل السياسي للمكونات، واندماج “قسد” ضمن مؤسسات الدولة كهدف أساس مع تفاصيل تترتب لاحقاً على لجان فنية وسياسية، لكن هذا الإعلان السياسي لم يحسم كل التفاصيل العملية سوى الإشارة إلى أن عملية الاندماج ستتم مع نهاية العام الحالي. وخلال الأشهر الماضية، شهدت مناطق التماس بين الطرفين توترات عدة خصوصاً في حيي الشيخ مقصود والأشرفية بمدينة حلب، وريف دير الزور الغربي، وبمقابل التوترات الأمنية التي تتكرر بين الحين والآخر، لم يشهد ملف الاندماج أية خطوات عملية ملموسة على رغم مرور تسعة أشهر على توقيع الاتفاق.
رسائل متضاربة
الصحافي السوري حسام المحمود قال “لا يمكن البناء على تصريحات قائد قوات قسد مظلوم عبدي وحدها، لتحديد ما إذا كانت قسد ستندمج فعلاً في الهيكلية الحكومية السورية بحلول نهاية العام، نظراً إلى مجموعة اعتبارات، أولها أن خطاب عبدي بطبيعته يحمل بعداً تصالحياً، ولا تميل تصريحاته عادة إلى التصعيد، بل على العكس، فعلى رغم حال المماطلة بتنفيذ الاتفاق، التي تتهم دمشق قسد بها، يتحدث عبدي باستمرار عن مواصلة الحوار مع الحكومة وعن وجود خلاف على آليات التطبيق فقط، كما أن تصريحاته الأحدث لم تقدم ما يمكن اعتباره وعوداً أو تعهدات، إذ تحدث عن آمال بتطبيق الاتفاق الذي لم يتحقق على الأرض أي من بنوده الثمانية منذ توقيعه في مارس، مما يعني استبعاد تطبيق الاتفاق بالكامل في غضون شهر أو شهر ونصف شهر، وهي المهلة المحددة للتطبيق”.
وبحسب المحمود فإن “رسائل الإدارة الذاتية، المظلة المدنية لقسد، تأتي متضاربة ومتعارضة مع تصريحات قائد قسد، فبالتزامن مع كلام عبدي وآمال الاندماج التي تحدث عنها، خرجت إلهام أحمد، الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية، تتحدث عن عراقيل تحول دون تطبيق اتفاق مارس، متهمة الحكومة بوضع العراقيل وعدم إظهار إرادة جادة لتطبيق الاتفاق، كما اتهمت الحكومة بالتراجع عن الخطوات العملية المطلوبة وبعدم إجراء تعديل على الإعلان الدستوري وبالتهرب من التغيير، في ظل تمسك قسد المتواصل بفكرة اللامركزية التي لا تبدو مقبولة لدى دمشق، ولا لدى شركاء قسد حتى الوقت الراهن في الأقل، كالولايات المتحدة، التي أبدت في أكثر من مناسبة على لسان مبعوثها إلى سوريا (توم براك) دعمها فكرة سوريا موحدة ومركزية وغير فيدرالية وتحت راية واحدة وبجيش واحد”.
تصريحات إيجابية على وقع الانتهاكات
أضاف الصحافي السوري “إلى جانب ذلك، الانتهاكات العسكرية ومحاولات التسلل من ’قسد‘ على خطوط التماس ما تزال متواصلة، وأحدثها جاء بعد تصريحات عبدي، في بادية معدان شرق الرقة عبر هجوم مفاجئ من قسد على مواقع انتشار قوات الجيش السوري، في خرق واضح لاتفاق مارس، وتحديداً في بنده الثالث الذي ينص على وقف إطلاق النار على الأراضي السورية كافة، وبالتالي تجميد العمل العسكري ووقف محاولات التسلل هذه. وعلى رغم أن دمشق ترى في مماطلة قسد محاولات لاستغلال وضع قائم ورغبة في تحصيل أكبر قدر من المكاسب قبل الاندماج، لكنها تبدو رافضة للاشتراط والابتزاز كوسيلة تحصيل مكاسب يمكن التفاهم عليها بالحوار البناء، مع الأخذ في الاعتبار أن عناصر القوة التفاوضية بالنسبة إلى قسد آخذة بالتراجع، ما لم تكن تتلاشى أصلاً، فالدعم الأميركي يتصاعد كل يوم للحكومة المركزية في دمشق، وشراكة الدولة السورية في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي أفقدت ’قسد‘ مبررات بقائها كتشكيل عسكري خارج مظلة الدولة، وعلى مستوى إقليمي، فإن تجربة حزب العمال الكردستاني التي كانت ملهمة لقسد، أثبتت بعد عقود من الصراع عدم جدواها، وأن الحل بالحوار، وبالحوار وحده، وأنه لا فائدة من العمل المسلح على هذه الشاكلة”، وختم حديثه قائلاً “على رغم استبعاد فكرة الاندماج الكامل بحلول نهاية العام، أرى أن انخراط قسد الجدي في عملية الاندماج قبل نهاية العام في الأقل إذا تم فمن شأنه خلق وضع دبلوماسي مختلف يخفف من حدة الاحتقان السياسي الحاصل، التي تتمثل بتصريحات الحكومة في دمشق ومسؤولي قسد في شمال شرقي البلاد مع أعين تركية مفتوحة تراقب بحذر وحساسية وتنتظر الوصول إلى حل سلمي لطي هذه الصفحة، في حين يمكن النظر لتصريحات كل هذه الأطراف ودعمها الحوار والحل السلمي واستبعاد الحل السياسي كبادرة إيجابية يمكن البناء عليها للوصول إلى نتائج تؤسس لسوريا جديدة موحدة، لا تقوم على منطق الإخضاع بالقوة، أو الحسم العسكري الذي سيحمل فاتورة مكلفة إذا تم الاستناد إليه”.
- إندبندنت






















