من المؤكد أن التطورات التي عصفت بالمنطقة خلال الشهور الأربعة الماضية، بدءا بالثورة التونسية ثم المصرية، وما تلاهما من الأحداث في اليمن والبحرين وليبيا، وأخيرا في سوريا، قد حولت اتمام العالم عن القضية المركزية في الشرق الأوسط، وهي القضية الفلسطينية، وراح الإعلام العربي والدولي يلاحق هذه التطورات مبهور الأنفاس، لأنها تزامنت واشتد زخمها ليصل حد الاقتتال الداخلي أحيانا، والتدخل الدولي أو التهديد بعقوبات على هذا النظام أو ذاك.
ودون التهوين من شأن هذه الثورات العربية أو دوافعها، ودون الانحياز لأي طرف من أطرافها، نؤكد أن الشعب الفلسطيني يتمنى الخير للأشقاء العرب في حاضرهم ومستقبلهم. ويدرك الفلسطينيون أن الخير كل الخير لقضيتهم هو في التقاء كلمة الشعوب والأنظمة العربية على نصرة قضية العرب الأولى، وإعادة الأولوية في الاهتمام لفلسطين، التي هي عامل التوحيد الأكبر لهذه الأمة، وهي التي تشد الهمم وتقوي الأواصر ، كما أنها الدافع والمحفز للحرية والديموقراطية، ورفع أصوات الشعوب الشقيقة للمطالبة بحقوقها وتعزيز قواها، وحشد طاقاتها وإطلاق إبداعاتها.
ومع أن الشعارات التي رفعتها هذه الثورات لم تكن فلسطين أو قضيتها بين ما ظهر للعيان منها، وربما يلتمس الفلسطينيون العذر لهذه الحركات فيما يختص بهذا الغياب، فمن الثابت أن الضمير القومي، الذي كان أحد الدوافع لهذه الحركات الشعبية، سيعيد للقضية الفلسطينية مكانتها على رأس الاهتمامات العامة والقطرية، حتى وإن لم يجهر الشباب باسم فلسطين في هتافاتهم، ولم يكتبوها بالخط العريض على يافطات ميادينهم.
وقد غيرت هذه الثورات الخريطة العربية، وحالت دون انعقاد القمة العربية الطارئة التي كان من المقرر انعقادها في بغداد الشهر الماضي، وستكون لها انعكاسات نأمل أن تكون ايجابية على صعيد العلاقات العربية- العربية، والقضايا المركزية التي تهم الوطن العربي، وعلى رأسها القضية الفلسطينية بطبيعة الحال.
والمؤسف أن ملف المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام الذي اختاره الشباب الفلسطيني محورا لتحركهم، أو ثورتهم على جمود حالة الانفصال بين جناحي الوطن، هذا الملف ما يزال بين أخذ ورد وتردد من جانب حركة “حماس” في استقبال الرئيس محمود عباس في غزة، بعد أن أعرب أبو مازن عن استعداده لهذه الزيارة، التي تهدف فقط لتحريك ملف المصالحة بعد أن طال أمد توقفه وجموده.
والغريب أن طرفي الخلاف الفلسطيني، هما “فتح” و”حماس” لا يتحركان بالسرعة المطلوبة لإنهاء الانقسام الفلسطيني، رغم أنهما يدركان تماما أن اسرائيل هي المستفيدة الوحيدة من هذا الانقسام. وهي تواصل توسيع المستوطنات، ووصل بالحكومة الاسرائيلية التعنت حد إعلان نيتها دراسة ضم المستوطنات الكبيرة في الضفة إلى اسرائيل، إذا اعترف المجتمع الدولي بالدولة الفلسطينية في حدود ١٩٦٧.
وتتواصل التحركات الاسرائيلية في عتمة الغياب الإعلامي عن القضية الفلسطينية، والأضواء المسلطة على الثورات العربية. وهي فرصة تستغلها اسرائيل لشن الغارات الجوية والقصف المدفعي لقطاع غزة، وافتقار العالم لمعلومات دقيقة عن ضحايا هذه الاعتداءات الاسرائيلية، ومعظمهم من الأطفال.
واجب المسؤولين الفلسطينيين أن يقتحموا دائرة الضوء الإعلامي الدولي، وأن لا يغيبوا عنه. لكن هذا الواجب يحد منه الاهتمام بالتطورات على الساحة العربية. ولا بد من معادلة لتحقيق نوع من التوازن بين الاهتمامين، وإعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة المسرح السياسي العالمي، وبأسرع ما يمكن.