دمشق – «القدس العربي»: زار وفد سوري برئاسة وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني، موسكو، أمس الثلاثاء، حيث التقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في حين أشار قيادي في «مسد» إلى إمكانية لعب روسيا دورا في تنفيذ اتفاق آذار بين « قسد» ودمشق.
وحسب الخبر الرسمي الذي نقلته وكالة الأنباء السورية «سانا» فإن الشيباني برفقة وزير الدفاع اللواء مرهف أبو قصرة ومسؤولين في الاستخبارات العامة وصلوا أمس إلى العاصمة الروسية موسكو لإجراء مباحثات مع المسؤولين الروس.
زيارة الوفود السوري جاءت بعد يوم واحد من استقبال الرئيس السوري أحمد الشرع وفداً تركياُ رفيعاً ترأسه وزير الخارجية هاكان فيدان وضم إلى جانبه وزير الدفاع يشار غولر ورئيس جهاز الاستخبارات العامة إبراهيم كالن، وعلى خلفية تصعيد وتوتر أمني شهدته مدينة حلب ضم ضبطه سريعا عبر الإعلان عن وقف لإطلاق النار في محيط حيي الأشرفية والشيخ مقصود داخل المدينة.
وزيارة الأمس هي الثانية من نوعها للشيباني، حيث عقد في نهاية تموز/ يوليو الماضي محادثات مع لافروف، كما التقى وزير الدفاع الروسي أندريه بيلاوسوف ثم استقبله والوفد المرافق له الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين.
وفي 15 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي زار الرئيس الشرع روسيا، وخلال الاجتماع مع بوتين، أعرب عن رغبته في «استئناف» العلاقات مع موسكو.
القمح الروسي
وبينما كان الوفد السوري يصل موسكو أعلنت وزارة الاقتصاد والصناعة السورية عن إجراء مباحثات عبر تقنية (الزوم) بين نائب الوزير السوري ماهر خليل الحسن، ونائب وزير الزراعة الروسي مكسيم ماركوفيتش حول سبل تعزيز التعاون الثنائي في مجال التعاقد على توريد القمح الروسي إلى سوريا.
ونقل موقع الوزارة على «تليغرام» عن الحسن قوله خلال اللقاء إن الجهات المختصة في وزارة الاقتصاد والصناعة تدرس العروض المقدمة من الشركات الروسية المتخصصة بتوريد القمح، وبما يحقق أفضل الشروط الفنية والاقتصادية، ويسهم في دعم الأمن الغذائي في سوريا.
وبينت وزارة الاقتصاد السورية أن الجانبين اتفقا في ختام المباحثات على مواصلة التنسيق وعقد لقاءات لاحقة، بهدف التوصل إلى صيغ مشتركة تخدم مصالح البلدين وتعزز الشراكة الاقتصادية السوريةـ الروسية.
وتعتبر روسيا أكبر مُصدّر للقمح في العالم، ولطالما كانت مورداً رئيسياً للقمح إلى سوريا خلال فترة النظام السابق، وتوقفت إمداداتها مؤقتاً عند سقوط النظام لكنها استؤنفت لاحقاً، وجاءت محادثات الأمس بعد أسبوع من رفع شركة «بالادا» الروسية لتجارة الحبوب دعوى قضائية ضد مؤسسة الحبوب السورية بقيمة 135 مليون دولار، اكتفى مدير عام المؤسسة العامة لتجارة وتخزين وتصنيع الحبوب في سوريا، حسن العثمان، بالقول حينها لـ»القدس العربي» إنه «لم يصل تبليغ رسمي بإقامة دعوى ضد المؤسسة»، موضحاً في الوقت ذاته أن الدولة «وقعت عقوداً لاستيراد 1,13 مليون طن منذ التحرير في كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي من مصادر متنوعة منها روسية وأوكرانية ورومانية».
أستاذ العلوم السياسية في جامعة الشارقة والمختص بالنظم السياسية خلال المراحل الانتقالية من جامعة شيكاغو الأمريكية وائل ميرزا، أكد في تصريح خاص لـ «القدس العربي» أن زيارة الوفد السوري الرفيع إلى موسكو جاءت في توقيت بالغ الحساسية لا يمكن فصله عن تسارع الإيقاع السياسي- الأمني المحيط بسوريا في الأيام الأخيرة، فهي ليست زيارة بروتوكولية، بقدر كونها تعكس انتقال دمشق من مرحلة إدارة الملفات الساخنة بالحد الأدنى، إلى مرحلة السعي لكسر الاستعصاءات قبل أن تنزلق إلى خيارات أكثر كلفة.
واعتبر أن الشق الاقتصادي من الزيارة، بما في ذلك الإعلان عن محادثات لشراء قمح روسي، لا يقل أهمية عن الملفات الأمنية، فهو رسالة مزدوجة: داخلياً، بأن الدولة السورية تتحرك لضمان الأمن الغذائي في مرحلة انتقالية صعبة؛ وخارجياً، بأن العلاقة مع موسكو لم تعد محصورة في البعد العسكري، وإنما صارت تتجه نحو إعادة تطبيع وظيفي متعدد المستويات، وهذا البعد الاقتصادي يمنح الزيارة عمقاً إضافياً، ويجعلها جزءاً من مسار إعادة بناء الدولة.
وأكد ميرزا أن التزامن بين زيارة الوفد التركي الرفيع إلى دمشق، والتوتر الميداني الذي شهدته حلب، ثم التحرك السريع نحو موسكو، يوحي بأن القيادة السورية تعمل على توسيع دائرة الاشتباك السياسي والدبلوماسي بهدف تثبيت شبكة توازنات إقليمية ودولية تحاصر التصعيد العسكري وتسبق تطوراته، معتبراً أنه في قلب هذا التحرك يبرز ملف شمال شرق البلاد ودمج قسد في وزارة الدفاع بوصفه العنوان الأكثر إلحاحاً، بعد عام من التعطيل والمراوحة، فاستمرار التعليق بات أخطر من أي قرار حاسم، سواء باتجاه التسوية أو المواجهة.
ورأى ميزرا أن زيارة موسكو تُقرأ كمحاولة لإعادة إدخال روسيا إلى موقع الضامن والميسّر في ملف تجاوز قدرات المعالجات الثنائية أو المحدودة، مستفيدةً من علاقات موسكو المفتوحة مع دمشق وأنقرة والأطراف الكردية، ومن قدرتها على التواصل السياسي مع واشنطن في مرحلة ما بعد عودة الرئيس دونالد ترامب، حيث يطغى منطق تقليص بؤر الاستنزاف على إدارة النزاعات المفتوحة، معتبراً أن دمشق لا تبحث عن دعم سياسي تقليدي، بل عن مظلّة إدارة انتقالية تُسرّع الحلول وتمنع الانفجار.
كسر الاستعصاء
وتطرق ميرزا إلى قدرة موسكو على ترتيب ملف شمال شرق البلاد وتسريع عملية الدمج وتجنيب البلاد تصعيداً عسكرياً جديداً، وقال إن الأمر أكثر تركيباً، فروسيا تمتلك الأدوات الدبلوماسية والعلاقات اللازمة للعب هذا الدور، لكنها لا تستطيع فرض حل من طرف واحد، ونجاحها المحتمل مشروط بثلاثة عناصر: أولها استعداد واشنطن، في ظل رؤية ترامب، لعدم تعطيل مسار الدمج إذا كان يحقق الاستقرار ويخفف الكلفة الأمريكية؛ ثانيها قبول تركيا بتسوية تضمن أمنها القومي دون الذهاب إلى مواجهة واسعة؛ وثالثها استعداد «قسد» للتخلي عن منطق كسب الوقت والانتقال إلى تسوية فعلية مع الدولة السورية.
وبين ميرزا أن زيارة الوفد السوري إلى موسكو لا تعني أن الحل بات قريباً أو مضموناً، لكنها تشير بوضوح إلى أن دمشق انتقلت من مرحلة إدارة الاستعصاء إلى مرحلة محاولة كسره سياسياً قبل أن يُكسر عسكرياً، وهي رسالة مفادها أن القرار السوري يسعى إلى توسيع هوامش الحل، لكنه في الوقت نفسه يضيق هوامش الانتظار، وفي لحظات كهذه، تصبح موسكو ساحة اختبار لقدرة الدبلوماسية على أن تسبق المدافع بخطوة واحدة على الأقل.
عقيدة التسليح
وأوضح ميرزا أن ملف تزويد سوريا بالأسلحة الروسية من أكثر الملفات حساسية وتعقيداً. وقال من غير المرجّح أن تدخل الدولة السورية في تفاصيله التقنية أو التنفيذية بمعزل عن تنسيق سياسي واسع مع واشنطن، ومع شركاء إقليميين فاعلين مثل السعودية وتركيا، فالمسألة هنا ليست مجرد صفقات تسليح، بل إنها مسار أعمق يمسّ موقع سوريا في التوازنات الاستراتيجية الجديدة، وبالتحوّل الجاري في مقاربة بناء المؤسسة العسكرية نفسها.
وأضاف: يُرجّح أن يكون البحث مع موسكو قد جرى ضمن مقاربة مزدوجة تجمع، سورياً، بين مستويين متوازيين: مستوى استراتيجي طويل المدى، يتصل بإعادة النظر في عقيدة التسليح السورية والانتقال التدريجي من الاعتماد الكامل على المنظومة الشرقية إلى منظومات أكثر تنوّعاً، وربما أقرب إلى المعايير الغربية في المستقبل؛ ومستوى تكتيكي مرحلي، يركّز على تلبية الاحتياجات العاجلة المرتبطة بالمنظومات الروسية المتوافرة حالياً في الخدمة، بما يضمن الجاهزية والاستقرار ومنع أي فراغ تسليحي في مرحلة انتقالية دقيقة، مشدداً على أنه وفي هذا التوازن الحساس، ستبدو موسكو جزءاً من إدارة المرحلة، لا عنواناً لعودة أحادية إلى نمط تسليح سابق لم يعد منسجماً مع التحولات الجيوسياسية الأوسع.
المفاوضات مع «قسد»
نائب الرئاسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية «مسد» علي رحمون قال لـ» القدس العربي»: «موسكو قادرة على تسهيل تنفيذ اتفاق آذار، كما أنها قادرة على عرقلته، وتحديداً ما يتعلق بالبند الخاص بفلول النظام.
وتابع: إن موسكو قد تلعب دورا من خلال تقديم ضمانات للطرفين، ووجودها العسكري في قواعد الساحل والقامشلي ما زال على حاله، ويتيح لها دوراً، وإن بسيطا، في عملية خفض التصعيد والتوتر، على اعتبار أن الدور الرئيس اليوم هو للولايات المتحدة والتحالف الدولي وتركيا.
ورجح رحمون أن الأمور تسير فيما يتعلق بتنفيذ اتفاق آذار/ مارس بأن يحصل التقدم تدريجيا وأن يجري تطبيق بعض بنوده قبل بنود أخرى وليس كسلة واحدة كما يطالب البعض، على اعتبار أن التنفيذ بدفعة واحدة أمر مستحيل.
وقال: إن تنفيذ بعض فقرات الاتفاق عملية أسهل وأكثر ضمانة لحفظ الأمن والاستقرار، وخلال الفترة الماضية قطعت المفاوضات أشواطاً وصلت إلى مستوى تحديد عملية دمج «قسد» عبر ثلاث فرق وبعض الألوية، لكن ما لم يتم الإعلان عنه هو التوافق الذي تم على أماكن وجود هذه الفرق العسكرية وعلاقتهم بوزارة الدفاع، وتلك مسألة معقدة لعدم وجود هيئة أركان في الوزارة، ولا مبادئ عامة لتشكيل الجيش الوطني، وهذه أمور لا بد من توافرها وكانت تطالب بها «قسد» لإتمام دمجها بالجيش السوري.
وأوضح أن المساعي حاليا تبذل لإيجاد التوافقات المرجوة، مع الإشارة إلى أن جلسات المحادثات التي تضم «قسد» مع وزارة الدفاع، أو قوات الأمن ممثلة بـ»الأسايش» مع وزارة الداخلية، أو محادثات الإدارات المدنية، لا تشهد الخلافات ولكن هذه تظهر لاحقا بعض التشاور مع بعض الأطراف الإقليمية.
وعما إن كانت المرحلة المقبلة قد تشهد تسليم أماكن سيطرة جديدة للجيش السوري كبادرة حسن نية، مثل الرقة ودير الزور، تساءل رحمون عن الأسباب التي تدفع «قسد» للانسحاب على اعتبار أنها في النهاية ستصبح جزءاً من الجيش السوري، والاتفاق يذهب بأن قادة «قسد» في هذه المناطق وحتى في محافظة الحسكة، قد يصبحون جزءاً من هيئة الأركان، وهم بذلك يصبحون خاضعين لوزارة الدفاع وهم منتشرون في مناطقهم، وهذه واحدة من الحلول المقترحة.
وبين أن المحادثات متواصلة اليوم لإيجاد الحل النهائي والتفصيلي، ولن يتم الإعلان عنه قبل التوصل إليه بشكل كلي، خوفاً من عرقلة تنفيذه كما يحصل حالياً.
وخلص رحمون الى أن تنفيذ اتفاق العاشر من آذار/ مارس قد وضع على نار ساخنة، مشدداً على وجود ضرورة لتنفيذ هذا الاتفاق وهناك ضغط دولي لتنفيذه، وأعلن مظلوم عبدي في تصريحات له أخيراً، أنه ستكون هناك نتائج إيجابية وقريبة جداً ومبشرة لجميع السوريين وتحديداً فيما يتعلق بتنفيذ الاتفاق، وقال رحمون: ليس لأحد مصلحة في دفع الأمور باتجاه الحرب، والجميع يريد تنفيذ الاتفاق والمجتمع الدولي يضغط لتنفيذه.
- القدس العربي


























