يحتوي هذا القسم الأول مقالات كل من:
الانتخابات: جورج صبرا، انتخابات الأسد رمية حجر في بركة آسنة: جبر الشوفي، الانتخابات الأسديّة وشرعية الخارج: المستشار عبد الرزاق الحسين، مسرحيّة الانتخابات: د. سلامة درويش، الانتخابات الهزليّة .. لزوم ما لا يلزم !:جليلة الترك
مقدمة:
الانتخابات الأسديّة
بين 20 و 26- 5-2021 سيقوم النظام الأسدي بإجراء “انتخاباته” الصورية بدعم من حلفائه وداعميه، وفقاً لدستور 2012 المفصّل على مقاسه، ضارباً عرض الحائط بالقول بلا شرعيّتها لخروجها على القرار الأممي 2254، وبعدم مشاركة أكثر من نصف الشعب السوري المشتّت بين مخيمات النزوح وبلدان اللجوء، وبتحذيرات الدول الكبرى الفاعلة في القضية السورية وصاحبة القرار، لأنه يرمي ومن معه إلى تأكيد أمر واقع يضفي عليه شرعية قانونية دولية، ويمكّنه من الاستمرار بلعب الدور المنوط به، وصولاً إلى التعايش مع الأمر الواقع في سورية التي توزّعت إلى مناطق نفوذ لدول أو مَن يمثلون دولاً.. وبالتالي إنهاء سورية الموحّدة أرضاً وشعباً.
هذه الانتخابات المزمعة مفصل هامّ في القضية السورية، وستكون الأمور بعدها –حتماً- غير ما قبلها.. إذ ستكون وقائع تبتعد كثيراً عن طموح الثورة السورية وأهدافها.
من هنا نركّز في هذا الملفّ الإضاءة حول الأمور الآتية:
أين تذهب الانتخابات التي قرّرها النظام بسورية؟
ما تأثير الموقف الدولي على الوضع السوري بعدها؟
ما آليّات السوريين في المواجهة القادمة؟
وقد شاركنا في بناء هذا الملفّ سياسيون ومثقفون وناشطون سوريون..
كما نتطلع الى نشر المزيد من مشاركاتكم وارائكم في هذا الملف
القسم الاول:
الانتخابات
جورج صبرا
– هذه ليست انتخابات، وسورية لم تعرف الانتخابات الحرّة التي تظهر رأي الشعب، وتحقّق إرادته طيلة تحكّم الدولة التسلّطية الفئوية بمقدرات البلاد منذ عام 1963 . فكيف لعاقل أن يتوهّم حصول ذلك في ظلّ تهتّك السلطة والاحتلالات المتعدّدة للبلاد، وبقاء أكثر من نصف الشعب السوري خارج هذه المهزلة الوضيعة ؟ فما يجري ليس أكثر من جهد روسي فاشل لإبقاء نظام الأسد في المشهد الدولي، بعد أن فشلت جميع جهودهم السابقة لإعادة تأهيله. كل ذلك تحقيقاً لأهدافهم في الصراع الدولي والإقليمي، وتثميراً لوجودهم العسكري كقوة احتلال. يتمّ ذلك عبر مسرحية تثير السخرية، ولا تليق بسورية والسوريين. يعتقد المعدّون والمخرجون فيها، أن الازدحام الكاريكاتوري للمرشحين يجعل من مهرجان المسخرة ” انتخابات “. وفي ذلك إشارة واضحة إلى عدم توفر الإرادة الدولية بعد على تنفيذ الحل السياسي الذي وافق عليه السوريون. المعتمد دولياً والمحدّد بالقرارات الأممية ذات العلاقة .
– على ضوء المواقف الأمريكية والأوروبية المعلنة، وكذلك موقف الأمم المتحدة ومنظماتها مما يجري تحت اسم الانتخابات، يمكن للمرء أن يرى معالم الفشل والخيبة واضحة في مآل المساخر التي يديرها الروس في دمشق. فمواقف الرفض والتشهير بها واضحة وحاسمة. وهو ما ينعكس إقليمياً ويحول دون اختراقات يعمل لها الإيراني والروسي. وإذا أضفنا إلى ذلك مشاريع الروس الأخرى الخائبة مثل ” اللجنة الدستورية ” واستجرار الدول لـ ” إعادة الإعمار ” واختبار فريّة ” عودة اللاجئين ” بمؤتمرهم الدمشقي الفاشل. يمكن ملاحظة استهلاك جميع الوسائل الروسية لإعادة تأهيل النظام، وتشويه العملية السياسية والتطاول عليها. مما يفترض العودة بجدّية، وعبر توافق دولي، إلى مسار جنيف والعملية السياسية التي تحمل التغيير الحقيقي، وتبدأ بتشكيل هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية .
– للأسف إمكانية السوريين في المواجهة ضعيفة، نتيجة حال التبدّد التي تحكم قوى الثورة والمعارضة ومؤسساتها التمثيلية. ويبقى أمامهم الجهد الإعلامي وتشجيع الناس على إدارة الظهر لهذه المسخرة . وهذا يفرض على النخب السياسية والثقافية ونشطاء الثورة في الداخل مهمّة الحوار الجدّي بين جميع المحاولات والمشاريع والتجمّعات، وإجراء التشبيك فيما بينها لبناء ” كتلة وطنية “، تعمل على إنقاذ البلاد وتحقيق أهداف الثورة وفق رؤية وطنية، تؤطّر جهود السوريين تحت راية الحل السياسي والقرار الوطني المستقل. وتكون جاهزة لتمثيل الشعب السوري وثورته في الحقل السياسي الإقليمي والدولي . إن هذا الفعل المنتظر سياسياً والمطلوب شعبياً يشكّل الرّد الطبيعي والصلب على عصابات الحكم والتحكّم والاحتلال ومليشياتها، التي تعمل على زيادة آلام الشعب باستثمار المحنة السورية وتمديد أجلها .
* عضو الأمانة المركزية لحزب الشعب الديمقراطي السوري
انتخابات الأسد رمية حجر في بركة آسنة
جبر الشوفي
تقع مهزلة الانتخابات الرئاسية العبثية في دائرة هروب الأسد المجرم إلى الأمام من استحقاق محاكم دولية ومحلية، تلوح في أفق التطورات والنزاعات المحتدمة، ووفقاً لاعتقاده أنه مؤهل لتجديد شرعيته الدستورية والقانونية، علماً أنه لا يُتوقَّع، أن يشارك فيها سوى نصف عدد من يحق لهم الانتخاب، وهم في أحسن حالاتهم لن يتجاوزوا خمسة ملايين مع استمرار تحدي درعا ورفضها المشاركة. وعلى حين يبدو الأسد مهجوساً، يسارع لتعويم نظامه لطمأنة الروس والإيرانيين وتجديد ثقتهم به وحمايته باعتباره ورقتهم الوحيدة في بازار النزاعات السياسية والدبلوماسية والجيوسياسية مع أمريكا والغرب عامة.
ولعلّ تهدئة مخاوف الأسد وقلقه الوجودي في محيط إقليمي منذر بالتغيرات العاصفة، يشكّل الهدف المباشر والأكثر إلحاحاً، وعبره يبرز سعيه المحموم لعرقلة العملية الدستورية والحل السياسي، ويحاول أن يلتفّ عليهما بتعويم نظامه المهترئ والمتهاوي إلى نهاية المنحدر، ولكي تكتمل عناصر العبث في مهزلته تلك، فإنه يقدم نتائجه إلى مقترعين غير مباشرين من البركماتيين الدوليين والعرب الأكثر ابتذالاً، ولمؤسسات قوى المعارضة التابعة والمهلهلة وكل الذين لم يقفوا موقفأً مسؤولاً في وجهه طيلة عشر داميات، وتركوه يُعمل آلة القتل والتدميروالتهجير مستثمراً في نزاعاتهم وتقصيرهم وارتهانهم لدول وأجندات وأيديولويجات بائسة !
ولكني أعتقد أن هذه الانتخابات إذا جرت، فستظل عاجزة عن منحه شرعية قانونية ودستورية ولن تكون قادرة على طمأنته وامتصاص قلقه الوجودي إلا جزئياً ومؤقتاً، فالنزاعات العاصفة في المنطقة، لابدّ أن تمرّ على رأسه العاجز عن الخروج من نفق أزماته السياسية والاقتصادية والأخلاقية المتكاملة، ولن تفلح في تسويق شرعيته القانونية والدستورية المنهارة من خلالها، ولن تستقبلها إلا بعض دول ابتذلت السياسة وعلى رأسها إيران ورسيا ودول الخليج الغارقة في مستنقع التطبيع، قاطعة أي علاقة لها بمعايير الحكم الرشيد والحوكمة ومعايير القيم الدستورية والقانونية بوصفها أسّ الموقف الأخلاقي والإنساني !
أعتقد أنّ إزاحة الأسد وتدفيعه ثمن جرائمه لم تعد بعيدة، ليس بسبب ارتفاع القِيَم الخيرة في مديري اللعبة السياسية الدولية، ولا بسبب العقوبات والحصار، بل لأن طبيعة الصراع المحتدم وتضارب المصالح بين كباش السياسة الدولية، لابدّ لها من أن تسقط ولو بطرف ذيلها نظاماً غدا وجوده مصدراً للجرائم والفساد في المنطقة، وجسراً لدولة ولي الفقيه. ولكن، ومن أجل تسريع الخلاص الوطني العام، لابدّ من توحيد كلمة السوريين بكل تلويناتهم الإثنية والدينية والسياسية، وقبضهم على قضيّتهم وقيادتها في طرق مدروسة ومبتكرة سياسياً وإعلامياً، بقيادة المؤهّلين للقيادة خارج هيئات ومؤسّسات المعارضة، التي ابتذلت تمثيل السوريين وتمادت في اللعب والعبث خارج ملعبها الأساس، ولابدّ من خروج الجميع من الشللية وتصارع الأيديولوجيات والنرجسيات من أجل تشكيل قاعدة اجتماعية وطنية حاملة للصراع نحو نهايته المرجوة، وذلك لأن الشعب وحده محطّ الرهان والأمل في كل الظروف، وهي مخرجه الوحيد من واقعه المريع، وفي سبيل صون كرامته الوطنية والشخصية، وبذا والكثير غيره سنظلّ محكومين بالأمل.
*ناشط سياسي وكاتب
الانتخابات الأسديّة وشرعية الخارج
المستشار عبد الرزاق الحسين
لم تكن الانتخابات يوماً وسيلةً ذات اعتبار في دوائر الحكم في سورية، لأنّ شرعية الوصول للسلطة، وكذلك الاستمرار فيها من قِبل حافظ الأسد وابنه، لا تستند إلى عوامل داخلية، اللهمّ إلا عوامل القوة والسلاح مقابل الخوف والخضوع، كما أنّ الانتخابات ما كانت استجابة لعقد اجتماعيّ بين السوريين ولا لدستور مكتوب بينهم، وقد عاش السوريون خلال سيطرة الأسديّة دون عقد اجتماعيّ في واقع الأمر . أمّا الوثيقة المسمّاة دستوراً، التي أصدرها النّظام عام 2012، فإنها مراعاة صوريّة لوضع حقوقيّ دوليّ يتطلّب من الدول أن يكون لها دساتير مكتوبة ليس إلّا.
وقد كانت شرعية الأسديّة الحقيقية شرعية خارجية تتمثل في بغطاء قديم من دول عظمى استمرّ تحت ثنائية مصلحية تبادلية عنوانها: لكم سورية ولإسرائيل الأمان والهدوء، وكان مربط الفرس في توثيق هذا الغطاء وتأكيده اجتماعان يعرفهما السوريون جيّداً، الأول جرى في لندن عام 1965 بين اللواء حافظ الأسد ووزير المستعمرات البريطاني تومسون أثناء الزيارة المشهورة التي سبقت بشكل مباشر بدء استيلاء الأسد الأب على البلاد، والثاني هو اجتماع الساعات الست الذي جرى عام 2000 عند وفاة الأب بين وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت والولد بشار بن حافظ قبل دفن الأخير … هذا ملخّص الأمر.
وستمرّ المسرحية مثلما مرّ ما قبلها بصمت دوليّ، سوف يدوم مادامت الأسديّة قائمة بدورها الوظيفي المستمرّ منذ أكثر من خمسين سنة، وما على السوريين إلّا أن يضعوا هذه الحقيقة في أذهانهم، وهم يسيرون نحو هدف واحد، هو إعادة إقامة سورية من جديد، بحيث تكون دولة يتابعون العيش فيها بموجب عقد اجتماعي، ينبع من إرادتهم في طريقٍ لنْ يكون قصيراً أو مزيّناً بالورود.
* قاضٍ سوري سابق وباحث في القانون
مسرحيّة الانتخابات
د. سلامة درويش
أيّ مسرحية يحاول النظام إخراجها.. متوهّماً بأنها ستعطيه العبور نحو شرعنته دولياً، وهذا حلم بعيد المنال على نظام فقدَ شرعيّته الداخلية أولاً أمام السوريين، عندما ثاروا عليه، وأمام العالم ثانياً، عندما استعمل جميع الأسلحة ضد شعبه، ومنها الأسلحة الكيماوية، وهو متّهم بجرائم حرب ارتكبها بحقّ السوريين..
الانتخابات لا يمكن أن تكون شرعية ونزيهة في زمن الحرب، ونظام لا يسيطر إلا على جزء من مساحة الوطن، وهناك أكثر من ستّ دول متواجدة قواعدها وجيوشها على الأرض السورية، غير سلطات الأمر الواقع التي تحكم مناطق نفوذها ( النظام والمليشيات الطائفية التي جلبتها إيران، شرق الفرات تحت سيطرة pkk ,, pyd,, ، في الشمال النصرة وتوابعها، والجيش الذي يتبع لتركيا، وفي الجنوب لم يسيطر النظام كلياً على تلك المنطقة،) لذلك تعتبر هذه المهزلة عبارة عن مسرحية بطلها الأسد (كركوز)، ومجموعة من الكومبارس يرقصون حوله بإخراج روسي ومساعدة إيران.
عمد النظام للعب بالوقت بحماية الروس في مجلس الأمن، وجلب بعضاً ممّن ينتمون للمعارضة في أستانا وسوتشي، فعطّل مضمون الحلّ، وعمل على إغراق المفاوضات حول اللجنة الدستورية بالأمور الجانبية، والان يدعو لهذه الانتخابات ضارباً بكل ما توصّل إليه مجلس الأمن والأمم المتحدة من قرارات تخصّ الوضع السوري، وغير معترِفٍ بها، ولا يهمّه أي قرار لا يبقي الأسد على مقعد الرئاسة. لذلك فإن السوريين لن يعترفوا بها، وهناك أكثر من نصفهم هجّر وشرّد وقتل، وهناك من هم تحت وصايته الأمنية، فقدوا أبناءهم ، وفقدوا مدّخراتهم أمام الغلاء، وجاعوا بسبب هذا النظام، وأصبح حوالي 90٪ منهم تحت خطّ الفقر، فلا يثقون بهذا النظام بحلّ مشاكلهم، ويريدون الخلاص من الأسد و سلطته، وكذلك رفضت هذه المسرحية دول المنطقة وأغلب دول العالم، وهذا ما لاحظناه برفض هذه المهزلة بمجلس الأمن التي عبّر عنها كل من أمريكا وبريطانيا وفرنسا.. بأن هذه الانتخابات لم تجرِ تحت مخرجات 2254 التي وافق عليها مجلس الأمن بالإجماع، وأنها لن تكون انتخابات نزيهة إلا تحت رقابة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، ويشارك فيها جميع السوريين أينما وجدوا، وأعربوا أن أي شكل من الانتخابات الصورية في 26 أيار، هو مهزلة وغير شرعية، ولا نعترف بها، وقبلها أعرب الاتحاد الأوروبي عن رفضه لانتخابات الأسد.
شعارهم كان “الأسد أو نحرق البلد”، وها هو قد حرقها، ومستمرّ لتدمير ما تبقّى منها عامراً، والتخلص ممّن هم تحت سلطته، ويدرك تماماً بأنهم لا يرغبون ببقائه. إن من يقوم في هذه الانتخابات نظام مجرم ومتّهم بجرائم حرب، ومن ينفّذ هذه السياسة، هم أجهزة الأمن والشبيحة بدعم المليشيات الطائفية، ينشرون الخوف والرعب على من تبقّى من السوريين تحت ظلّ هذه السلطة المستبدّة، وبالتصفيق لها من قبل ما تبقى من هياكل عظمية لما يسمى أحزاب الجبهة ومن لفّ حولهم، لذلك علينا كسوريين ان نتوحّد كقوى وطنية ديموقراطية من أجل أن نشكّل قوة حقيقية ضاغطة على من يصنعون القرارات لسورية، وإن أي انتخابات تكون بعد الحل السياسي الذي تنصّ عليه القرارات الدولية ذات الصلة وخاصة جنيف 1 و 2254 وغيرها، وأن تكون هناك هيئة حكم انتقالية تتبع لها هيئة دستورية ومجلس عسكري بإشراف أممي كامل، وبرقابة صارمة، ومن بعدها إجراء الانتخابات، لذلك تحتاج إلى هيئة دستورية منتخبة من ذوي النزاهة، وإلى دستور جديد يتضمن ويحمي كافة الحريات، وأن ينصّ على حيادية الدولة أمام كل المكوّنات العرقية والدينية والطائفية، وأن تكون هناك بيئة آمنة، مع إنهاء كل أشكال المليشيات المسلحة، وسحب أسلحتها، وطرد الدخلاء وكل حائز على الجنسية بعد 15 / 3/ 2011، وإعادة هيكلة الجيش والأمن. هذه الأمور تحتاج لوحدة السوريين ومساعدة الأمم المتحدة، حتى لو استعملت القوة، نحتاج لحماية، ومن أجل تطبيق العدالة الانتقالية، نحتاج إلى من يساعدنا للقضاء على إرهاب الدولة وإرهاب الفصائل المتأسلمة، وخاصة توابع القاعدة وحزب الله والكتائب الطائفية. إذاً لا انتخابات شرعية تحت ظل هذا التشتّت والإرهاب والاستبداد وسيطرة الأمن على كل مفاصل الحياة، ومازالوا يحصون أنفاس الموجودين.
عضو المكتب السياسي في حزب اليسار الديمقراطي السوري
الانتخابات الهزليّة .. لزوم ما لا يلزم !
جليلة الترك
توصف الانتخابات في المجتمعات الديمقراطية بأنها أداة تُستخدم في الحكم، وفي تداول السلطة، وآلية لاختيار الشعب لحكامه. أمّا في بلد يقبع تحت حكم عصابة دموية طائفية، أمعنت أيّما إمعان في قتل كل المطالبات الشعبية المشروعة بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وقمعت كل أشكال ووسائل التغيير والتعبير الممكنة على مدى عقود، فلا يمكن وصف الانتخابات فيه سوى بالهزلية، وبأنها نوع من السريالية أو الكوميديا السوداء بأحسن الأحوال.
ينطلق الفصل الجديد من فصول مهزلة الانتخابات تلك في أواخر الشهر الجاري، وعلى وقع معاناة الشعب السوري تحت ثقل الأزمات المتلاحقة، فما شأنه اليوم بانتخابات هزلية وما حاجته إليها، خاصةً في ظل فقدان المواد الأساسية اللازمة للبقاء على قيد الحياة ؟ هل ستحلّ الانتخابات المرتقبة أزمة الخبز، أزمة الوقود، أزمة الكهرباء، أزمة سعر الصرف، أم ستُعيد بناء ما تهدّم على جميع الأصعدة ؟
ربما يجادل البعض أن تلك الانتخابات ستشكّل بعض التسلية، وهي مطلوبة في هذه الظروف من أجل تحفيز السخرية والضحك، علّها تساعد على تحمّل المأساة اليومية وتقطيع الوقت، وأعتقد أنهم محقّون في وجهة نظرهم تلك، خاصةً إذا ما اطّلعنا على قائمة الدول التي تم دعوتها لمراقبة الانتخابات، وعلى أسماء المرشحين المنافسين لبشار الأسد، وحملته الانتخابية التي استهلّها بتوزيع كيلو برغل خشن خرج المجدرة، أو إذا استمعنا إلى إعلام العصابة، وهو يتحدث عن الانتخابات والسيادة في بلد محتل.
على صعيد الداخل، العصابة مستمرة بالحكم بانتخابات وبدونها، غير آبهة بما حصل أو بما يمكن أن يحصل للشعب، فماذا عن الخارج هل سيتغير شيئاً؟ كلا، الانتخابات لن تقدم ولن تؤخّر، فالدول التي تحافظ على علاقات طبيعية مع العصابة، على الرغم من كل الانتهاكات التي ارتكبتها وترتكبها، أو تلك التي تريد إعادة تطبيع العلاقات معها، ليست من الدول الديمقراطية أو الداعية لها، أما دول الغرب التي تمارس الديمقراطية، فلن يتخطّى ردّها بضع تصريحات للاستهلاك الإعلامي، لا تفيد ولا تغني من قمع وديكتاتورية، بل إن تطلّبت مصالحها إعادة الانفتاح على العصابة، فلن تتردّد في ذلك، حيث اتّضح من طريقة تعاطيهم مع تلك العصابة منذ اندلاع الثورة السورية، أن المصالح لديهم فوق المبادئ.
إذن، فإن الانتخابات المزمع إجراؤها أقل ما يمكن القول عنها، إن كان بالنسبة للسوريين أم بالنسبة لغيرهم، هي لزوم ما لا يلزم!
ناشطة سياسية