اعتبر المفكر السوري الكبير صادق جلال العظم، أن «لا مستقبل للحركات الاسلامية مثل حماس وحزب الله والقاعدة، لأنها لم تتعلم الدروس من حركات التحرر الناجحة، بل تقوم بقتل شعبها، وتنقصها الديموقراطية».
وأكد العظم، في حديث لـ «الرأي»، على هامش المؤتمر السنوي لـ «جمعية دراسات الشرق الأوسط» في بوسطن، أنه «طالما أن حركة حماس، هي تنظيم سني صاف، وطالما أن حزب الله، هو تنظيم شيعي صاف، لا يمكن أن يرقى أي منهما إلى مستوى حركات تحرر، مهما حملوا السلاح وطقطقوا به».
وأثنى العظم على نوايا «تحالف 14 مارس» اللبناني. وأوضح: «رؤيتي أن هناك نية لدى تحالف 14 مارس، لتطبيق المبدأ الديموقراطي العام القائل أن الأكثرية تحكم والأقلية تعارض، فيما تتم المحافظة على حقوق الأقلية البرلمانية لجهة حرية التعبير». وأضاف: «هناك نية لإسكات هكذا مشروع في لبنان، وأعتقد ان المعارضة الاسلامية، شيعية أو سنية، إن تولت الحكم، فإن الديموقراطية لديها هي حكم الأكثرية، ولا تتفوه بأي كلمة عن حقوق الأقلية».
وتحدث العظم عن «قفزة هائلة لو تم تحسين الديموقراطية بنسبة 20 او 30 في المئة، في أي بلد لبنان أو سورية». وتابع «إن أهم شيء قد يحصل في سورية، هو رفع الأحكام العرفية والعودة إلى حكم القانون العادي… حتى لو تم رفع قانون الطوارئ بحدود 40 في المئة، نكون حققنا قفزة هائلة».
ورغم أنه اعتبر «ان الحريات تراجعت في لبنان». وأضاف: «أنا أرتاح في لبنان، مثلا معظم كتبي ممنوعة في العالم العربي، والمكان الوحيد غير الممنوعة فيه هو لبنان… بيروت كانت دائماً النافذة التي استطعنا من خلالها أن نقول شيئاً أو أن نقدم شيئاً رغم الحرب. ما زالت بيروت الأفضل بالنسبة إلى مثقف مثلي يحب الاطلاع، وفيها مكتبات جيدة». وفي حين أعرب العظم عن اعتزازه بانتخاب 4 نساء في مجلس الأمة الكويتي، لكنه يعتبر «أن ديموقراطية الكويت لم تكتمل عناصرها بعد».
وأكد «أن النموذج الديموقراطي اليوم هو في تركيا»، متسائلا «هل لدينا اليوم رئيس عربي لديه برلمان منتخب وصاحب سيادة يستطيع أن يحيل اليه أي إملاءات أميركية لرفضها من دون أن يضحك عليه الأميركيون»؟ وفي ما يأتي نص اللقاء مع العظم، مؤلف «النقد الذاتي بعد الهزيمة» و«نقد الفكر الديني». العظم، والذي ما زال متقد الفكر وهو في الخامسة والسبعين من العمر:
> ما تقويمكم لعصر النهضة العربية الذي بدأ مع جمال الدين الافغاني ومحمد عبده، عطفاً على مداخلتكم عن غياب الحل العربي لشؤون العالم العربي؟
بالنسبة إلى (الرئيس المصري الراحل جمال) عبد الناصر، من خصائص البعض أن لديه شخصيات قوية، تمثل أفكاراً، وهذه الشخصيات يكون طابعها انتقالياً. مثلا، يكون خريج الأزهر والتدريس الديني، لكنه يتجه في اتجاه تحديثي وإصلاحي. هناك كوكبة من هذه الشخصيات، نحن نذكر دائماً محمد عبده والأفغاني لأنهما الأبرز، لكن من دون شك كان هناك كوكبة من الشخصيات. لذلك ترى مع هذه الشخصيات أن الكثير من الأفكار أو المشاريع التي كانت تختمر في حينه، جزء منها تحقق، مثلا مشروع الدولة، المشروع القومي، مشروع كتابة الدساتير، تجد هناك أفكاراً اشتراكية وأفكاراً علمية، كلها كانت في مراحل جنينية، بعضها تغير وأخذ دوراً، مثلا الفكرة القومية.
أنا رأيي أن الجانب الذي بدأ قليلا في عصر النهضة وتم إهماله ثم سقط – وهذه مرحلة كانت حاسمة في الفشل – هي مسألة الثورة العلمية.
> ماذا تعني بذلك؟
أعني العلوم، هذا الجانب قطع ولم يستمر في داخل الحركة العربية التي تطورت منذ عهد النهضة، وأنا أعتقد أن ذلك كان مقتل النهضة، حتى الذين تحدثوا بالاشتراكية
العلمية، كم واحد منهم كان في حقل العلوم… الماركسيون واليساريون، كلهم تراهم يشتغلون بالفن والأدب والسياسة، ولا واحد منهم كان لديه اهتمام أو حدث أن قرأ بحثاً علمياً ما… إضافة إلى الأنظمة العسكرية، لأن هذه تحتاج إلى حد أدنى من التكنولوجيا والتدبير العلمي، لكن حصروها بالمؤسسات العسكرية وبالجيش، لم يسمحوا للعلم أن يتوسع، مثلا، في الوسط الطلابي، أو الوسط الجامعي…
> لماذا تتحدث عن فعل القطع باستخدام صيغة المجهول، من قام بهذا القطع لمسيرة التطور العلمي؟
أنا بتصوري… طبعا ليس لدي جواب حاسم، لكن تصوري لأن ذلك كان سيصطدم مع الإسلام، خافوا من هذا الموضوع لأنهم انطلقوا من مسلمة غير مدققة وغير مدروسة وهي أن الإسلام والعلم صنوان، توأمان، أي أن هذا حق وهذا حق، والحق لا يمكن أن يناقض الحق… انطلقوا من هذه المسلمة. عندما رأوا أين ستصل الافكار العلمية، لم يكملوا مسيرتهم.
> هل تضع أياً من اللوم على موضوع النفط، أي أن اكتشاف هذه الثروة الهائلة، هل ساهمت في إجهاض النهضة بتكريسها للموضوع القائم على حساب الحوافز للعمل والبحث والتجديد؟
انظر، هناك نزعة أننا دوما نبحث عن شيء نلومه، بدلاً من أن نلوم النفط، علينا أن نلوم البشر، كيف اتخذ هؤلاء القرارات وتصرفوا مع الثروة الناتجة عن النفط، لا أستطيع أن ألوم مادة خام، الجواب هو نحن كيف تصرفنا مع النفط ومع المؤسسات.
> تقريبا ما هو التاريخ الذي تضعه لانقطاع النهضة العربية؟
هناك مراحل، ممكن أن ترى مرحلة المد القومي والناصرية والبعث على أنها المراحل المزدهرة وعلى أنها امتداد لعصر النهضة، لكن نلاحظ أن هذا الامتداد كان ينقصه، أو هو تجنب القضايا المتعلقة بالعلم الحديث… كانوا يحبون أن يأتوا ببعض التكنولوجيا وأن يطبقوها، لكن لم يكن هناك أي اكتشافات أو أبحاث متمحورة حول الأسس…
> لكن إن اعتبرنا أن الموضوع الديني هو الذي مثل العائق للتطور العلمي في العالم العربي، فعلينا أن نتذكر أن معظم الانظمة خاضت مواجهات مع الفكر الديني والحركات الدينية.
واجهوا الفكر الديني عندما تحداهم سياسيا، لكن على الصعيد الفكري والايديولوجي، لم يواجهوه. دعني أعطيك مثلا، في عز فترة الناصرية، كانت هناك معركة حول إذا ما كانت الأرض مستديرة أو مسطحة، إذا كانت الأرض تدور حول الشمس أم بالعكس، كنت أنا يومها في الجامعة الاميركية في بيروت في الستينات عندما ضج هذا النقاش. وكان العالم العربي مقسوماً إلى معسكرين، معسكر تقدمي تابع لعبد الناصر، يدافع عن نظرية الارض المستديرة وآخر رجعي يدافع عن نظرية الأرض المسطحة. لكن كل النقاش كان خطاباً على طريقة شهرزاد، يتحدثون عن العلم في الإعلام فقط، لم يتناول أحد منهم دورية علمية ويقرأها.
ثم جاء بعض علماء مصر إلى عبد الناصر، وقالوا له هذا موضوع ولادة القمر والتماسه (من أجل تحديد الرزنامة الإسلامية والأعياد)، نستطيع أن نحدد بدقة مواعيد ولادة القمر من اليوم وحتى ألفي سنة مقبلة، وحتى ألفي سنة إلى الوراء، لكن عبد الناصر لم يجرؤ على سحب هذا الموضوع من علماء الدين في الأزهر، وأن يحولها إلى علماء الفلك. ثم إنه حتى في الثمانينات، أصدر رجل دين كبير، كتابا كفر فيه كل واحد يقول إن الأرض تدور حول الشمس، لم يجرؤ أحد أن يرد عليه في كل العالم العربي…
> كل العالم العربي؟
كل العالم العربي، طبعا ممكن أن يرد عليه واحد من أمثالي، وهذا لا يكفي… المهم، يصعب علي تحديد متى قطعت النهضة العربية، أغلب الظن أن النهضة تلاشت في ما الحركة القومية كما تعرف مشغولة بفلسطين، ولم تعط هذا الجانب أي أهمية، وطبعا ننتظر أن يأتي السوفيات كي يبنوا لنا السد العالي والطائرات…
هذه أسميها بأيديولوجيا التسخير، إن سبحان من سخر لنا هذا، يعني سبحان من سخر لنا الأميركان، كي يصنعوا لنا طائرات «بوينغ» نذهب فيها إلى الحج، وسبحان من سخر لنا أهل سويسرا كي يصنعوا لنا ساعات جيدة تضبط لنا وقت الصلاة، وسبحان من سخر لنا اليابان لكذا وكذا، ونحن نجلس في علوائنا ولا نصنع شيئا.
> وبناء عليه استطاع التيار المحافظ أن يهزم المد القومي…؟
طبعا لا، لم يهزمه التيار المحافظ، المد القومي انهزم بنفسه، أمام إسرائيل أساسا، ثم نشأ الفراغ الكامل، فالمد القومي – أي المرحلة الناصرية منه – لم تستنفذ نفسها رويداً رويداً، أو ببطء، بل حدث ذلك بطريقة فجائية، كل من هم من جيلي عاشوا كيف حدث ذلك في العام 1967، فراغ كلي، وأنا كنت أحد الأوائل ممن أحسوا أن الدين هو الذي سيملأ الفراغ.
> برأيك، هل يستطيع الفكر الديني أن يملأ هذا الفراغ بمفرده، مثلا هناك أبحاث تشير إلى أن صدام حسين إثر هزيمته في العام 1991، لم يلجأ إلى شعار الدين فقط، وإنما قام بتغذية العصبيات القبلية لمصلحته؟
صحيح، لكن هذا بدأ بعد العام 1967 وانهيار المشروع الشعبوي القومي والاشتراكية العربية. مع استمرار التدهور، لم يتوقف الموضوع على الديني فقط، بل أصبحنا في الطائفي، والقبلي، والجهوي، والعائلي…
> هل تقصد الاتجاه إلى المقاومة الفلسطينية المسلحة بعد انهيار مشروع عبد الناصر القومي بعد هزيمة العام 1967؟
اليوم نرى أن مشروع المقاومة المسلحة هو وهم، لكن في حينه، أردنا أن نتعلق بحبال الهواء، على حد قول المثل الشعبي، اعتقدنا أنها قد تكون البديل وتنقذ المشروع القومي، لكن المقاومة الفلسطينية هي فرع من مشروع التحرر العربي، ومثلما انهار المشروع، انهار الفرع…
> لقد شخصنا الوضع العربي الحالي وكيف وصلنا إلى هنا، لكن برأيك إلى أين نذهب من هنا؟
برأيي بعد الثورة الاسلامية في إيران في العام 1979، انقسم اليسار، القسم الاكبر من اليساريين تراجع إلى خط الدفاع الثاني، وهذا أخذ شكل الدفاع عن حقوق الإنسان، والدفاع عن الحريات، والدفاع عن شيء من الديموقراطية، وأهم شيء العمل على رفع قوانين حال الطوارئ والمحاكم الاستثنائية. أما القسم الاصغر من اليساريين، فالتزم الكفاح ضد الامبريالية، والذي يقوده اليوم الإسلاميون، مثل حركة «حماس» و«حزب الله» و«القاعدة»، وأنا توقعي أن لا مستقبل لهذه الحركات. أسلوبها وتكتيكاتها في العمل تهمل كليا كل الدروس التي استخلصت من حركات التحرر المسلحة الناجحة في القرن العشرين، مثل حرب التحرير الجزائرية.
هناك قاعدة أساسية في حروب التحرير، أنه عليك ألا تهاجم شعبك. أما الحركات الإسلامية الحالية، فلا تبالي، فنراها تهاجم شعوبها على أساس، أن هذا كافر وذاك خائن.
هناك قاعدة ثانية، هي أن تحاول أن تخلق جبهة وطنية أو وحدة وطنية، على الأقل موقتاً حتى تدحر المحتل، مثلاً في العراق، بدلاً من مواجهة المحتل، شن العراقيون الحرب على بعضهم البعض. لقد نسيت الحركات الحالية هذه القواعد والتصقت بايديولوجيات طائفية ضيقة.
> لو طبقنا هذه القواعد على الموضوع اللبناني مثلا. لا نريد الدفاع عن تحالف «14 مارس»، لكن يبدو لنا أنه هو الذي يطالب بحقوق الإنسان والعدالة وتطبيق قواعد الديموقراطية، في مقابل ما تعتبره المشروع اليساري الآخر، أي أولوية تحرير أرض ما، وممكن «دعوسة» الفئة التي لا تمشي في مشروع التحرير. ما هي رؤيتك للموضوع اللبناني؟
أنا رؤيتي أن هناك نية لدى تحالف 14 مارس، لتطبيق المبدأ الديموقراطي العام القائل بأن الأكثرية تحكم والأقلية تعارض، فيما تتم المحافظة على حقوق الأقلية البرلمانية لجهة حرية التعبير… هناك نية لإسكات هكذا مشروع في لبنان، وأعتقد أن المعارضة الإسلامية في لبنان، إن شيعية أو سنية، إن تولت الحكم، الديموقراطية لديها هي حكم الأكثرية، ولا تتفوه بأي كلمة عن حقوق الأقلية.
لو طبقنا هذا على المعارضة الإسلامية في سورية، نراها تطالب بالديموقراطية، لأن 65 في المئة من السوريين هم من السنة، أما إذا أجرينا انتخابات وفازوا فيها وحكموا، فلا تعهدات بأن الأقلية ستكون حقوقها محفوظة أو أنه سيسنح لها أن ترتب أمورها كي تعود إلى الحكم في انتخابات مقبلة كأكثرية جديدة، كل هذا تتركه المعارضات الإسلامية غامضاً.
> لكن هناك شيء آخر تقوله المعارضة الإسلامية في لبنان، إن موضوع المقاومة يتصدر كل المواضيع الاخرى، كالديموقراطية وتنفيذ القرارات الدولية؟
برأيي، هذه ذريعة قديمة تقدمها الأقلية الإسلامية في لبنان، أي أن باسم مواجهة إسرائيل والمقاومة، سنقوم بتعليق كل شيء، نعلق الديموقراطية، وقضية المرأة، والعدالة الاجتماعية، حتى يتسنى لنا أن نحرر فلسطين أولاً. أعتقد أن هذه الذريعة تم استنفادها، وانتهت.
أنا أعتقد أنه طالما أن «حماس»، هي تنظيم سني صافٍ، وطالما أن «حزب الله» هو تنظيم شيعي صافٍ، لا يمكن أن يرقى أي منهما إلى مستوى حركات تحرر، مهما حملوا السلاح وطقطقوا به، من دون المشروع الديموقراطي، وأنا أتحدث عن شيء منه على الأقل، لا مستقبل لهذه الحركات…
في أي بلد لبنان أو سورية، لو تم تحسين الديموقراطية بنسبة 20 او 30 في المئة، تكون قفزة هائلة.
> في الموضوع السوري، نود الاستماع لرأيكم؟
أهم شيء قد يحصل في سورية، هو رفع الأحكام العرفية والعودة إلى حكم القانون العادي. حتى لو تم رفع قانون الطوارئ بحدود 40 في المئة، نكون حققنا قفزة هائلة.
> سمعناك خلال أعمال المؤتمر السنوي لـ «جمعية دراسات الشرق الاوسط»، تتحدث عن أهمية «إعلان دمشق»، هل هذا جزء من مشروع تحسين سورية؟
طبعا، إعلان 1999، أهم ما جاء فيه، هو رفع الأحكام العرفية، لأن المطالب الأخرى من ضمنها، مثلا استقلالية القضاء، لا نطلب استقلالا تماما، لكن 40 في المئة تكون قفزة كبيرة، وكذلك ممكن بعض الإصلاحات في هذه الحالة.
> من تجارب الدول العربية المختلفة، هل تعتقد أن أيا منها أفضل من الأخرى؟
إذا تريدني أن أعطيك جواباً شخصياً، أنا أرتاح في لبنان، مثلا معظم كتبي ممنوعة في العالم العربي، المكان الوحيد غير الممنوعة فيه هو لبنان، المكان الوحيد حيث النقاشات الجدية والطروحات والردود هو لبنان. هذا جواب شخصي وليس موضوعياً، لأني أنا ابن دمشق وبيروت في الوقت نفسه. بيروت كانت دائماً النافذة التي استطعنا من خلالها أن نقول شيئاً أو أن نقدم شيئاً رغم الحرب، إلى هذا اليوم، ما زالت بيروت الأفضل بالنسبة إلى مثقف مثلي يحب الاطلاع، وفيها مكتبات جيدة.
كتبي مسموحة في لبنان فقط، وبأحكام قضائية، منعوا أحدها (نقد الفكر الديني) في العام 1970 وأدخلوني السجن، لكن يومها كانت الجبهة العلمانية، قوية، جاءت الأحزاب والأطباء والمحامون ودافعوا عني، لم يتبنوا الكتاب بالضرورة، لكنهم دافعوا عن مبدأ حرية التعبير. محامون تطوعوا للدفاع عن كتابي، قد تعرفون منهم، ادمون رباط وعبدالله لحود وباسم الجسر، كلهم جاءوا من تلقاء انفسهم… والقاضي، من عائلة آل بارودي، كانت لديه الشجاعة لرفض القضية.
> برأيك، لو صدر كتابك نفسه اليوم، هل كان من الممكن أن تفوز في معركة حرية الرأي؟
أعوذ بالله، اليوم غير ممكن أن تنعاد معركة الحرية، اليوم نرى تراجعاً، في وقتها، حصل نقاش واسع جداً في العالم العربي حول موضوع الكتاب، كما تعلم الكتاب هو 250 صفحة، لكن هناك أكثر من 1500 صفحة كتبت كردود، وكل كتب الردود تم طبعها في لبنان.
اليوم، لا يمكن أن يحصل هذا الشيء، بل من الممكن أن يعمد معارضوك الى قتلك بالرصاص.
> يعني حتى لبنان تراجعت فيه الحريات؟
صحيح.
> أعود إلى الخليج، كثيرون يعتبرون دبي تجربة اقتصادية ناجحة، أو أن ديموقراطية الكويت تجربة إيجابية. ما رأيكم في ذلك؟
مقاييسي تتعلق بالثقافة، قد تكون دبي ملائمة لأهل الأعمال، لكنها ليست لي.
> ماذا عن ديموقراطية الكويت؟
عن الديموقراطية الكويتية، ليس لدي تجربة شخصية. أنا أقرأ أناساً يؤيدونها وآخرين يعارضونها. برأيي الشخصي، شعرت بالاعتزاز الكبير عندما علمت أنه تم انتخاب أربع نساء إلى البرلمان الكويتي، رغم المقاومة الشديدة في وجههم. وهذا شيء مهم جداً. إنه أهم من لو جاء (رئيس مصر) حسني مبارك ووضع خمس نساء في البرلمان المصري. لكن هل تشكل التجربة الكويتية نموذجاً ديموقراطياً في المنطقة؟ – برأيي إنها تحتاج إلى عناصر كثيرة اخرى.
النموذج الديموقراطي اليوم هو في تركيا. حتى «الإخوان المسلمين»، ليس الجهاديون، يسألون أنفسهم اليوم: كل حياتنا نكره تركيا بسبب العلمانية والكمالية والغرب وإسرائيل، لكن انظر اليوم إلى أين وصل الإسلام السياسي في تركيا، وانظر إلى إسلامنا السياسي في العالم العربي.
برأيي إنه بمجرد أن وصل حزب إسلامي إلى الحكم في تركيا من دون كارثة، على عكس ما حصل في الجزائر أو ما يرجونه «الإخوان» في سورية، فهذه تجربة تستأهل الاهتمام.
الإسلاميون العرب انفسهم واليساريون بدأوا ينظرون إلى تركيا ويسألون أنفسهم: أين يوجد دستور أو حريات أو برلمان يمكننا التعويل عليها.
تذكر أنه إبان الحرب على العراق، وقف البرلمان التركي في وجه استخدام أميركا لقواعد تركيا الجوية، ولم تجرؤ اميركا فرض رأيها على تركيا لأنها تعلم أن هذا قرار برلمان وكلمة الأكثرية الشعبية.
هل لدينا اليوم رئيس عربي لديه برلمان منتخب وصاحب سيادة يستطيع أن يحيل إليه أي إملاءات أميركية لرفضها من دون أن يضحك عليه الأميركيون؟
* أجرى الحوار حسين عبد الحسين
بوسطن – الرأي الكويتية 5/12/09