ماذا أنتــم فاعلو ،
مرحى شعبَ تونس العظيم ، مرحى شعب مصر العظيم ..
إنّه موعد مع القدر ، فسجّل باعتزاز أيها التاريخ أننا من
معاصري الثورة العربية الحديثة ، فلقد عاد لنا الفرح وعادت لنا أحلامنا المغيّبة .. لم نعد نمشي على أقدامنا بل نسبح على بساط الريح ،
نهنى بعضنا بعضاً ، لقد أصبحنا نتكلّم بصمت عبر هواتفنا فالحدث أكبر من أن تعبّر عنه الكلمات وكبرياِؤنا نشوة عامرة لا وصف لها .
كدنا نعتقد أنّ قدر جيلنا الذلّ والمهانة ، فقد حاول من نصّبوا أنفسهم أوصياء علينا إقناع المجتمع بأننا شعب منقوص قاصر ، لم ولن يبلغ الرشد .. حتى أصبحنا نشكّ بإمكاناتنا وبعروبتنا ،
لكننا ولدنا اليوم من جديد بكل معاني الكلمة ومسحنا من الذاكرة كل خرافاتهم وتضليلهم . لقد ” كنّا حاجة واليوم أصبحنا حاجة ..” كما قال الشاعر أحمد فؤاد نجم ..
ها هي شمسنا تسطع بربيع عربي وليلهم الأبدي يهاجم سلطانهم .. لقد أصيبوا بهلع وهم بذلك محقّون ، وقد غيّر الخوف وجهته ، وهم لديهم الكثير مما يخافون عليه ..
لقد خرجتم من عقولنا ومن أحاسيسنا وأحلامنا ، ولتخرجوا اليوم من بيوتنا وديارنا وبلادنا ..
شعلةٌ انطلقت من أرض تونس الخضراء لتدشّن ثورة الياسمين ، أشعلها بوعزيزي وسّلمها شباب تونس لشباب مصر لتكبر على مساحة “أمّ الدنيا ” وعظمة أرض الكنانة ، ولتهوي بكبيرهم
” الحاكم بأمره ” وتستمر بلهيبها المتصاعد .. فلم يسقط النظام الاستبدادي في كل من تونس ومصر فحسب ، بل سقطت معهم سياسياً جميع الأنظمة المستبدة المتضامنة فيما بينها وبدعم إسرائيلي
معلن دون حرج ٍ أو خجل ..يقابله التضامن الواسع بين الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج .. نعم من المحيط إلى الخليج ، فقد نفضت الكلمات الغبار عن معانيها وحقائقها وعادت تهدر بقوة .
وكما يقول ثوار تونس بعد انتصار الثورة المصرية : ثورة تونس ، ثورة مصر … ثورة ثورة حتى النصر .
لم يحرّر ملايين الأبطال في ميدان التحرير مصر فقط ، بل إرادة الشعب العربي بأجمعه . فهي ثورة العزّة والكرامة ، ثورة ضد الظلم والطغيان والقهر ، ثورة الجوع والتعطّش للحرية .
وليس من المبالغة القول بأنّها ثورة عالمية وحضارية متميزة قدّمت دروساً لا تنسى ، حتى أنّ اوباما أقرّ ” بأن المصريين ألهمونا وعلمونا ..” إنّها ثورة نظيفة وعميقة تدفع الغرب إلى تغيير
نظرته للعرب وإلى التذكّر بأننا ما زلنا أصحاب حضارة ..
والسؤال اليوم ، ماذا أنتم فاعلون يا سلاطين الاستبداد ، هل ستتعظون وقد أصبحتم عراة في العراء ، تخشون على وجودكم وأموالكم وحساباتكم .. وتجهلون وجهة طائراتكم بعد أن لٌفظتم حتى
من قبل أصدقاء الأمس .. أتدركون ما قاله بن علي ليلة خلعه ” لقد فهمتكم جميعاً ..” ، ولكن بعد ماذا ؟ ، وهل تعقلون درس المهانة حين كانت الأحذية تلقى في وجه حسني مبارك ليلة خلعه
هو الآخر ..
أتقرّون أخيراً بأنّ الشعوب تمهل ولا تهمل ، وهي الباقية السيّدة مهما طال طغيانكم واستبدادكم ..
” متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمّهاتهم أحرارا ” ..
فهل تقدّروا إذاً ،حجم الظلم والقهر في ممارساتكم وأن تنظروا إلى الحزن على وجوه الأمهات الثكالى بألف مصاب ، ورعب الأطفال من ” زوّار الليل ” .. وأن تنصتوا قليلاً إلى صرخات
السجناء المناضلين من أجل الحرية والكرامة والمستقبل ، وقد قضى عديدهم بصمت مطبق على أيدي جلاديكم الذين يعاملون المناضلين ككائنات ليست من جنس البشر كم من الشر تحملون
, سيكون جميلاً لوأن الجزيرة التي غطت حقاثق مسيرة ثورتناأن تقوم بمقابلة هولاء الحكام المخلوعين، وهم يرون فرحة هؤلاء الملايين في كل مكان .. وعن
” شجاعتهم ” بالاعتراف بأخطائهم وخطاياهم تجاه الشعب والوطن .. وعن نصائحهم لأصحابهم الذين يترنحون على عروشهم ، اليوم والغد .. أم أنّ مرض روحهم وأياديهم يدفعهم إلى
المكابرة واحتقار العقل ،مثلما يفعل اليوم أولئك السلاطين المستبدين وهم يصرخون بأنّ بلدانهم ليست كتونس أو مصر .. يا للعجب ..
لقد تفجّرت الثورة من قبل الجيل الذي لم يحسبوا له أدنى حساب ، اعتقدوا أنّهم دجنوه وقولبوه على مزاجهم وحاجتهم للاستمرار .. جيل فرضوا عليه أناشيدهم وخطبهم ، كي لا ينطق
إلا باسمائهم ويصفق لهم و”يفديهم بالروح والدم ..؟” بعد أن حاولوا إفساده على حجم فسادهم .. رفضوا حقيقة أن الأصالة والروح الوطنية والالتزام بالقيم الإنسانية تبقى أقوى من زيفهم ،
تتغذى من دمنا وترضع من حليب أمهاتنا . .وأنّ الوطن وحده من يفدى بالروح والدم الزكي ..
لقد بيّنت الأحداث أنّ البلطجة والأحزاب الفاسدة الهزيلة لم ولن تحمي هذه الأنظمة المارقة ، وأنّ الجيش هو ابن الشعب ، منه انبثق وإليه يعود ، يرفض تسديد بنادقه ودباباته صوب أهله ،
مهما حاولوا اللعب باسم الشرعية البائدة ، فعند الشدائد لا يصحّ غير الصحيح ..
مرّة أخرى وبشكل أدقّ ، ماذا أنتم فاعلون ؟؟
هل ستسمرون بمنع الفتيات والشباب من إشعال الشموع في ساحات دمشق تضامناً مع شهداء ثورة تونس ومصر .. هل ستمعنون باعتقال الشيوخ المسنين أو الفتية القاصرين كلما نطقوا بكلمة
حقّ.. هل تستمرون كالببغاء بترديد: أنّ من سقط هو نظام كامب ديفد وأنّكم لستم معنيين بما يجري حولكم من انتفاضات جماهير تثأر لحريتها و لكرامتها ومستقبل أجيالها .. وإلى متى ستعتقدون
بجدوى سياسة الهروب إلى الأمام وبأن ممارسات الرعب والترهيب ستوقف خلجات البراكين الشعبية ، قافزين فوق حقيقة أنّ الشعب يدرك جيداً مدى ضعفكم وعزلتكم ومدى خوفكم من
الغد وبأنكم أمام خياراتٍ أحلاها مرّ لكم ..فهل لكم أن تعقلوا وتوفّروا على الجميع هدر الوقت ومزيد الضحايا البريئة فتنسحبوا وتنفكوا من على عروشكم المهترئة ليغفر الشعب لكم
بعض خطاياكم ، فالعفومن شيم الشعوب ..
نتمنى عليكم وبكل صدق ٍ أن تفتحوا عيونكم جيداً على حقائق المرحلة وتحكـِّموا ما تبقى من عقولكم ، صوناً للبلاد والعباد وأن تجنحوا للسلم الأهلي كيما تعود المظالم لأصحابها كاملة والسيادة
للشعب صاحب السيادة الوحيد ، فما قاد الظلم والقهر وانسداد الآفاق إلاَّ إلى الانفجار ، وحينها عليكم تحمّل المسؤولية كاملة ..
ربما لم يكن يتصوّر الشاعر العظيم أبو القاسم الشابي أنّ شعره سيحمل كلّ هذه القوّة ، وفي هذه الأيام بالذات ، فهل ستصل أخيراً أبياته مسامعكم أيها المستبدون المارقون :
إذا الشعب أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر
ولابدّ لليل أن ينجلي و لا بدّ للقيد أن ينـكسر
إنها حقبة جديدة من الزمن ، وقرر الشعب أن يحيا ، فهل تسمعون ..؟
وماذا أنتم فاعلون ..؟
باريس ، صــخر عشــاوي