حينما خطاب الانفصال يرتدي ثوبَ المظلوميّة، بين صلابة سورية التي لا تقبل القِسْمة، وبين هشاشة الأوهام التي تُنسج في غرف التفتيت، يكون “أراكوز” تسالي طفليّة على مسرح السياسة، وأداة قذرة في سوق نِخاسة الدول. وحينما تضلّ البوصلة الطريق، يصبح العدوّ التاريخي حليفاً، والمظلوميةُ صكّ عبور نحو “كنتنة” سورية. إن ما قاله “الهجري”، منذ أيام، ويتبعه اليوم مظلوم قسد في حلب، ارتماء في “تيه سياسي”، يظنّ الواهمون أن “تلّ أبيب” يمكن أن تكون ملاذاً لمن ضاقت به جغرافيا الوطن، وليس دفاعاً عن خصوصية الجبل، إنها رحلة بدأت بآلامِ السوريين، وانتهت بسرابِ “باشان”، حيث تُقايَض سيادة الأرضِ بوعود حماية زائفة، ورعاية لا تخدم إلا تحطيم ما عجز الاستبداد والإرهاب عن كسره. وما نشهده من محاولاتٍ لسلخ “جبل العرب” تحت مسمّى “جبل باشان”، إنّما هو حلقة في مسلسل مشبوه، يسعى لاستبدال “وحدة الدولة” بمنطق “وحدة الأقليات”! إنه مخطّط تُنسَج خيوطه بين كانتونات تلتقي عند رذيلة الارتهان؛ تمتدّ من مشروع “قسد” في الجزيرة السورية، إلى “باشان” الهجري في الجنوب، وصولاً إلى أوهامِ “غزال” في الساحلِ والوسط، في سعي محموم لشرعنة التقسيم تحت مسمّى الحماية، وتحويلِ الوطنِ من “فسيفساء” يغنيها تنوّعها، إلى أدوات تخدم أجندات العابرين.
إنَّ الأمانةَ الوطنية تقتضي الإقرارَ بأنَّ الأخطاءَ والمجازرَ التي وقعت في السويداء، وكان ضحيتَها أبرياءُ من الطرفين، تركت ندوباً في الوجدانِ الجمعي؛ وهي فظائعُ اعترفت الدولةُ ببشاعتِها، وشكّلت لجان التحقيقِ لتحديد المحرّضين والفاعلين. لكن الجريمةَ الكبرى تكمنُ في “الاستثمارِ” بهذه الدماء لتمزيقِ البلاد، والاستقواءِ بأحضانِ “نتنياهو”، في مقايضةٍ رخيصةٍ لتاريخِ الجبلِ العروبي بصكوكِ غفرانٍ من قوى الاحتلال. فالمواطنةُ الحقّةُ تحمي الجميعَ، وتحاسبُ الجميعَ تحتَ سقفِ عقد اجتماعي، يرتضيه الجميع. لا “خصخصة القرار” وتفرّد مرجعيات بعينها، لتسوق الجبل أو الجزيرة أو الساحل نحو “الوكالة “الجيوسياسية”. الردّ على الأخطاءِ لا يكون بخطيئة الانفصال، بل باستعادة الدولة السيّدة التي تلمّ شتات أبنائها بالمحاسبة لا بالإقصاء.
فمَن يمتطي صهوة الانفصال اليوم، مستقوياً بالفلول وشبكات التهريب وتجّار الكبتاغون، إنّما يقرأ من كتاب أتَتْ عليه المتغيّراتُ الدولية، التي ترى في الدولة السورية القوية خيار استقرار دولي، ممّا يجعل الانفصال معزولاً عن الواقع. إذ مع طيِّ صفحة النظام البائد، ينفتح الأفق أمام حياة سياسية في ظل دولة مواطنة، يربط مكوّناتها عقد اجتماعي يشارك في رصف جواهره وتنسيقها كلّ السوريّين.
سورية التي انفتحت على المحيط بتصفير المشاكل، ونفضت عن كاهلها غبار “قيصر”، وتخلّصت من قيوده، تقف، اليوم، شريكاً في “التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب”؛ حيث يعدُّ ذلك مساراً مفتاحيّاً لتحقيق الاستقرار في كل المناحي، لإنجاز مهام المرحلة الانتقالية، وإنهاء مشاريع الوكلاء المقامرين بمستقبل أجيال سورية.
وما قتلُ المعارضين الوطنيين تحت التعذيب في معتقلات الكانتونات، ومصادرة القرار الوطني لصالح المشغّلين، إلا بيعَ سراب. لكن الوعي الوطني السوري، هو الحصن الذي سيبدّد وَهْمَ “باشان”، والميليشيات العسكرية الوظيفية، والكانتوناتِ الموعودة؛ لأن يقين الانتماء للدولة ضمان لسورية الموحّدة، ترفل بالسيادة من قاسيون إلى جبل العرب، ومن الفرات إلى الساحل، عصيّة على التفتيت أو القِسْمة.
- رئيس التحرير

























