بدأت في السنوات الأخيرة تنتشر وتتكاثر إنفلونزا المدارس الخاصة وباتت المنافسة تبتعد عن مستوى التعليم، فالأقساط والتجهيزات والخدمات المتاحة هي ما تميز مدرسة عن أخرى.. وقائمة هذه المدارس تطول.. فهل أصبحت المدارس الخاصة في سورية مدارس خمس نجوم وربما سبع نجوم؟! أم هي مدارس تشبه الفنادق والأجنحة الخاصة التي يرتادها أولاد التجار والسفراء والفنانين؟! وربما تحول التعليم إلى سوق عرض وطلب!!
سؤال ربما يتكفل به الزمن.. هل تعبر هذه المدارس عن فوارق خدمية ودراسية لا بد من مقارنتها مع المدارس الحكومية؟!
عرض وطلب..
أحد الزملاء يرى أن مشكلة أصحاب الدخول المحدودة تزداد في بداية كل عام دراسي، فتكلفة العودة إلى المدارس عبء كبير على الأهالي، وربما الغلاء الكبير طال العلم والمعلومة، ولم ينجُ منه قطاع التعليم فالسوق عرض وطلب وأقساط الروضات تختلف من مكان إلى آخر وتتراوح بين 32 – 85 ألف ل.س، أما أقساط المدارس تتراوح بين 95 – 250 ألفاً مع أخذ المرحلة التعليمية بعين الاعتبار.
البعض وجد تغيير المناهج باب رزق جديد للمدارس الخاصة.. ربة المنزل سلوى التي لم تعد قادرة على تعليم أولادها لصعوبة المناهج وتقول: «في السابق لم أعانِ من أي مشكلة لتعليم الأطفال أما اليوم فهناك صعوبة كبيرة فإذا كان البعض بإمكانه تحمل أعباء المناهج الجديدة فأنا لا أستطيع» وتضيف سلوى: «ابني في الصف العاشر وأنا لا أستطيع تعليمه كل المواد لا سيما اللغة والرياضيات وليس لدي قدرة على دفع أجور المدرسة الخاصة أو الدروس الخصوصية لذا ألجأ أحياناً إلى أحد الأصدقاء أو الجيران لتعليمه المواد التي لا يفهمها».
تزامن وغلاء
معاناة رائدة تختلف عن سلوى، فمع ارتفاع أقساط المدارس الخاصة التي تزامنت مع تغيير المناهج ترى «رائدة» أن الأهالي باتوا يفضلون تسجيل أبنائهم في المدارس الحكومية فتقول: «في السنوات الماضية كان من الممكن لأصحاب الدخل المتوسط تسجيل أبنائهم في مدرسة خاصة لكن اليوم ارتفعت أقساط هذه المدارس كثيراً» وتضيف رائدة: «سجلت ابني في إحدى المدارس الخاصة التي يُعتبر مستوى التعليم فيها جيداً مقارنةً بقسطها السنوي، لكن في هذه السنة ارتفعت أسعارها كثيراً ولم يعد بمقدوري تحمل أعباء أقساطها المرتفعة».
أصحاب هذه المدارس والعاملون فيها يرجعون غلاء أقساط المدارس الخاصة إلى الخدمات التي تقدمها سميرة التي تعمل في إحدى المدارس التي تعد أقساطها مرتفعة مقارنة مع غيرها تقول: «في كل سنة يتم تقديم شيء جديد للأطفال سواء من خلال قسم الترفيه – الرسم والرياضة والموسيقا – أو في القسم التعليمي، وعلى سبيل المثال مع بداية العام الدراسي الحالي تم تغيير كتب اللغة الإنكليزية التي تأتينا من بريطانيا واستُبدلت بكتب أفضل من سابقتها لتساعد الطلاب على التقاط اللكنة الصحيحة وإتقان اللغة بشكل سريع» وتتابع: «نحن كمدرسة لها سمعتها لدينا كادر تعليمي ذو خبرات كبيرة فالمدرسون لدينا من خريجي الجامعات ويملكون خبرة في مجال التدريس على مستوى عال»، وتشير المديرة إلى أن إدارة المدرسة تقدم تسهيلات لأصحاب الدخل المحدود في حال تفوق أولادهم، وتراعي المستويات في المدرسة من خلال نظام التقسيط على دفعات تتناسب مع الدخول مؤكدة أن أقساط المدرسة بقيت على حالها ولم ترتفع وما زال بإمكان ذوي الدخل المتوسط تسجيل أبنائهم.
مشروع تجاري حضاري
جودة التعليم لم تعد حجة على حسب تعبير أيمن الذي يقول: «بعد أن ارتفعت أسعار المدارس الخاصة نقلت أولادي إلى المدرسة الحكومية، فاليوم المدارس الحكومية تدرّس اللغتين الإنكليزية والفرنسية ولم يعد لدينا حجة بأن المدارس الخاصة تعلم اللغات للأولاد في الصفوف الأولى حتى البكالوريا».
نظرة الأهالي لا تترك مجالاً للشك في أن هذه المدارس قد تكون مشروعاً تجارياً بحتاً يدر على أصحابه الكثير من المال من دون النظر إليها من الجانب التربوي.. توضح أمل بكل جرأة: «همّ أصحاب هذه المدارس الربح فهم لا يتركون وسيلة للربح إلا ويستغلونها من خلال الأعياد والمناسبات والمهرجانات والرحلات الترفيهية التعليمية التي لا تنتهي ناهيك عن المعارض والمقاصف المدرسية التي يستثمرها أشخاص لا ذنب لهم في رفع الأسعار فيها».
«تخلينا عن خدماتك»..
نظرة المدرس لا تتوقف عن أسلوب التعليم والطرق المتبعة لكن الابتزاز هو سلاح هذه المدارس كما تراه مدرّسة اللغة الإنكليزية أريج: «عملت لفترة في مدرسة خاصة معروفة وكنت أتقاضى راتباً لا بأس به، ولكن كل قرش كان بمثابة حرق للأعصاب فهم لا يتركون لك فرصة للتنفس» وتتابع: ر«لا تشعر بالأمان وإذا أراد المدير تعيين إحدى قريباته أو معلمات قريبات لصاحب المدرسة فالجواب بسيط «تخلينا عن خدماتك»».
تجربة علاء لا تختلف كثيراً عن زميلته وهو مدرس رياضيات يقول: «في الحقيقة لقد سعيت للحصول على هذا العمل لأنه كان بمثابة فرصة لشاب مثلي تخرج حديثاً وهو في بداية طريقه، وبناءً على ما سمعته عن المدرسة تقدمت للمقابلة ونجحت ولكن للأسف لم أحصل على الراتب المتفق عليه ما جعلني أترك عملي».
أسباب الطرد تختلف وتتعدد ولا حدود لها فمدرّسة العلوم منى تركت العمل لسبب تافه حسب تعبيرها: «عندما كنت أتكلم مع أم أحد الطلاب نعتتني بلفظ مشين ولم أستطع إمساك نفسي فرددت عليها، وطبعاً تخلت المدرسة عني بسهولة لأنه ليس من المعقول أن يستغنوا عن الطالب الذي يدر لهم المال ويحتفظوا بي».
بين المعاملة والأسلوب
ما سبق عرضه ليس مبرراً لعرض بعض النتائج الإيجابية كما يراها الأهالي والمختصون فمحمود يقول: «إحدى المدارس الخاصة تخصص ساعة في الأسبوع تكون بمثابة حصة للتوجيه أو ساعة للمحبة يُعطى من خلالها دروس في التربية الأخلاقية والسلوكية تعلم الطالب كيفية التعامل مع أهله وإخوته في البيت ومع أصدقائه في المدرسة، وكيف يحافظ على نظافة مدرسته وشارعه وما معنى المسؤولية والتزام».
أما مريم التي تعمل في إحدى هذه المدارس تقول: «علينا أن ندرك حقيقة أن المدارس الخاصة تقدم مزايا وخدمات لا يحصل عليها الطالب في المدرسة الحكومية إضافةً إلى المعاملة الجيدة وأسلوب التعليم وطرائق إيصال المعلومة فما المانع إذا توافرت الإمكانيات عند الأهل».
عيار ثقيل..
إذا كانت هذه المدارس تعكس التفاوت بين شرائح المجتمع ومن حق مدارس الشريحة الـ «الهاي» أو مدارس العيار الثقيل أن تقدم الكثير لطلابها حسب تعبير خالد: «هم اعتادوا طريقة عيش تتناسب مع المدارس التي يرتادونها فهؤلاء الطلاب يستطيعون الخروج إلى سوق العمل محصنين بلغات جيدة وإمكانيات ممتازة» ويضيف: «طلاب المدارس الحكومية مضطرون لفهم دروسهم وحدهم والمواظبة على اللغة على الرغم من الصعوبة التي يلقونها، كما أن أعباء الدروس الكثيرة التي تمنعهم من ممارسة أي هواية لديهم إن وجدت، فطلاب المدارس الخاصة يشعرون دائماً بالغرور والأنانية أحياناً فهم تعلموا أنه بوجود المال يستطيعون الحصول على ما يريدون فهو بمثابة الأمان لهم» ويتساءل خالد: «كفة من سترجح؟ وهل سيبقى التعليم متاحاً للفقراء وأصحاب الدخل المحدود أم أنه في السنوات القادمة..؟».
إذا كانت المدارس الخاصة مشروعاً استثمارياً كغيره من المشاريع الاستثمارية فإن البعض ينظر إليها أنها «برستيج» والبعض الآخر ينظر إليها حاجة ملحة في ظل التغيرات التي طالت المناهج فإننا لا نستطيع أن ننكر دور المدارس الحكومية.
يُذكر أنه منذ صدور المرسوم التشريعي رقم 55 عام 2004 تزايد عدد المؤسسات التعليمية الخاصة التي تجاوز عددها 1666 مؤسسة منها 1085 بعد صدور المرسوم، وخلال الربع الأول من العام الحالي فقط تم الترخيص لـ78 مؤسسة تعليمية خاصة.. وحسب إحصائية لوزارة التربية للعامين 2008 – 2009 بلغ عدد المسجلين في رياض الأطفال الخاصة 106.687 طفلاً وطفلة، وفي التعليم الأساسي 124.263 تلميذاً وتلميذة، وفي مرحلة التعليم الثانوي 18.000 إلى جانب ذلك استقطبت المدارس الخاصة خيرة الأساتذة المختصين من المدارس الحكومية.
حددت المادة 101 من التعليمات التنفيذية للمرسوم التشريعي رقم 55 لعام 2004 العقوبات التي تُفرض بحق المؤسسات التعليمات الخاصة في حال مخالفتها والتي تتدرج من الإنذار إلى عقوبة التعويض مقابل الضرر أو وضعها تحت الإشراف المؤقت أو الإغلاق، وعقوبة التعويض مقابل الضرر تُفرض في حال تكرار المخالفات وحصول صاحب المؤسسة التعليمية الخاصة على مكاسب مادية من مخالفته وفق أسس فرض عقوبة التعويض مقابل الضرر بالبلاغ الوزاري الذي صدر عام 2006 في حال زيادة الأقساط أو زيادة القدرة الاستيعابية عن الترخيص الممنوح أو زيادة عدد الشعب الصفية أو التعاقد مع عاملين داخل الملاك أو خارجه من دون الحصول على موافقة الجهات المختصة وعدم تنظيم عقود عمل أصولية وأخيراً تكرار المخالفة.
لورى محمود –
“الرأي” السورية