كثيرا ما اتهمت الولايات المتحدة حليفتها في مكافحة الإرهاب باكستان بتوفير ملاذ آمن للجماعات الإرهابية لكنها كانت في نفس الوقت تغض الطرف عن مثل هذه الممارسات مدفوعة بحسابات جيواستراتيجية. لكنّ انسحاب واشنطن من أفغانستان بحلول سبتمبر القادم، قد يقلب المعادلة باتجاه فرض عقوبات على إسلام أباد بدل التغافل عن سلوكياتها.
واشنطن – تشكو باكستان في الكثير من الأحيان من أن الولايات المتحدة دولة صديقة فقط إذا كانت هذه الصداقة تحقق لها نفعا. فالمسؤولون الأميركيون يتسمون بالكرم وحتى المجاملة، عندما تحتاج واشنطن إلى مساعدة من إسلام أباد، ولكن في اللحظة التي لم تعد فيها الولايات المتحدة في حاجة إلى ذلك، من الممكن أن تسلك نهجا عقابيا تجاه باكستان.
ويرى مايكل روبين الباحث المقيم بمعهد “أميركان إنتربرايز” أن هذا الانتقاد صحيح، فقد كانت باكستان على مدار فترة طويلة الاختيار الثاني للولايات المتحدة.
ويقول روبين إنه في أعقاب تقسيم الهند وتأسيس دولة باكستان في عام 1947، أراد صناع السياسة في أميركا التحالف مع الجانبين لإقامة درع في مواجهة الشيوعية. ولكن منذ التقسيم، خاضت باكستان والهند حروبا ضارية أسفرت عن مقتل الآلاف إن لم يكن الملايين ونزوح الكثيرين ولا يزال النزاع بينهما حول كشمير يستعر.
ولطالما ادعى الرئيس الأميركي الراحل هاري ترومان الحيادية، رغم أن باكستان تعتقد أنه كان يميل ناحية الهند. ولكن عندما فشل ترومان في كسب تأييد الهند لجهوده في إقامة تكتل مناوئ للشيوعية، حوّلت واشنطن انتباهها إلى باكستان.
ووصل الأمر إلى أزمة في العام 1965، عندما طلبت باكستان من الولايات المتحدة دعمها ضد الهند في الحرب، وادعت إسلام أباد “زيفا” أن نيودلهي هي التي بدأت العدوان.
في اللحظة التي لم تعد فيها الولايات المتحدة في حاجة إلى إسلام أباد من الممكن أن تسلك نهجا عقابيا تجاهها
ورفضت واشنطن، التي كانت آنذاك غارقة في مستنقع فيتنام. واستمرت نفس الديناميكية في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي. ولكن في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، جعلت الولايات المتحدة من الحرب على الإرهاب أولويتها القصوى. ولعبت باكستان دورا في ذلك، ولكن انصب اهتمامها الأكبر على الخوف من أن تصبح أفغانستان مركزا للإثنية القومية.
وفي ما يتعلق بالبرنامج النووي الباكستاني، الذي بدأته إسلام أباد في عام 1955، وبعد عقد من هذا التاريخ، قامت بتشغيل أول مفاعل نووي لديها بمساعدة الولايات المتحدة. واعتزم مسؤولو باكستان بالفعل إنتاج سلاح نووي.
وفي عام 1965 أعلن وزير خارجية باكستان آنذاك ذو الفقار علي بوتو “إذا صنعت الهند القنبلة النووية، فسوف نأكل العشب أو الأوراق، بل سنجوع، لكن ستكون لدينا القنبلة الخاصة بنا. ليس أمامنا بديل”.
وجاءت خسارة باكستان لبنغلاديش في عام 1971 لتعزز عزم بوتو، الذي أطلق “المشروع 706″ في العشرين من يناير 1972، لتصنيع قنبلة ذرية”. وسعت إدارة الرئيس الأميركي الراحل جيرالد فورد في هدوء إلى إجبار باكستان على وقف برنامجها النووي، ولكن دون جدوى.
وأسفر تشديد الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر على منع الانتشار النووي عن خروج الخلاف الدبلوماسي إلى العلن. وتحرك الكونغرس الأميركي سريعا من أجل حظر المساعدات الاقتصادية والعسكرية عن باكستان، وتغيّرت الأمور تماما عقب الغزو السوفييتي لأفغانستان.
ولكن عقب انسحاب السوفييت رفضت إدارة بوش الأب، بمقتضى “تعديل بريسلر لعام 1985″، أن تقر بأن باكستان لم تكن تسعى لامتلاك أسلحة نووية.
وبالمثل، بعد إجراء باكستان تجارب نووية في العام 1998، فرضت إدارة الرئيس بيل كلينتون عقوبات بموجب بنود “تعديل جلين”. وتم إلغاء هذه العقوبات فقط عندما احتاجت أميركا لباكستان في الحرب على الإرهاب في العام 2001. ويرى روبين أن القضية بالنسبة إلى باكستان الآن، هي ما إذا كانت الأمور ستسير على نفس المنوال في عهد الرئيس جو بايدن.
وفي ظل مواصلة الرئيس بايدن سياسة سلفه دونالد ترامب، بشأن الانسحاب الأحادي للقوات من أفغانستان، ستصبح الولايات المتحدة في القريب العاجل دون حاجة إلى باكستان، ولن يلجأ البيت الأبيض أو الكونغرس إلى غض الطرف عن مصادر التوتر في العلاقات مع إسلام أباد، وهي في المقام الأول رعاية الإرهاب من قبل الاستخبارات الباكستانية.
ويرى الباحث روبين أن هذا من شأنه أن يدفع سريعا الجهود داخل الكونغرس إلى ممارسة الضغط على الخارجية الأميركية من أجل تصنيف باكستان “دولة راعية للإرهاب”.
وقد يرفض الدبلوماسيون واللوبي المؤيد لباكستان في الخارجية الأميركية الفكرة، ولكن هناك مزيج من الإحساس بالنصر في باكستان بسبب انسحاب القوات الأميركية المقرر من أفغانستان، وقد ترتكب جماعة طالبان أعمالا عدوانية عقب ذلك، وهو ما من شأنه أن يثير الرأي العام وأن يدفع الساسة الأميركيين إلى تحرك رمزي. ويقول روبين إنه يتعين على باكستان أن تستعد من الآن للانضمام إلى نادٍ يضم معها إيران وسوريا وكوريا الشمالية.
“العرب”