المستقبل
في اليوم الـ 13 من الحرب في غزة تثبت الحكومة وهيئة الاركان بانهما استخلصا الدروس التفصيلية الضرورية من حرب لبنان الثانية، لكنهما فوتّا الدرس الأساس والشامل.
شروط بدء العملية كانت متفائلة: الجيش تدرب كما ينبغي. عملية اتخاذ القرارات تمهيدا للحملة كانت سليمة وتمت حسب الاصول: مداولات متكررة، فحص دقيق لكل البدائل، تعداد سليم للاعتبارات السياسية والعسكرية. التصور العملياتي كان متبلورا، وتحديد الاهداف متواضعاً كي لا يبعث على توقعات مبالغ فيها. الخطط العملياتية التفصيلية كانت واضحة، ونقلت كما ينبغي للقوات المقاتلة. كما أن المظلة السياسية نشرت كما ينبغي في الساحة الدولية، وضمنت للجيش الاسرائيلي والحكومة طول نفس واضحٍ كي تحقق الاهداف. مخازن المعدات كانت كافية، الجبهة الداخلية استعدت كما ينبغي. وحتى السياسة الاعلامية كانت منسقة وكذا وسائل الاعلام ادت دورها كحيوان أليف للجيش. لا ريب أن دولة اسرائيل خرجت الى الحرب ضد حماس وهي مستوعبة لكل الدروس اللازمة من اخفاقات حرب تموز آب 2006.
ولكن على الرغم من ذلك، يتعاظم الانطباع بان الحملة الشاملة في غزة تصل الى طريق مسدود: ثمة أصوات متزايدة تدعو الى وقف الجيش الاسرائيلي الآن والسعي الى نوع من الاتفاق او التسوية غير الرسمية مع حماس. الضغط الدولي آخذ في التفاقم والتشدد. المعضلة الوحشية هل نستخدم المرحلة الثالثة في المعركة مع الثمن الباهظ لحياة جنودنا الكامن فيها تردع اصحاب القرار في القدس وتؤخر حسمهم. الحكومة تبدي استعدادا لدراسة اقتراحات تسوية لا تتماشى مع توقعاتها الاصلية، مثلما صيغت في بداية المعارك.
المجتمع الاسرائيلي لا يمكنه أن يواصل التملص من أن يسأل نفسه لماذا تبدو حملة "رصاص مسكوب" التي كانت شروط بدايتها كاملة جدا، كخطوة تتدحرج نحو تعادل مثير للإحباط، على الرغم من انه طبقت فيها كل الامور الحكيمة التي تعلمناها في اعقاب حرب لبنان الثانية؟
الجواب بسيط، ولكن زوغان البصر الذي يغشى عيون المجتمع الاسرائيلي منذ حرب الايام الستة يجعل من الصعب عليه أن يلاحظ ذلك: النزاع الاسرائيلي الفلسطيني غير قابل للحسم بالقوة. لا يكفي اصلاح الاخفاقات الموضعية او الشمولية. ثمة حاجة لنظرة شاملة وقدرة نفسية على الاعتراف بالواقع وتشخيص أسسه على نحو سليم. اسرائيل لن تنجح في قمع تطلع الشعب الفلسطيني الى الاستقلال. لا يمكن لاي قوة عسكرية ان تقتلع من قلوب ملايين الناس أمانيهم لتحقيق طموحاتهم القومية.
("معاريف" 9/1/2009