وفق موسوعة ويكيبيديا فإن «الأزمة الإنسانية هي حدث أو سلسلة من الأحداث التي تؤدي إلى تهديد كبير للصحة والأمن ورفاهية جماعة في رقعة جغرافية ممتدة. الصراعات المسلحة والأوبئة والمجاعات والكوارث الطبيعية وحالات الطوارئ الكبرى، هي كلها أزمات إنسانية أو يمكن أن تؤدي إليها».
يكرس هذا التعريف استخدام الصيغة الصحافية التي تأخذها المنظمات الإنسانية في حسابها، ومنها منظمة «أطباء بلا حدود» Médecins Sans Frontières (MSF). لقد استطاع هذا التعريف أن يجمع تحت صوت واحد أحداثا مختلفة لقضية واحدة، وهي الحاجة الملحة لمساعدات هائلة. ونحن نتفهم كيف أن هذا التعريف أصبح جزءا من اللغة الدارجة.
هذا التعريف حاضر لدرجة أنه أوصلنا لحد التساؤل؛ كيف كان يمكن أن نعمل من أجل الإشارة إلى هذه الحالات نفسها قبل ظهوره بهذه الصيغة؟ حروب، سكان مشردون، مذابح، زلازل، مجاعات، هل أصبح هذا الدليل الخاص بالأزمات الكبرى من الماضي أو عفا عليه الزمن؟
لماذا لا نتوقف نهائيا عن استخدام الكلمات التي تشير إلى الحدث بعينه، ونستبدلها بهذه الصياغة العامة؟
هناك إشارة حول الوظيفة العملية لهذه التسمية أو الصياغة، حصلنا عليها من خلال أول استخدام مؤسساتي لها. حدث هذا في 22 يونيو/ حزيران عام 1994، عندما صوت مجلس الأمن على قراره رقم 929، والذي يسمح، تحت إشراف السلطة الفرنسية، بإرسال قوة مسلحة (المسماة تركواز) إلى غرب رواندا.
لقد تم تجنب كلمة «الإبادة الجماعية»، وهو تجنب تم بطلب من الإدارة الأميركية، وهذا فعلا ما حصل. إذا، ظهرت عبارة «الأزمة الإنسانية» على أعلى مستوى، كإشارة لشيء لا يمكن أن نسميه أو يجب ألا يسمى.
ولا بد أن نلاحظ أن وظيفة هذا المفهوم كمحاولة للمواربة والإخفاء، كانت لها أهمية تم الاعتراف بها ولو جزئيا من قبل إدارة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، والتي لم تكن تريد الانجرار إلى أي نوع من أنواع التدخل في إفريقيا، لاسيما بعد مرور عدة أسابيع فقط من الانسحاب المهين لآخر جنودها من الصومال.
في ما بعد وخلال التسعينيات، تنوع استخدام عبارة «الأزمة الإنسانية»، وأصبحت مبتذلة ضمن سياق عام، حيث بدأ فيه الخطاب الإنساني يتطور. فمن الآن فصاعدا، أصبحت مفردات مثل «الاحتياجات الإنسانية» و«الحالة الإنسانية» و«الأزمة أو الكارثة الإنسانية»، كلها تشكل جزءا من المفردات الدارجة.
في قلب مجزرة غزة، خلال يناير/ كانون الثاني 2009، سمعنا بعض المعلقين يتساءلون عن وجود، أو عدم وجود، أزمة إنسانية، وعن الحالة الإنسانية للسكان في القطاع، بينما كان الناطقون باسم الحكومة الإسرائيلية يعترضون على القول بوجود أية أزمة إنسانية، بحجة أن العديد من الشاحنات المحملة بالمعونات الإنسانية، كانت في طريقها الإنساني إلى المستودعات الإنسانية… إلخ.
إذ كانت اللعبة السياسية واضحة، فقد كان الأمر يعني بالنسبة للسلطات الإسرائيلية، الإلحاح على إنكار وجود أية أزمة إنسانية، أي أنه لم يكن هناك وباء ولا مجاعة، وذلك من أجل تجنب الاعتراف بأشياء حصلت بالفعل. لكن الدعاية ليست هي السبب الأول.
وحتى نتحدث عن أخبار جديدة، في بورما بعد إعصار «نارجس»، وفي زيمبابوي بعد انتشار وباء عدوى الكوليرا، وأيضا في سريلانكا أثناء الهجوم القاتل ضد نمور تاميل إيلام للتحرير، تخوفنا من «أزمة إنسانية».. لقد رأيناها قادمة، وكنا حاضرين… ولكن ماذا يعني هذا؟ لا نعرف كثيرا، حيث كان الاهتمام ينصب على إيجاد تسمية لما يحصل، أكثر مما هو وصف لما يحصل.
أي بمعني آخر، جمع أحداث مختلفة تحت مسمى واحد غريب «أزمة إنسانية = بلاد بعيدة»، ومشحونة بالمشاعر «أزمة إنسانية = العديد من الضحايا لا بد من حمايتهم» كما يقترح تعريف ويكيبيديا. وبالتالي إذا اعتمدنا هذا السياق، يجب أن نطلق عبارة «أزمة تسبب الصدمة» لأي عمل تخريب أو معركة أو قصف أو مذبحة أو مجزرة..
ويجب أن نقول «أزمة معنية بطب النساء» لعمليات الاغتصاب، إذ إن جميع هذه الأحداث تؤثر فينا، وفي نهاية المطاف سيلجأ عدد كبير من ضحايا هذه الأزمات، إلى مكان يحصلون فيه على الرعاية.
تشير نشرة «المعهد الوطني السمعي البصري» لشهر يونيو/ حزيران 2009، إلى «تزايد مذهل (على شاشة التلفزيون) للمواضيع التي تعرض الضحايا»، مؤكدة أن: «إذ كان العدد 467 عرضا خلال عام 1995، و1007 خلال عام 2000، و1990 عام 2008».
ويترافق هذا التطور مع «الانتشار الكبير للأخبار المتنوعة»، المتواجدة أكثر فأكثر في النشرات الإخبارية على التلفاز خلال الفترة نفسها. قصف أو هزات أرضية، تشرد للسكان أو خروج قطار عن سكته.. كل هذا يمكن أن نخلط بينه تحت مسمى واحد: «الأزمة الإنسانية»، وضمن زاوية مختلف الأحداث العالمية.
إن لم تكن هناك إمكانية لتوقيف هذه الحركة، فيمكننا على الأقل رفضها وعدم المشاركة فيها. في هذا الصدد، عزيزي القارئ، ما هي الحالة الإنسانية في الحي الذي تعيش فيه؟
رئيس سابق لمنظمة أطباء بلا حدود
alia.hamzeh@Paris.msf.org
"البيان"




















