قبل سنتين تقريباً، لم يكن أحد يشك في نيّات الرئيس أوباما قُبيل وأثناء تقلده الحكم وخاصة ما قاله في خطاب القاهرة من إيضاحات حول محاولاته إصلاح الصورة المشوهة للولايات المتحدة التي تسببت بها سياسة سلفه بوش، وخاصة في منطقتنا التي تعد الآن من أسخن المناطق في العالم بسبب الممارسات الإسرائيلية الإرهابية والدعم الأميركي المطلق لهذه الممارسات، إضافة إلى احتلال العراق واستمرار محاولات التدخل بشؤون الدول، والإملاءات التي كانت الخارجية الأميركية تحاول فرضها على سورية ولبنان وعلى الشعب الفلسطيني.
بعد مضي سنتين تقريباً على إدارة أوباما، ومن خلال التراجعات تلو التراجعات عن الوعود الإيجابية يمكن القول: إننا بتنا نشك في نيّات وأمنيات الرئيس أوباما، ويتأكد لنا مجدداً، إما عجزه عن تحقيق أي من وعوده باستثناء الانسحاب الجزئي الشكلي للقوات الأميركية من العراق، وإما عدم رغبته بالأساس في إصلاح السياسة الأميركية الخارجية وطريقة الهيمنة والتسلط التي اتبعت في عهد سلفه، إذ لا يكفي ما يصدر عن البيت الأبيض من طمأنات أو تصريحات خلبية يسوقها الإعلام هنا وهناك، بينما الأفعال على أرض الواقع لم تغير قيد أنملة من صورة الولايات المتحدة المشوهة لدى مختلف شعوب العالم.
كيف يمكن تفسير الموقف الأميركي الأخير باتهام سورية بأنها تهدد الاستقرار في لبنان وتتدخل بشؤونه الداخلية، في الوقت الذي يؤكد فيه رئيس حكومة لبنان وعشرات المسؤولين اللبنانيين أن كل الادعاءات التي وجهت إلى سورية هي ادعاءات كاذبة؟. ناهيك عن استمرار إسرائيل في تدخلاتها الفاضحة واختراقاتها للسيادة اللبنانية المستمرة منذ عدوان تموز 2006 وحتى الآن؟.
هل في الموقف الأميركي الجديد شيء من المنطق، أم إنه تصعيد لا معنى له، كلما دار حديث عن السلام في المنطقة وعن استحقاقاته المعروفة، وكلما دار حديث عن علاقات أميركية ـ سورية طبيعية، إذ يفترض بالساسة الأميركيين الحاليين إعادتها إلى ما كانت عليه قبل عشر سنوات على الأقل؟.
هل في الموقف الأميركي أي تطور إيجابي لتوصيف الاحتلال الإسرائيلي لأجزاء من الجنوب اللبناني وللجولان وللضفة الغربية، أم إن السياسة الأميركية الحالية لا تزال تنظر إلى منطقتنا وقضايانا من خلال العين الإسرائيلية؟.
حتى الآن، فالجديد القديم والمعلن أميركياً دوماً هو أن الولايات المتحدة تعمل وفق ما يصب في مصلحة إسرائيل ويدعم احتلالها وتمردها على القانون وقرارات الشرعية الدولية، ولا مؤشرات أميركية تدعم منطق العدالة والقانون، وخاصة تهيئة الظروف المناسبة لعملية سلام عادل وشامل تحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة المضطربة منذ عشرات السنين بسبب السياسة الأميركية المواربة التي تبدد حتى الأمنيات الطيبة التي سبق للرئيس أوباما إطلاقها.
مرة أخرى يمكن القول: (كل ملعب يوجد فيه الأميركيون يتحول إلى فوضى).
تشرين السورية