لم تعرف سورية، بل العالم، حاكماً مستبدّاً أشدّ استئثاراً بالحكم، كرأس العصابة الأسديّة، الذي أبدع في تنويع وكيفيّة التوحّش تمسّكاً بتلابيب السلطة، فلم تردعه قِيم وقوانين، ولم تردّه آلام وعذابات أبرياء، ولم يكتفِ بالقتل والسجن والتعذيب حتى الموت، والتغييب، بل زادها تدميراً ممنهجاً لكلّ ما يمكن أن يجعل الحياة تستمرّ من بعده، لأن شعار ” الأسد أو نحرق البلد ” لا رجعة عنه في عرفه..
وها قد أحرق سورية، وجلس على أنقاض دمارها، بعد أن جلب كلّ بغاة الأرض، ووظّفهم بكلّ أسماء عفن التاريخ، ولكلّ غايات الآخرين خدمة لهدفه الذي لا محيد عنه ” أنا، وليكن الدمار..”! وبعدها راح يقدّم برنامجه الانتخابيّ على مسلك أعتى القَتَلة المتوحشين: ( أنا دراكولا بن دراكول فانتخبوني )، أو ( أنا كاليجولا فانتخبوني )!
في 2012 عدّل الدستور الذي فصّله أبوه – قبله – على مقاسه، تمييعاً لثورة السوريين من أجل الحرية والكرامة والديمقراطية، ثم أجرى في 2014 انتخابات “تعدّدية” صوريّة ليقول للعالم: سورية ترفل بالديمقراطية! وهو يحسب أن العالم لا يرى ويعرف.. بل يزعم أنه فهلويّ العصر الذي يرقص على كل الحبال، ولا يسقط، ويخال أن الجميع يحتاجه ولا يحتاج أحداً؛ فهو النظام العضوي “المصطنَع” الذي يؤدّي الخدمات للجميع، والجميع مَن سيعمل على رعايته وحمايته والحفاظ عليه، وإن كان ذلك ضد إرادة السوريين الذين دفعوا أثماناً باهظة للخلاص -وإلى الأبد- منه، ومن نظامه.. ولكن فاته اليوم أن ذاك التاريخ قد تغيّر بكل ما فيه، فلا الأطراف الإقليمية المتصارعة ذاتها، ولا الصراعات الدولية عينها، ولا هو بقي كما هو، ومن بقي على العهد هو الشعب الذي ثار ضده وحسب.
لعلّ قمّة المهانة والسخرية تتكثّف فيما قاله وليد المعلم – في تعليقه الاستنكاري على غارات طائرات التحالف-: ” مَن يريد أن يعتدي علينا، فعليه أن ينسّق معنا!” لأننا لا نقبل المساس بسيادتنا الوطنية! متناسياً أن مَن يترك بوابات حدوده الشرقية مشرعة لإرهابيي إيران والقاعدة، وبوابات حدوده الشمالية مفتوحة لمخابرات وإرهابيي كل الدول، وبوابات حدوده الغربية لإرهابيي حزب الممانعة، قد تنازل عمّا يدّعيه من سيادة-إن كانت موجودة- وهي المنقوصة منذ نصف قرن بالتعايش مع احتلال ” إسرائيل” للجولان.
وعلى ذلك.. عندما يقول السوريون، قبل العالم، ألّا شرعية لانتخابات تجريها عصابة سلطة الأمر الواقع الأسدية، فلأنها تنازلت ضمناً عن جزء من أرضها-الجولان- لعدوّ ادّعت أنها تبني جيشاً لتحريره منها، فكان جيشاً لقتال وقتل السوريين، بينما طائرات “إسرائيل” تستبيح سماء سورية كلّما كان ذلك يمكّنها من أعدائها، بعد أن تخلّت عن ” الكيماوي” تاج أسلحتها، واستقدمت المحتلّ الإيراني، ومنحته مقابل حمايتها أهم أصول الدولة، وأفلتته للعبث في ديموغرافيا مكوّناتها، واستقدمت المحتلّ الروسي، وباعته سواحل البلاد، وعقدت صفقات استثمار مواردها وحكّمته بما تبقّى من مفاصلها العسكرية، وأغرت أصحاب المشاريع الانفصالية ليكونوا أدوات لتنفيذ مشاريع الآخرين مقابل عدم المساعدة في المساس ببقائها، ودفعت بعض الدول لإيجاد مواطئ أقدام لها في ساحة اشتبك فيها الصراع، وتقاطعت المصالح، بحثاً عن حصة أو حفاظاً على سلب نالته للمقايضة على غيره يحفظ لها حقاً- ربما تدّعيه- في أماكن أخرى..
بعد هذا، إن صرّح بيدرسون مندوب الأمم المتحدة بلا علاقة للقرار الأممي 2254 بالانتخابات المزمعة، وإن أعلنت مندوبة أميركا في مجلس الأمن أن الانتخابات” لن تكون حرّة ولا نزيهة، بل مزيفة ولا تمثّل الشعب السوري”، وإن قال رئيس الاتحاد الأوروبي بلا شرعية الانتخابات التي ستجري.. فإن ذلك نافلة، تؤكّد أن الانتخابات التي ستجري، بينما نصف الشعب السوري في الشتات، لاجئاً في أصقاع العالم، ونازحاً في وطنه، ما هي إلّا بهلوانيات شكلية للعصابة الأسدية التي تبحث عن شرعية لدولة بلا سيادة.