اذا ما حاكمنا الامور حسب التقارير في وسائل الاعلام، فان محادثات التقارب بين الاسرائيليين والفلسطينيين، بوساطة أميركية، تبدأ في الوقت الذي يفهم كل طرف من الطرفين هدفها على نحو مختلف. فاسرائيل تريد أن تعتبر محادثات التقارب خطوة اجرائية، شبه فنية، في الطريق الى مفاوضات مباشرة. ونقل على لسان رئيس الوزراء قوله ان المفاوضات غير المباشرة هي رواق في الطريق الى الغرفة. وهكذا ايضا وزير الدفاع ومسؤولون كبار آخرون ممن يغرسون في قلوبنا الاحساس بأن الحديث يدور عن مرحلة غير مهمة تساعد فقط الفلسطينيين على "النزول عن الشجرة".
الفلسطينيون، في المقابل، يحاولون جعل المفاوضات غير المباشرة مرحلة جوهرية. يريدون أن يحققوا انجازا ما كي ينتقلوا منه الى مفاوضات مباشرة. وسواء كان هذا تعريف ارض الدولة الفلسطينية، او تحديد زمن المفاوضات او مقاييس اخرى – فان هذه ليست مرحلة فنية بالنسبة لهم. لقد اراد الفلسطينيون بدء المفاوضات بينما بعض من الشروط الاساسية لها معروفة مسبقا. عندما لم يقبلوا ذلك، وافقوا على محادثات التقارب. ولكنهم يريدون ان تقبل الشروط التي فرضوها منذ البداية في موقف المفاوضات المباشرة.
بالنسبة للاميركيين الامر المهم هو مجرد بدء المفاوضات. يبدو أنه بعد عام من خيبات الامل، من الطرفين ومن أنفسهم يأتي الاميركيون الى المفاوضات غير المباشرة فيما لا يحددون قواعدها كما ينبغي وبدلا من ذلك يفرحون لمجرد انعقادها.
حين يكون كل طرف يرى هدف محادثات التقارب بشكل مغاير ولا توجد اتفاقات حول طبيعة ادارتها، يمكن المرء ان يشك في نجاحها. لا يعتقد أي من الاطراف بان الحديث يدور عن صيغة جيدة لادارة المحادثات. كما أن الاطراف لا يثقون تماما الواحد بالآخر ويفهمون بشكل مغاير طبيعة نهاية هذه المرحلة. لن يخرج الخير من هذا. ومع ذلك، هناك أمران يتشارك فيهما الطرفان من شأنهما أن يجعلا المفاوضات تتقدم وتصبح جدية: انعدام الثقة وضغط الزمن.
بشكل ساخر، الفضل هو أن انعدام الثقة بين الاسرائيليين والفلسطينيين يمكن أن يؤدي الى أن يحاولوا الاثبات لشعبيهما وللعالم قصور الطرف الاخر. اسرائيل، كما يبدو، لا تؤمن بان ابو مازن يمكنه أن يصل الى اتفاق شامل حول كل مسائل اللباب. كما أنه ليس واضحا على الاطلاق اذا كان بوسعه أن يطبق مثل هذا الاتفاق على شعبه.
اما الفلسطينيون فلا يؤمنون بان القيادة الاسرائيلية الحالية مستعدة للحلول الوسط اللازمة من أجل الوصول الى اتفاق دائم. بمعنى – اذا "جرب" الطرفان الواحد الاخر كي يري القاضي الاميركي من حقا مذنب بالفشل المرتقب فقد ينشأ وضع تتقدم فيه المفاوضات.
كما أن ضغط الزمن هو موضوع يمكنه أن يوحدهما. الجامعة العربية وافقت على ادارة المفاوضات غير المباشرة لاربعة اشهر فقط. تحديد الزمن ولد انطلاقا من الفهم بان اسرائيل تريد مسيرة، ولا تريد الوصول الى اتفاق. في الوقت نفسه القيادة الاسرائيلية ايضا تقول انها ترغب في الوصول الى مفاوضات مباشرة مبكرة قدر الامكان.
رغم أن انعدام الثقة وضغط الزمن كفيلان بان يؤديا الى مفاوضات جدية، من المعقول الافتراض بان فوارق الروايتين بين الطرفين ستؤدي الى الا يكون اتفاق بينهما على الانتقال من محادثات غير مباشرة الى محادثات مباشرة. من هذه الناحية، منذ بداية المفاوضات غير المباشرة، تبذل بذور فشلنا. الا اذا تم التقدم في قنوات اخرى بالتوازي مع المفاوضات غير المباشرة، مثلما ألمح نائب الرئيس الاميركي في المقابلة التي منحها لصحيفة "الحياة".
"اسرائيل اليوم"
ترجمة المصدر – رام الله