عشرات الضحايا من السوريات أزهقت أرواحهن خلال الأشهر القليلة الماضية فقط، و بأكثر الأساليب همجية وعنفا، تحت مسمى جرائم الشرف. على الأقل، تلك هي الحالات التي رصدها الإعلام، وقد يكون ما خفي أعظم.
ومن البديهي القول، أن تلك الجرائم ليس لها من سند في الدين على اختلاف طوائفه ومذاهبه، لكنها تحظى بسند قوي في القانون الذي يمنح القاتل عذرا مخففا يحيل جريمته المتمثلة في إزهاق الروح إلى ما يشبه مخالفة سير!.
العجيب فعلا، هو الممانعة الرسمية في حذف تلك المواد القانونية التي تشرعن جرائم القتل المذكورة، وتساهم في تأبيد نظرة دونية للمرأة تجعل منها ملكا خالصا لذكور العائلة، يحق لهم التصرف فيه وحتى إعدامه.
يتأتى العجب من مفارقة أن مجلس الشعب يحظى بخاتم “سلطة” التشريع لأي قانون يفرض عليه من قبل السلطة السياسية – الأمنية، التي لا يجادل أحد بأنها صاحبة القرار الأول والأخير في أمور التشريع، كما هو الحال في جميع أمور البلاد والعباد. وبالتالي، لا يمكن تصديق أن مجلس الشعب في أغلبيته يمانع طرح هذه القضية، واتخاذ موقف إيجابي منها .
وقوانين العار تلك، التي تحمي القتل والقتلة ، ليست سوى بعض من القوانين الظالمة التي تحكم مصائر السوريين منذ عقود، ويراد تأبيدها من أجل حماية “الأمن القومي” ومن بعده فليأت الطوفان!.
وإذ يقول البعض، أن السلطة السياسية- الأمنية لا ترغب بإغضاب بعض الرموز الدينية النافذة، والتي تعارض إلغاء شرعنة جرائم الشرف ورفع الحماية القانونية عن مرتكبيها. فيبدو صعب التصديق، بخاصة خلال الأشهر القليلة الماضية، التي جهدت فيها السلطة لإثبات “علمانيتها” بالتصريح والتلميح والكثير من القرارات والإجراءات، التي بدون شك لا ترضي رجالات الإسلام الرسمي وتستفز تيارات عريضة من مريديهم.
في الوقت نفسه، لم تمانع السلطة في حملات مناهضة تلك الجرائم، بل إن إعلامها الرسمي، وشبه الرسمي المحكوم أمنيا، وقف موقفا مؤيدا لتلك الحملات. بحيث تغدو الصورة غرائبية بعد استعراض جميع زواياها، وكأن استمرار الدعم لتلك الجرائم ممثلا بالقوانين البائدة، يأتي من لا مكان. أو أنه في الحقيقة مثل جميع القرارات التي تمس المواطن في الصميم، يطبخ بعقلية بعيدة كل البعد عن مصلحة المواطن، ولأهداف كثيرا ما تصب في مواضع بعيدة عن الموضوع الأساسي الذي صدرت بشأنه! .
في المجمل، وبمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف الذي مر البارحة، تدفعنا المفارقة المؤلمة إلى التساؤل، هل سنضطر بعد حين إلى صياغة نظريات جديدة حول “الحداثة” و”العلمانية” وفقا للمفهوم السوري السلطاني، بحيث لا تستقيم تلك المفاهيم من غير تعميدها بدماء الفتيات والنساء السوريات ؟.
29/ 10/2010
“النداء”