رام الله – من محمد هواش:
في دراما قصة اطلاق مفاوضات غير مباشرة بين السلطة الفلسطينية واسرائيل في رعاية اميركية مشاهد توالت، بدءا من اعلان بناء 1600 وحدة استيطانية في القدس، وتنديد نائب الرئيس الاميركي جو بايدن، واعتذار اسرائيل عن التوقيت، وظهور رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في دور الشرير الذي ازعج الادارة الاميركية وقوّض مساعيها لاطلاق مفاوضات فلسطينية – اسرائيلية غير مباشرة، وظهور الرئيس الفلسطيني محمود عباس في دور "الخيّر" الذي اعد مسرح المفاوضات غير المباشرة للضيف الكبير بايدن من دون وهم بأن نتنياهو يريد او يستطيع ان يرقص التانغو.
عباس نفسه نعت نتنياهو قبل 11 عاما بـ"الكذاب". ومن يعرف عباس عن كثب يعرف انه يدير لعبة صعبة مع شخص يلخص موقف اسرائيل من كل اللعبة، لا من المفاوضات غير المباشرة، ولا من لعبة نشر عطاءات بناء استيطان في القدس بصرف النظر عن الارقام وعدد الشقق المقرر بناؤها لأنها ليست سوى تفاصيل. وهو، أي عباس، يواصل رهانه على حشر نتنياهو في مواجهة مع العالم لكي يسهل اجباره على مغادرة مواقفه اليمينية في شأن مواصلة الاستيطان مؤشرا لصدق نياته حيال ما قاله في خطابه في جامعة بار ايلان اذ وافق على حل الدولتين، او "كنسه" من الحلبة السياسية من طريق عزله دوليا اولا وتفكيك ائتلافه ثانيا.
هذه المعركة يديرها عباس بروح سلفه الراحل ياسر عرفات، فهو يمشي على حافة الهاوية في رفض شركة مع ألاعيب اسرائيلية مكشوفة على لا دولة، وهو حتى الان يتلقى دعما دوليا ليس كافيا، لكنه مهم. يرمي الكرة في الملعب الاميركي لا في ملعبه مع علمه بأن هذا خطر عليه وعلى اللعبة كاملة. فاذا "باعته" واشنطن لاسرائيل فقد يواجه مصيراً مشابهاً لعرفات، وهو خطر واقعي اذا ما انكسر الاميركيون امام نتنياهو في مقابل التزامه عدم القيام بأي مغامرة خاصة خارج ما تخطط له واشنطن في إدارة الملف الايراني.
ونتنياهو وشركاؤه في الائتلاف يعتقدون ان عباس ورئيس الوزراء سلام فياض يضيقان الخناق على اسرائيل وحكومتها وينزعان عنها الشرعية في العالم.
ويكرر فياض في لقاءات دورية مع كتّاب الرأي في رام الله انه لا يوجد لدى النظام السياسي في اسرائيل أي ميل لتأييد اقامة دولة فلسطينية، وانه لم يلمس أي موقف من هذا النوع مع أي مسؤول اسرائيلي التقاه . وغياب هذا التأييد مصدر دائم لكل شرور الاحتلال. ويرد فياض بتفويض من عباس ودعمه على ذلك باستراتيجية بناء وصمود وتمكين الفلسطيني في ارضه واقتصاده وتنميته وعلاقاته الدولية ومقاومته السلمية للاحتلال. ويضيف: "اننا اليوم اقرب الى اهدافنا لاننا نحن والعالم في جهة، واســرائــيل وحدها في جهة… صدقوني ان هذا لم يحصــل فــي تــاريــخ الــنزاع، ونحن ننظر الى ذلك بجدية. وآمل بل يجب ان نستفيد من ذلك ونستمد قوة وثقة بالنفس منه".
عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" محمد دحلان، الذي فاوض الاسرائيليين مع عرفات منذ تــوقيع اتفاق اوسلو حتى كمب ديفيد الثانية، قال قبل ايام في رام الله: "نحن نعرف نتنياهو جيدا، فهو لا يريد سلاما ولا يريد مفاوضات مع الفلسطينيين لا مباشرة ولا غير مباشرة، ولكننا نذهب معه في اللعبة لاننا جزء من العالم ولا نخشى مفاوضات لا معه ولا مع غيره من المســؤولين الاسرائيليين، فالمفاوضات انتهت تــقنيا منذ عام 2000 واليوم ننتظر من المبعوث الاميركي الخاص الى الشرق الاوسط جورج ميتشل اجابات اسرائيلية عن توقف ألاعيب نتنياهو تحت أي ذريعة. نريد اجابات واضحة عن الحدود: هل لدى اسرائيل استعداد لقبول دولة فلسطينية على حدود 4 حزيران 1967 أم لا؟ اذا كان الجواب لا فلا معنى لأي مــفــاوضــات مــن أي نــــوع. ونحــن نــرى ان القــضــية الفلســطيــنــية تلخص بالارض والحــدود الى جانب القدس واللاجــئين وما عدا ذلك قضايا مــهــمة ولركنها غــيــر اســاســيــة وايجاد حلول لها امر في متناول اليد اذا حلت العقد الكبيرة".
من السذاجة القول إن الفلسطينيين في مأزق لجهة نجاح او فشل محاولة واشنطن اطلاق مفاوضات غير مباشرة. فهم تحت الاحتلال وهذا واقع يبز أي مأزق او اي تعبير اخر. وهدف الفلسطينيين تغيير هذا الواقع لا تكريسه. وكلما انكشف تعارض الاحتلال مع الرغبة الدولية لانهائه كانت معارك الفلسطينيين لتقصير عمر الاحتلال اكثر سهولة من دون ان تكون سهلة .
الخيارات التي تتحدث عن نفسها في صورة مخاوف اسرائيلية (حل الدولة الواحدة) ليست شراً مطلقاً، مع ان حل الدولتين يوفر للشعب الفلسطيني دولة تكون مركزا لتطوره اللاحق. بينما حل الدولة الواحدة يرتب حقوقا فردية اكثر من حقوق وطنية، كما يرتب حقوقاً لاسرائيل الدولة قد تجعل حياة الفلسطيني في ارضه مستحيلة.
"النهار"