ترجمة: علاء الدين أبو زينة
تتعامل إدارة بايدن مع مجموعة مذهلة من المشاكل المحلية والدولية، لكن السعي الفلسطيني إلى إقامة الدولة يستحق الانخراط المبكر من فريقه للأمن القومي. ويتعين على الولايات المتحدة أن تطلب من القادة الإسرائيليين الكف عن البناء الاستيطاني الاستفزازي ونوع الممارسات الأمنية القمعية الموصوفة في فيلم “الهدية”.
- * *
في إحدى الأمسيات الأخيرة، شاهدت “الهدية”، وهو فيلم قصير للمخرجة الفلسطينية فرح النابلسي، والذي تم ترشيحه لجائزة الأوسكار عن فئة الأفلام القصيرة. (الفائز في هذه الفئة كان فيلم “غريبان بعيدان”). وفيلم السيدة النابلسي، الذي تبلغ مدته 25 دقيقة، هو سرد قوي ومفجع عن الألم والمشقة اللذين يعانيهما الرجل الفلسطيني يوسف، وياسمين، ابنته الصغيرة، بينما يعبران نقطة تفتيش للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية مرتين في يوم واحد.
يؤسس فيلم “الهدية” سياقه بسرعة، فيُفتتح بصور لرجال فلسطينيين وهم يشقون طريقهم عبر ممر ضيق عند إحدى نقاط التفتيش العديدة المنتشرة في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل. ويتعين على الفلسطينيين الذين يذهبون إلى العمل، أو لزيارة العائلة، أو التسوق على الجانب الآخر من الحاجز الأمني، تحمُّل هذا الإجراء المهين كل يوم.
يخرج يوسف مع ياسمين لشراء هدية ليهديها لزوجته في الذكرى السنوية لزواجهما. ونراه محتجزاً داخل حظيرة محاطة بسياج من السلك المضفور. والسبب الظاهري هو أن الحراس الإسرائيليين يريدون تفتيشه وتفتيش ممتلكاته بدقة أكبر. وتجلس ياسمين في الجوار وتراقب وتنتظر في صمت.
أعاد هذا المشهد ذكريات زيارتي الأولى للضفة الغربية في العام 1975، عندما عبرتُ نهر الأردن ووصلت إلى نقطة أمنية إسرائيلية. وكطالب في الجامعة الأميركية في القاهرة، كنت متحمساً لزيارة القدس وقضاء ليلة عيد الميلاد في بيت لحم. وانضممت إلى طابور قصير نسبيًا، والذي تحرك بوتيرة ثابتة ومعقولة.
وعلى بعد أمتار قليلة، كان بإمكاني رؤية رجال ونساء وأطفال يقفون في طابور أطول بكثير محاط بسياج شبكي من الحديد مكتوب عليه، “الفلسطينيون والعرب”. وشاهدت العديد من هؤلاء الناس وهم يخضعون لعمليات تفتيش عدوانية وفظة من قبل الجنود الإسرائيليين.
وفي حين أنني شعرت بالأسى لما رأيته، كنت أعلم أنه كان لدى إسرائيل في ذلك الحين مخاوف أمنية مشروعة في أعقاب حربي 1967 و1973، وهي مخاوف زادت من جراء الهجمات التي شنتها المنظمات (الإرهابية) الفلسطينية على أهداف إسرائيلية ويهودية.
نصف قرن مر الآن على ذلك اليوم، والذي تغير فيه المشهد السياسي والأمني في الشرق الأوسط بشكل عميق.
وقّعت إسرائيل معاهدات سلام مع مصر والأردن. ومهدت “اتفاقات إبراهيم”، التي توسطت فيها الولايات المتحدة العام الماضي الطريق أمام أربع دول عربية أخرى -الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب- لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. ونأمل بأن يحذو المزيد من القادة العرب حذو هذه الدول، حيث ليس هناك سبب وثمة القليل من المنطق الجيو-استراتيجي في الاستمرار في إنكار حقيقة دولة إسرائيل واستمراريتها. (لسوء الحظ، لم تفعل الاتفاقات شيئًا للفلسطينيين سوى الحصول على تعليق للخطط الإسرائيلية لضم الضفة الغربية بشكل غير قانوني).
كما تم إحراز تقدم كبير في الحد من العنف الذي يمارسه الفلسطينيون داخل الأراضي المحتلة وخارجها. ومكان الاستثناء هو “حماس”، التي تواصل إطلاق الصواريخ على إسرائيل من قطاع غزة.
في الضفة الغربية، عملت أجهزة الأمن والاستخبارات الفلسطينية بشكل وثيق مع نظيراتها الإسرائيلية والعربية والغربية لتعطيل الشبكات المتطرفة ومنع شن الهجمات. وقد أظهرت هذه الوكالات الفلسطينية درجة رائعة من الاحترافية على مدى العقدين الماضيين.
مع ذلك، وعلى الرغم من أن التوترات انخفضت بشكل حاد بين إسرائيل والعالم العربي، لم يشهد الشعب الفلسطيني نفسه أي تقدم ملموس في سعيه للعيش في دولته ذات السيادة. وأسهمت الانقسامات السياسية والقيادة السياسية غير الفعالة للسلطة الفلسطينية في إحباط الطموحات إلى قيام الدولة الفلسطينية.
لكن هذا يمكن أن يتغير. سوف تتيح الانتخابات التشريعية المفترض إجراؤها في أيار (مايو) والانتخابات الرئاسية في تموز (يوليو) في الضفة الغربية وقطاع غزة للفلسطينيين فرصة لانتخاب ممثلين قادرين على إجراء حوار سياسي أكثر فاعلية داخل الوطن الفلسطيني وخارجه. وسوف يساعد المرشحون الفلسطينيون الذين لا يحملون سمعة التصلب المعروفة عن شاغلي المناصب السياسية، إذا تم انتخابهم، على تخفيف الاستخفاف عميق الجذور الذي يظهره العديد من المسؤولين الإسرائيليين تجاه المفاوضين الفلسطينيين.
تتمثل العقبة الرئيسية الآن في عكس وجهة الاهتمام المتناقص الذي أبدته الحكومة الإسرائيلية تجاه السعي إلى تحقيق حل الدولتين. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، رأس الحربة في قيادة التوسع المستمر للمستوطنات في الضفة الغربية. وأدى هذا التوسع إلى إقامة المزيد من الجدران الخرسانية والحواجز الأمنية ونقاط المراقبة، ما أدى إلى زيادة تقليص المساحات التي يمكن للفلسطينيين العيش فيها ورعي قطعانهم ورعاية بساتين زيتونهم وحقول خضرواتهم من دون أن يتعرضوا للتحدي من قبل محتليهم.
لسوء الحظ، تجاهلت الولايات المتحدة تماماً، خلال سنوات ترامب، المصالح والتطلعات الفلسطينية. ونقل السيد ترامب السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس، رافضًا موقف جميع الإدارات الأميركية السابقة التي رأت أن هذه الخطوة ستعرض مفاوضات الوضع النهائي بشأن تلك المدينة المتنازع عليها للخطر. كما قطع ترامب، بلا منطق مفهوم، التمويل الذي تقدمه الولايات المتحدة للسلطة الفلسطينية، وأنهى مساهماتنا في الأمم المتحدة لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين.
الآن، وفي تغيير مرحب به، سمحت إدارة بايدن بالإفراج عن مبلغ 235 مليون دولار لبرامج إنسانية واقتصادية وتنموية تدعم الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وأماكن أخرى في المنطقة.
يُظهر المشهد الختامي لفيلم “الهدية” يوسف، متعبًا ومصابًا بألم في الظهر، وغاضبًا بشكل متزايد وعلى وشك ارتكاب العنف بينما يحاول العودة إلى منزله بهدية الذكرى السنوية. وقد جعلني اندفاعه العاطفي المخيف أفكر في الإحباط الذي يشعر به كل فلسطيني يترتب عليه أن يتعايش مع الإجراءات الأمنية الخانقة والقمع السياسي المصاحب للاحتلال العسكري الإسرائيلي.
مع ذلك، كانت ابنته الصغيرة ياسمين هي التي جعلتني أتوقف وأصابتني بالقلق أكثر ما يكون. كانت تراقب صبر والدها، وكرامته وإنسانيته وهما يتآكلان باطراد.
ولا يسعني إلا أن أتخيل البصمة التي ستتركها مثل هذه التجارب على الفتيات والفتيان الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة. لقد نشأوا مصابين بالصدمة من الظلم والتمييز والعنف. وهم يعيشون مع الشعور بأن وجودهم نفسه يتحكم فيه أناس لا يهتمون برفاهيتهم ولا سلامتهم ولا مستقبلهم.
تتعامل إدارة بايدن مع مجموعة مذهلة من المشاكل المحلية والدولية، لكن السعي الفلسطيني إلى إقامة الدولة يستحق الانخراط المبكر من فريقه للأمن القومي. ويتعين على الولايات المتحدة أن تطلب من القادة الإسرائيليين الكف عن البناء الاستيطاني الاستفزازي ونوع الممارسات الأمنية القمعية الموصوفة في فيلم “الهدية”.
وسوف تكون إشارة واضحة من الرئيس بايدن إلى أنه يتوقع -ومستعد لتسهيل مناقشات إسرائيلية-فلسطينية جادة حول حل الدولتين، خطوة ذات أهمية سياسية كبيرة.
*John Brennan : كان مديرًا لوكالة المخابرات المركزية الأميركية من العام 2013 إلى العام 2017.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Why Biden Must Watch This Palestinian Movie
تحديث: أعلن الرئيس الفلسطيني عن تأجيل إقامة الانتخابات البرلمانية الفلسطينية ما لم توافق دولة الكيان على السماح بإقامتها في القدس الشرقية.
“الغد”