في إطار تحضيرات القوى السياسية لخوض الانتخابات البرلمانية المبكرة المقررة في العاشر من أكتوبر 2021، كثّف زعيمُ تيار “الحكمة الوطني” عمار الحكيم تحركاته لتشكيل تحالف سياسي انتخابي عابر للمكونات، تحت شعار “الإيمان بالدولة ومؤسساتها الشرعية ورفض السلاح المنفلت والمليشيات”، راسماً الخطوط العريضة لشكل الصراع المرتقب بين الفرقاء السياسيين، لاسيما أقطاب البيت الشيعي.
تحاول هذه الورقة استشراف فرص نجاح الحكيم في بلورة تحالف موسع، وآفاقه السياسية.
إعادة التوازن للبيت الشيعي
رغم أن تشكيل تحالفات انتخابية عابرة للمكونات، ولو من باب الدعاية الانتخابية ومسايرة المزاج الشعبي، أصبح أشبه ما يكون بتقليد منذ الانتخابات البرلمانية عام 2010، إلا أن تبني عمار الحكيم لهذا الشعار يُضفي على الأمر أهميةً خاصة هذه المرة.
مع أن الزعيم الشيعي الشاب نجح في إعادة إنتاج نفسه كلاعب أساسي على الساحة السياسية العراقية بعد أن كان على أعتاب الخروج منها تماماً عام 2012 إثر سلسلة النكسات التي لحقت بـ “المجلس الإسلامي الأعلى” الذي ورث زعامته عن أبيه وظل على رأس قيادته حتى تخلى عنه في منتصف 2017 (تمثلت النكسات بفقدان السيطرة على سبعة محافظات في الانتخابات المحلية 2009، وإقصائه من حكومة نوري المالكي الثانية 2010، وانشقاق منظمة بدر والْتحاقها بائتلاف دولة القانون 2012)، إلا أنه يواجه تحدياً لا يقل خطورة في ظل ما أفرزته الانتخابات البرلمانية الأخيرة من هيمنة التيار الصدري والتيار الولائي (تحالف الفتح) على عملية اختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة وتوزيع المناصب العليا في مؤسسات الدولة المختلفة، فضلاً عن سطوة المليشيات المرتبطة بهما على الأرض، والتي تُشكل بمجموعها تهديداً حقيقياً لمستقبل القوى الشيعية الأخرى، لاسيما مع تطلعات التيارَين الصدري والولائي المعلنة إلى الظفر بمنصب رئيس الوزراء.
وقد حاول الحكيم الحدّ من هذا الاختلال الفادح في موازين القوى على الساحة الشيعية تحديداً، خلال الأشهر الماضية عبر تشكيل تحالف “عراقيون” البرلماني المكون من 41 عضواً، من تيار الحكمة وما تبقى من ائتلاف النصر وبعض النواب المنشقين عن عدة كتل، تحت غطاء دعم الكاظمي ضد الفصائل الولائية. ويبدو بأن ذلك الاختلال ضاعف القلق في الأوساط القريبة من المؤسسة الدينية في النجف، إذ تشير المعلومات المتداولة إلى أن جواد الخوئي، حفيد أهم مرجع شيعي في القرن العشرين أبو القاسم الخوئي، هو الفاعل الأساسي خلف الستار في تشجيع عمار الحكيم لإطلاق مبادرة تشكيل تحالف سياسي انتخابي عريض عابر للطائفية والعرقية من “قوى الدولة”، أي التي تؤمن بالدولة ومؤسساتها الشرعية المنتخبة، لمنافسة “قوى اللادولة” أي الفصائل المسلحة التي ترى نفسها فوق الدولة، والممثلة في قوى تحالف الفتح والتيار الصدري. وهذا يعني إمكانية توظيف مؤسسة الإمام الخوئي العالمية، التي يرأس جواد فرعها في العراق، وذات النفوذ الواسع داخل الأوساط الدينية الشيعية في النجف وقم والخليج في المشروع.
عقد وطني جديد
تتضارب الروايات حول الجهات المنخرطة أو المدعوة للانضمام إلى التحالف العابر للمكونات، لكنها جميعاً تنحصر في القوى والأحزاب التي لا تمتلك أجنحة مسلحة أو حتى التي ليس لها تمثيل برلماني أو قواعد شعبية محددة، وتشمل: تيار الحكمة، وائتلاف النصر بقيادة حيدر العبادي، وتحالف القوى العراقية بقيادة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وحزب المؤتمر الوطني ممثلاً بزعيمه آراس حبيب، وشخصيات سياسية مثل رئيس الجمهورية برهم صالح، فضلاً عن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ومحافظ البصرة أسعد العيداني.
ويستجيب المشروع الجديد للتحولات السياسية والاجتماعية والثقافية للجماعة الشيعية باتجاه تقديم الهوية الوطنية على الطائفية، والتي عبّرت عن نفسها بوضوح في حركة الاحتجاجات الشعبية المستمرة منذ أكتوبر 2019، والْتقط الحكيم إشاراتها قبل أعوام حين قرر تأسيس تيار “الحكمة الوطني” للتخلص من الحرس العقائدي القديم في حزب “المجلس الإسلامي الأعلى”.
وكانت الكلمات التي أُلقيت في الحفل التأبيني لذكرى مقتل محمد باقر الحكيم (بحسب التقويم الهجري) في بغداد يوم 12 فبراير الفائت، قد كشفت عن حالة الأزمة في النظام السياسي العراقي ودوافع مشروع التحالف العتيد، فقد شدد رئيس الجمهورية برهم صالح في كلمته على “الحاجة إلى مراجعة مجمل العمليّة السياسيّة والتأسيس لعقد سياسي جديد يضمن تصحيح المسارات ويلبي طموحات الشعب”، قبل أن يحذر الحاضرين بالقول “نحن أمام مفترق طرق، إما العودة إلى الوراء بنزاعات واصطفافات مذهبيّة وقوميّة وإما التقدم نحو بناء الدولة وحفظ سيادتها وفرض القانون على الجميع”. في حين دعا عمار الحكيم في الحفل ذاته إلى “بلورة عقد سياسي واجتماعي جديد بإزالة التراكمات والمخاوف الاجتماعيّة وتوسيع دائرة المشاركة السياسيّة”، وحض “جميع قوى الاعتدال والدولة إلى تحالفات عابرة للمكونات وتصنع معادلة النجاح”.
وجاءت زيارة عمار الحكيم لإقليم كردستان يومي 20 و21 فبراير 2021، والتي شملت أربيل والسلمانية، محاولة لاستكشاف ما إذا كانت الأطراف الكردية مستعدة لدخول التحالف أو التنسيق معه مستقبلاً، خصوصاً الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، ما يعني تدعيم حظوظ نجاحه بكسب الصراع ضد التيارين الشيعيَّين الراديكاليين، الصدري والولائي، وضمان الحصول على الكتلة الأكبر في الانتخابات المقبلة وتشكيل الحكومة.
وفي الحفل التأبيني الثاني الذي أقيم في عاصمة الإقليم دعا الحكيم “القوى الكردية إلى المساهمة في تشكيل مشروع وطني واقعي”، وشدد على ضرورة خلق “حلم يجمع أحلام العرب والكرد والتركمان في مشروع وطنيٍ واقعيٍ متجدد”، قبل أن يضيف مذكراً بالعلاقة الوثيقة التي جمعت “آل الحكيم” بالشعب والقيادات الكردية، “كشقيق لكم وصديق صدوق لم يكذبكم يوماً ولم يدخر لكم نصرة، أدعوكم بصراحة ووضوح إلى تجديد العهد والوعد معاً على أن نكون كما كنا طيلة تاريخنا يداً واحدة لإكمال مسيرة بناء الدولة العراقية والأمة العراقية، وتقديم نموذج ناجح لأبناء شعبنا وللأجيال المقبلة، على أساس وحدة التراب والدم والتاريخ”.
وهو ما عقّب عليه رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني بتكرار المطالب الكردية المعتادة بالقول “نحتاج للشراكة وتحقيق الاستقرار أكثر من أي وقت مضى”، معبِّراً عن “الاستعداد للبدء بحوار جدي وصريح من أجل إصلاح العملية السياسية”، بينما أكد سكرتير الحزب الديمقراطي الكردستاني فاضل ميراني لاحقاً أن حزبه “يبحث مقترح الحكيم لتشكيل تحالف واسع لخوض الانتخابات التشريعية المبكرة في العراق”، الأمر الذي يظهر بأن كسب دعم الديمقراطي الكردستاني لن يكون سهلاً من دون تقديم تنازلات كبيرة، بدايةً من مشروع الموازنة العامة العالق بسبب الخلاف حول حصة إقليم كردستان وكمية النفط التي ستسلم إلى وزارة النفط الاتحادية في المقابل، وهو ملف بات شديد الحساسية للرأي العام الشيعي، سيما في المحافظات الجنوبية المنتجة للنفط، التي يتصاعد السخط فيها من “اللاعدالة” في توزيع الموارد المالية للدولة، والفشل في إلزام الإقليم بأداء ما عليه من واجبات تجاه الخزينة الاتحادية نظير ما يحصل عليه من حقوق. وهو الوضع الذي أصبح الوعْد بتصحيحه أحد الشعارات الدعائية السهلة للفصائل الولائية، التي تُعول عليها في اجتذاب الناخبين الذين سيصعب إقناعهم بإمكانية تحقيق الوعود التقليدية لاسيما في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي يعيشها العراق.
وحتى الآن يبدو أن الحكيم ضَمن انضمام رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي والرئيس برهم صالح إلى تحالفه، في حين أنه حصل على موافقة أوّلية من محمد الحلبوسي رئيس مجلس النواب، أما مسعود بارزاني فلم يعطه موافقةً رسمية، إذ يفضل الانتظار إلى حين تبلور المشهدين السياسي والانتخابي، خصوصاً في الساحة الشيعية.
الصدر.. الغائب الحاضر
تضع بعض المصادر اسم مقتدى الصدر على لائحة الزعامات التي يجري الحوار معها من أجل الانضمام إلى التحالف العابر للمكونات، بدلالة اجتماع عمار الحكيم مع الهيئة السياسية للتيار الصدري يوم 18 فبراير الماضي. لكن زعيم التيار الصدري قرر قبل أشهر فوز تياره سلفاً بمئة مقعد في البرلمان القادم، أي أكثر من نصف المقاعد التي تتنافس عليها القوى والأحزاب الشيعية، اعتماداً على التقديرات بأن نظام توزيع الدوائر الانتخابية الجديد يمنح تياره ذا القاعدة الشعبية الواسعة أفضليةً ساحقة على منافسيه الشيعة، وبالتالي تنصيب رئيس وزراء صدري طبقاً للعُرف السياسي، وهدد الصدر صراحة باعتبار نتائج الانتخابات مزورة في حال عدم حصول ذلك، والتلويح باستخدام القوة.
وعليه، لن ينظر الصدر بارتياح إلى مساعي الحكيم، وأسرة الخوئي من خلفه، لتشكيل تحالف انتخابي واسع، باعتبار ذلك يتعارض مباشرة مع طموحاته. فضلاً عن انعدام الثقة والتوتر الذي ساد بين الرجلين منذ نكث الصدر اتفاقه مع أطراف كتلة “الإصلاح والإعمار” التي شُكلت بُعيد الانتخابات البرلمانية الأخيرة في سياق السباق على لقب الكتلة البرلمانية الأكبر، لصالح الصفقة الثنائية التي عقدها مع هادي العامري زعيم تحالف الفتح، وأثمرت عن تنصيب عادل عبد المهدي رئيساً للحكومة، وعن هيمنة مشتركة على القرار السياسي وحصة مضاعفة من المناصب العليا والدرجات الخاصة، مما سدد ضربة قاضية لمحور “الاعتدال الشيعي” الذي عُول عليه كثيراً خلال الأعوام السابقة في مكافحة الهيمنة الإيرانية على العراق.
وقد نقلت قناة NRT عربية، يوم 26 فبراير، عن مصدر مطلع إبلاغ رئيس الهيئة السياسية للتيار نصار الربيعي رئيسَ البرلمانية محمد الحلبوسي أثناء اجتماعهما الأخير، رفضَ مقتدى الصدر تشكيل التحالف العابر للمكونات.
الوطنية الشيعية
اتسمت علاقة عمار الحكيم مع المتظاهرين بالودّ من جانب واحد، فلم تشفع له مواقفه المتقدمة في إدانة العنف المفرط الذي استُخدم ضدهم من قبل قوات الأمن، فضلاً عن دعم مطالبهم الأساسية ودعوته القوى الحاكمة إلى “التحاور مع الشباب المحتج وتنفيذ خارطة طريق تخرج البلاد من أزمتها وتلبي المطالب الحقة”؛ فقد واصل المحتجون الهتاف ضده في ساحات التظاهر ولو بشكل أقل من بقية رموز الحكم الشيعة، باعتباره وريثَ إحدى الزعامات المؤسِّسة لنظام المحاصصة، وشريك أساسي في الفساد السياسي والمالي.
وعكس إحجامُ الحكيم عن الدخول في سجالات إعلامية مع المتظاهرين، إدراكَه لأهمية هذا اللاعب الجديد في إنقاذ مستقبل “تيار الاعتدال الشيعي”، بعد الضربات القاسية التي تلقاها بفشل حيدر العبادي في تجديد ولايته، وخروج مقتدى الصدر منه لصالح مضاعفة حصته من السلطة.
ومع أن مبادئ “الوطنية الشيعية” التي دعا الحكيم لها تتلاقى مع شعارات الحراك الاحتجاجي وتتناقض مع خطاب وسياسة إيران وحلفائها في العراق، إلا أنها قوبلت بصورة سلبية من قبل جمهور الحركة الاحتجاجية والكيانات السياسية التي انبثقت عنها، وأبرزها حركتا امتداد والبيت الوطني، التي نُقل عنها رفضها القاطع التعاطي مع مشروع التحالف العابر للمكونات، بوصفه محاولة لإعادة التموضع داخل النظام، وانتحال هوية أخرى تتناسب مع المزاج الجديد الذي خلقته “ثورة تشرين”.
ومن أبرز مبادئ “الوطني الشيعية” التي بلورها الحكيم في الخطاب الذي ألقاه في ساحة الخلاني ببغداد يوم 12 فبراير أمام حشد من أنصاره، هي:
- أن هوية الشيعة لا تُصان وحقوقهم لا تُستوفى إلا بهويتهم الوطنية العراقية الجامعة التي يشتركون فيها مع بقية شركاء الوطن.
- أن التشيع والطائفة سيحظيان بالأمان يوم يكون الوطن آمناً وموحداً، والدولة قوية ومستقرة، فالدولة للجميع، والتشيع والتسنن لأهله بكل حرية واحترام.
- أن المسلمين الشيعة في العراق وفي المنطقة العربية وفي كل مكان سيتمسكون بخيار الدولة والمواطنة وسيستوفون حقوقهم في ظل دولهم لا بمعزل عنها، فهم جزء رئيس وأصيل من أوطانهم وعليهم أن يشاركوا في صنع القرار بوصفهم بُناة دولة وأمة، لا بوصفهم أبناء طائفة منعزلة او منغلقة أو مرتبطة بخارج الحدود.
- حان أَوان الاتفاق على هوية وطنية جامعة، ودولة عصرية عادلة يحكمها عقد اجتماعي وسياسي جديد، يعالج تراكمات الماضي ويواكب تطورات الحاضر ويتطلع لمستقبل مستقل ومستقر ومزدهر.
- سيكون الشيعة أقوياء جميعاً عندما يقوى العراق، وسنحظى بحقوق المواطنة عندما نبني الدولة، وسنكون صفاً واحداً بوجه التدخلات والأجندات، فنفرض حينها معادلتنا الناجحة: معادلة العراق المستقل المستقر المزدهر الذي يعامل الآخرين باحترام ويفرض احترامه على الآخرين.
السيناريوهات المحتملة لمستقبل التحالف العابر للمكونات
السيناريو الأول: فشل تشكيل التحالف الموسع والاكتفاء بنسخة مصغرة تضم عدداً من الكيانات السياسية الشيعية والسنية والكردية الثانوية: يستند هذا السيناريو على جملة من الاعتبارات، أهمها:
- مشاعر عدم الثقة في جدوى التحالف في كيان انتخابي سياسي متعدد المكونات، لاسيما مع تجربة “القائمة العراقية” عام 2010 التي انهارت بعد القفز على حقها بتسمية المرشح لرئاسة الوزراء، بسبب الصراع على المناصب بين القوى والأحزاب المنضوية فيها.
- عدم فائدة التحالفات الواسعة في ظل نظام الدوائر الصغيرة المتعددة، لاسيما بعد هندسة الدوائر في المحافظات المختلطة طائفياً وعرقياً لجعل التنافس داخل كل منها يقتصر غالباً على أبناء المكون الواحد، من دون أدنى اعتبار للتباين في عدد السكان. فضلاً عن عدم تغيير المادة (76) من الدستور التي تنص على حق الكتلة البرلمانية الأكبر، وليس الكتلة البرلمانية الفائزة الأولى، بحق تسمية المرشح لرئاسة الحكومة، وهو ما سوف يفتح أبواب المساومات والضغوطات على الأحزاب المكونة لكل تحالف من أجل تبديل ولائها، مثلما حصل مع “ائتلاف النصر” في انتخابات عام 2018، حين انشق أكثر من نصف نوابه ليلتحقوا بكتلة “البناء” بقيادة تحالف الفتح، مما أجهض مشروع كتلة “الإصلاح والإعمار” في تكوين الكتلة الأكبر.
- طبيعة التكوين الهوياتي للقوى السياسية العراقية، الذي حبسها تلقائياً في إطار تمثيل محدد، وربط وجودها بالتشدد في رفع شعار الدفاع عن مصالح الطائفة أو القومية، في مواجهة المنافسين من ذات المكون. وهو ما ظهرت أولى ملامحه في الخلاف الذي نشب داخل “تحالف القوى العراقية” بين زعيمه محمد الحلبوسي وبين أحد أقوى حلفائه محمد الكربولي، بسبب معارضة الأخير لقرار الحلبوسي الأوّلي بالانضمام إلى التحالف العابر للمكونات.
- صعوبة التوفيق المتوقع بين شروط الأحزاب الكردية والسنية وبين ضرورات الدعاية الانتخابية للقوى والأحزاب الشيعية التي تعوّل على الناخبين الشيعة في الوصول إلى البرلمان بأكبر عدد ممكن من المرشحين، لاسيما على صعيد الملفات العالقة بين بغداد وأربيل فيما يخص الموازنة وتصدير النفط والمناطق المتنازع عليها، ومطالب القوى السنية بإخراج الحشد الشعبي من مناطقها.
- الموقف الإيراني المعادي لأي مشروع سياسي يتجاوز الطائفية والعرقية في العراق لما سوف يشكله ذلك من خطر على نفوذها الذي تستمده من تغذية الانقسامات بين المكونات السياسية والاجتماعية والدينية، وقدرتها على الذهاب بعيداً في الضغط اقتصادياً وامنياً على حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية، وتوجيه حلفائها الولائيين الذين يحكمون قبضتهم على المحافظات المحررة نحو ترهيب القوى السنية كافة، وخاصة أطراف تحالف القوى العراقية.
السيناريو الثاني: نجاح تشكيل تحالف انتخابي سياسي موسع عابر المكونات بمشاركة الأحزاب والقوى الكردية والسنية الرئيسة. يستند هذا السيناريو على جملة من المعطيات، أهمها:
- تواتُر معلومات عن توصل كلٍّ من عمار الحكيم وحيدر العبادي ومحمد الحلبوسي وبرهم صالح، فضلاً عن محمد شياع السوداني، على اتفاق مبدئي بمباركة جواد الخوئي، لتشكيل تحالف عابر للطائفية بهدف مواجهة قوى اللادولة واستعادة ثقة المواطنين بالمؤسسات، وتحييد المليشيات والقوى التي تميل إلى استخدام العنف السياسي.
- توسُّع هجمات الفصائل الولائية لتشمل إقليم كردستان، وتنامي قدراتها على شن هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة من مسافات بعيدة، لن يدع مجالاً للحزبَين الكرديين الكبيرين، سيما الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، لمواصلة اعتبار الصراع بين “قوى الدولة” و”قوى اللادولة” في بغداد صراعا شيعياً-شيعياً لا مصلحة للإقليم في الانحياز إلى أحد طرفيه. فضلاً عن الحاجة إلى استعادة الدور الكردي المحوري في تشكيل الحكومة العراقية وتوزيع المناصب والموارد، بما يضمن لها حلحلة أزمة الإقليم المالية التي باتت تهدد باندلاع احتجاجات شعبية كبيرة.
- تسرب الشك إلى نفس مقتدى الصدر في إمكانية فوزه تياره بالمقاعد المئة التي تحدث عنها سابقاً، مع احتدام الصراع بين نخبة أتباعه على حجز مواقعهم على قوائم التيار الانتخابية، وهو ما تحدث عنه علانية في إحدى تغريداته. فضلاً عن المؤشرات على حصول تصدعات في قاعدته الشعبية منذ انقلابه على الحركة الاحتجاجية، مما يزيد من احتمالات انضمامه إلى التحالف المقترح كوسيلة للتمويه على مشاكل التيار الداخلية، وتجنّب الدخول في صفقة ثنائية أخرى مع تحالف الفتح ستكون كفيلة بتكريس سلطة الولائيين وسيطرتهم الكاملة على القرار السياسي والاقتصادي والأمني في البلاد؛ وهو ما يفسر التسريبات المنفصلة التي تحدثت عن موافقته المبدئية على الانضمام إلى التحالف العابر للمكونات.
- قرار حلف الناتو زيادة قواته في العراق إلى أكثر من أربعة آلاف جندي، بإيحاء من الولايات المتحدة وموافقة أوروبية، لمساعدة الحكومة العراقية في تأهيل وتدريب القوات المسلحة النظامية، يؤشر إلى وجود رغبة دولية ملحة في نشوء حكومة عراقية ذات قاعدة سياسية عريضة، بما يمكّنها من مقاومة الهيمنة الإيرانية.
الخلاصة والاستنتاجات
يبدو أن عمار الحكيم ضَمن حتى الآن انضمام رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي والرئيس برهم صالح إلى تحالفه العابر للمكونات المقترح، وحصل على موافقة أوّلية من محمد الحلبوسي رئيس مجلس النواب، في حين لا يُعرف بالضبط موقف رئيس الحكومة الكاظمي، أما مسعود بارزاني فلم يعطه موافقةً رسمية، إذ يفضل الانتظار إلى حين تبلور المشهدين السياسي والانتخابي، خصوصاً في الساحة الشيعية.
ومع أن تمديد المفوضية العليا المستقلة للانتخابات موعد تسجيل التحالفات الانتخابية حتى الأول من شهر مايو المقبل، جاء متطابقاً مع مصالح الأطراف المعنية بتشكيل التحالف العابر للمكونات، إلا أن المؤشرات توحي بصعوبة مَهمة الحكيم بضم قوى كردية وسنية رئيسة إليه قبل الانتخابات. أما ما بعد الانتخابات، فإن التحالفات ستكون محكومة بهدف تشكيل الكتلة الأكبر، والتي ستكون مفتوحة على سيناريوهات عدة، قد يكون أحدها إعادة تكرار ما حدث ما بعد انتخابات عام 2018.