يتابع موقع الرأي نشر الملف الذي يناقش الانتخابات التي يعتزم نظام الاسد اجراءها، ويشارك في هذا القسم:
انتخابات الأسد،ما قبلها وما بعدها: حسن النيفي
الانتخابات على الطريقة الأسديّة: هتكٌ للمعنى: أحمد عيشة
أعطوني سبع سنوات أخرى، ولن تتعرّفوا على سورية: محمد علي ترك
انتخابات سوريّة أم سو….رياليّة؟: أحمد فيصل خطاب
الانتخابات كمؤشّر لهيمنة سلطة الاستبداد: د. نجوى سحلول
انتخابات الأسد
ما قبلها وما بعدها
طيلة نصف قرن من حكم آل الأسد، لم تكن انتخابات الرئاسة تجري سوى بنسخة واحدة، فالمُرشّح للرئاسة هو رئيس النظام ذاته، والإجراءات القانونية الشكلية هي ذاتها، والحصانة الأمنية لسيرورة الانتخابات هي هي لم تتغيّر، والنتائج معروفة قبل بدء العملية الانتخابية، أي سيفوز الرئيس بنسبة ساحقة، ولعل تكرار هذه العملية قد جعل المسألة تتحوّل من استحقاق دستوري وقانوني إلى طقوس احتفالية يتم التحضير لها مسبقاً، ولم تكن تلك الطقوس والمهرجانات الاحتفالية تجري في أقبية المخابرات أو في أماكن أخرى سرية، بل على الملأ، لتتبعها بعد عدّة أيام رسائل التبريكات الموجهة من دول ورؤساء العالم مهنِّئة رئيس النظام بتجديد البيعة الجماهيرية له. ولئن كان تكرار تلك العملية الانتخابية بهذا الشكل المعهود طيلة خمسين سنة ماضية من حكم الأسدين لم يلق استنكار المجتمع الدولي، ولم ينتقص من شرعية نظام الأسد دستورياً وقانونياً لدى جميع المحافل الدولية، فما الذي سيدفع المجتمع الدولي في الوقت الراهن لاستنكار العملية الانتخابية التي سيجريها بشار الأسد في السادس والعشرين من أيار المقبل؟ هل هو حجم الدمار الذي ألحقه الأسد بسورية؟ أم هي درجة التوحّش والإيغال في قتل مئات الآلاف من السوريين؟ إذا كان الأمر كذلك، فهل كان حافظ الأسد إبان فترة حكمه بريئاً من دم السوريين؟ وهل كانت سورية في عهده واحة للسلام والديمقراطية؟ أمّا إن كان سبب استنكار المجتمع الدولي عائداً إلى عدم التزام الأسد ببنود القرار 2254 فيما يخص كتابة الدستور ومن ثم الانتخابات التي من المفترض أن تكون بمشاركة جميع السوريين، بمن هم في الشتات، وبإشراف أممي مباشر، فيمكن القول: لماذا لم يستنكر المجتمع الدولي، ومن ثم يسعى إلى إلزام الأسد بالبنود الإنسانية الملزمة في القرار المذكور، وأعني ما يخص الإفراج عن المعتقلين والكشف عن المغيّبين؟ وهي مسألة لا تقل شأناً، بل ربما هي أكثر أهمية بالنسبة إلى ملايين السوريين، من مسألة الدستور والانتخابات. ويبقى السؤال عن المآلات العملية للموقف الدولي من انتخابات الأسد موضع رهان الكثيرين، أي إن أنجز الأسد انتخاباته المقبلة، غير آبه بأي استنكار أو احتجاج، سواء أكان سورياً أو دولياً، واستمرّ في تصدير شرعية، مصدرها الوحيد هو قدرته على الاستمرار في القتل والإجرام بمؤازرة حليفيه الروسي والإيراني، وهذا ما سيحصل على الأرجح، فهل سيتحوّل الاستنكار الدولي إلى مواقف أكثر عملية، كأنْ تبادر الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوربية أخرى إلى طرد سفراء النظام وممثليه الدبلوماسيين كتعبير فعلي عن عدم اعترافها بشرعية انتخاباته؟ وهل سيشهد السوريون دعوات دولية لإبعاد تمثيل نظام الأسد من المحافل الدولية كالأمم المتحدة وسواها؟ واقع الحال يؤكّد أنه لا المعطيات السياسية الراهنة، ولا إرث العلاقات الغربية مع نظام الأسد يؤيد ذلك، بل لعل سقف التوقعات لن يتعدّى المواقف الإعلامية التي تكرر وجوب التزام الأسد بالتفاعل مع القرارات الأممية، وبالمقابل لن يعدم الروس القدرة على مشاغلة المجتمع الدولي من خلال حضور نظام الأسد في اللقاءات المقبلة للجنة الدستورية، حضور من أجل المشاغلة فقط، دون الوصول إلى نتيجة.
ولئن كانت انتخابات الرئاسة المزمع إجراؤها إجراءً فاضحاً لعبثية مسار اللجنة الدستورية، وإصرار الأسد على المماطلة والمشاغلة، موازاة مع لامبالاة المجتمع الدولي، ألا يتوجب على ما تبقى من حراك الثورة أن يدعوا المسار الدستوري بمشاركيه ومنصاته ولجانه، ويسعوا لإيجاد سبل أخرى للمواجهة، والتفكير بإستراتيجيات جديدة تمكّنهم من فتح جبهات أخرى ( حقوقية – إعلامية – سياسية )، إذا كان الجواب بالإيجاب، فهذا يستدعي فصلاً جديداً من الكلام.
- كاتب صحفي سوري
الانتخابات على الطريقة الأسديّة: هتكٌ للمعنى
سبع جولات مما يُعرف بمسخرة الاستفتاءات الأسدية، وجولتان من الانتخابات، الأولى عام 2014، والثانية التي ينوي النظام إجراءها في 26 أيار المقبل.
أولى الاستفتاءات كانت في آذار 1971، حيث سنّ حافظ الأسد طريقة جديدة في “البيعة” لحكمه، بكونه “المرشح/ الفائز” الوحيد من قبل مجلس الشعب بناء على اقتراح من القيادة القطرية لحزب البعث، وذلك حسب “الدستور” الذي استفتى عليه قبل أيام من حفلة الاستفتاء الأولى. ظل هذا الأمر سارياً حتى وفاته، حيث جرت الحلقة الخامسة من مسخرة الاستفتاءات في شباط 1999، وما بينهما بالطبع، جولة 1978، و1985، و1992.
لم تكن النسبة التي “قالت” نعم لحافظ الأسد تقلّ عن 95 في المئة (الجولة الأولى 1971) ووصلت إلى 100 في المئة في جولة 1999، شاملة حتى الأموات والمهاجرين وكل من وُلد على الأراضي السورية، لدرجة صارت معها النسبة تلك سمة مميزة لتلك الأنظمة الاستبدادية (أنظمة الـ 99 في المئة). وبالطبع، لم يكن همُّ النظام ما يقوله الناس، فتلك أمور تقنية تتكفل بها أجهزة “وزارة الحقيقة” لديه، وإنما همه الأول يتكرس في إجبار الناس إلى الذهاب إلى الصناديق رغم معرفته الضمنية برفضه من قطاع واسع من السوريين، أي قتل روح التمرد لدى الناس، وفي هذا المجال، لا بد لي من أن أذكر ما جرى في جولة الاستفتاء الثالثة في 8 شباط 1985، عندما كنت والمئات من معتقلي الرأي في السجون، حيث جلبوا الصندوق لجناحنا في سجن حلب المركزي، بعملية إذلال رمزية، وعندما رفض المعتقلون ما طُلب منهم، لاقوا أصنافاً شتى من التعذيب.
ابتدأ الوريث بشار حكمه بنفس الطريقة، في تموز عام 2000، وبنسبة 99,7 في المئة، وفي جولته الثانية عام 2007 بنسبة 97,62، حيث كانت نهاية جولة الاستفتاءات، ليبدأ بطريقة جديدة سماها الانتخابات عام 2014، بعد ثلاثة أعوام من انطلاق الثورة السورية ضد نظام حكمه الطغياني، كما استبدل قوانين حالة الطوارئ بقوانين مكافحة الإرهاب الأكثر رعباً وفتكاً بالناس. وفي هذه الطريقة، استحضر مهرجون “منافسون”، وفي اتّساق مع حالة الاستثنائية التي يمثلها حكم النظام الأسدي، كان برنامج “المنافسين”: دعم التوجّه الوطني التقدمي للسيد الرئيس…
في تجربة “الانتخابات” الأولى كان منافسَيه، مستقل و”يساري شيوعي”، وفي هذه الجولة المقبلة: مستقل و”قومي ناصري”، في إشارة لديمقراطية الأسد التي يطال سيفها الجميع.
ما يمكن أن يقال عن الاستفتاءات أولاً، وعن الانتخابات ثانيا، أنه في كلتا الحالتين، لم يكن مسموحاً للناس بقول (لا) عند الاستفتاء، أو اختيار مرشح آخر في مسخرة الانتخابات، أما فبركة النتائج والنسب، فهي مهمّة المختصين في وزارة الحقيقة – فرع تشابه الأسماء.
- كاتب ومترجم
أعطوني سبع سنوات أخرى، ولن تتعرّفوا على سورية
“لا رقابة عليكم إلا رقابة الضمير”.. بهذه العبارة أبرزت صحف النظام خطاب حافظ الأسد أمام مؤتمر الكتاب والصحفيين في بداية عهده. لكن الرئيس كشّر بسرعة عن أنيابه لكل من حاول نقد سياساته، وألغى نهائيا حرية التعبير. في بداية حكمه وعد الأسد الابن بالإصلاح، لكنه نكث العهد بسرعة مثل أبيه.. اعتقل المعارضين، وأسكت الأصوات المطالبة بالديمقراطية وحقوق الإنسان. ومع انطلاق الثورة السورية أطلق بشار النار على السوريين، وقصفهم بالمدفعية والطيران، ولم يتورّع عن مهاجمتهم بالغازات السامة.
الأسد، الحاكم السوري، هو أحد أكثر الديكتاتوريين قتلاً في عصرنا الحديث. عندما يتعلّق الأمر بسلطته، لا يعرف أي رادع إنساني أو أخلاقي. فعندما طالب المتظاهرون في موجة “الربيع العربي” – بمزيد من الحرية والإصلاحات في أوائل عام 2011، ودفع الكثيرون حياتهم ثمنا لذلك، أرسل فرقه العسكرية لممارسة القوة الوحشية ضد المتظاهرين. يقول جان بيرندز من مركز التاريخ المعاصر في بوتسدام: “لم يأتِ العنف بالصدفة، لقد اختار الأسد عن عمد الطريق العسكري”، “مثله مثل الدكتاتوريين الآخرين، يستخدم العنف أيضاً كوسيلة لبقائه في الحكم”. ورث نظاماً استبدادياً وتقاليد حكم دموية عن أبيه، وتفوّق علية بالهمجية والتمسك بالسلطة. جاء حافظ الأسد إلى الحكم عام 1970 بانقلاب عسكري، ولم يغادر كرسي الرئاسة إلا إلى القبر. وورث الابن الحكم، بعد تعديل الدستور، وتمّ تمديد فترة ولايته مراراً وتكراراً، قام باستعراضات انتخابية لا علاقة لها بإجراء انتخابات حرة ونزيهة. وارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهناك الاشتباه في الإبادة الجماعية.
لا يستطيع الأسد حين يمدّد لنفسه مرة أخرى، أن يخدع أحداً، فهذا الديكتاتور الذي اعتاد الكذب وبيع الأوهام بالنصر والرخاء معزول داخلياً وخارجياً إلى حد كبير. فهو لا يستطيع مغادرة سورية إلا باتجاه إيران أو روسيا، أصبح عالمياً رمزاً للدم والدمار والفساد. لكن بشاراً – القديم والجديد- هل يراهن على أن ذاكرة المواطنين سيّئة، وسينسون الممارسات الإجرامية؟ بدأ عهده الأول بالحديث عن الرأي والرأي الآخر، ثم روج لاحقاً لما سمّاه التطوير والتحديث، وفلسف موضوع الإصلاح حتى قدم الصباح، ثم ادّعى مكافحة الفساد، وروّج لأولوية الإصلاح الإداري والاقتصادي على السياسي. عناوين كبيرة ودعايات أكبر من أجهزة دعاية مأجورة احتكرت لنفسها الحقيقية، وأبعدت كل صوت مخلص ورأي خلاق. لكن ماذا سيقدم بشار الأسد اليوم في دورته الرابعة من وعود جديدة لناخبيه؟ أشياء جديدة؟ ربما يفكر سيادته ببراميل متفجرة أكثر دماراً وحداثة؟ وربما ببطاقات تموينية أكثر مرحاً وذكاء؟ تجربتنا مع بشار، المعلم والمعجزة، أليمة وطويلة. لقد تعلمنا في عهده وعهد أبيه أشياء كثيرة، تعلمنا أن نهجر بيوتنا لنعيش في الخيام، وتعلم أولادنا أن التلويح بصورة الرئيس هي الوطنية وسيادة الشعب، علمنا سيادته كيف نعود إلى الطبيعة، نركب الحمار بدل السيارة، وتعلّمنا أن ننسى الجوع ونعيش في عالم الأحلام. بعد مرور عامٍ على بدء انتشار وباء كورونا المدمّر في سورية أيضاً، بتنا نعلم أن الفئات الاجتماعية الأكثر ضعفاً صحياً واقتصادياً، هي المعرضة أكثر للتضرّر وهي أكثرية الشعب السوري. هذه الجائحة تكشف للسوريين من جديد حقيقة أنهم متروكون بدون رعاية وبدون قيادة، متروكون للقدر. قال هتلر بعد وقت قصير من تعيينه كمستشار في 30 يناير 1933، في أول خطاب إذاعي له : “حسناً أيها الشعب الألماني، امنحنا أربع سنوات، ثم احكم علينا واحكم علينا.!” يبدو أنه أعجب بالصيغة، لأنه بعد يومين استخدمها مرة أخرى في إحدى مقابلاته النادرة مع صحفيين دوليين: “امنحنا أربع سنوات، وهي الفترة الدستورية للرايخستاغ ، ثم اترك البلد يحكم علينا”. من المستحيل وضع سفينة الدولة على المسار الصحيح دفعة واحدة. هذا يستغرق وقتا. كل ما أطلبه هو أربع سنوات. “أعطني أربع سنوات ولن تتعرّف على ألمانيا!” الكلمات انتشرت في الدعاية الحزبية من بين أمور أخرى، على سبيل المثال على البطاقات البريدية والملصقات. في إبريل عام 1945 مات هتلر منتحراً في أحد أقبية برلين، وترك ألمانيا محطمة منهارة لا يمكن التعرّف عليها. هل سيقولها بشار الأسد في دورته الرابعة: أعطوني سبع سنوات أخرى، ولن تتعرّفوا على سورية؟
- كاتب وناشط سياسي
انتخابات سوريّة أم سو….رياليّة؟
منذ بدايات المرحلة الأسدية قبل نصف قرن ونيّف، وبشكل خاص منذ اندلاع الثورة السورية في مارس / آذار عام 2011 ، كل شيء في المشهد السوري كان يبدو عجائبياً غرائبياً. كل شيء كان يبدو وكأنه ينتمي إلى عالم آخر غير عالم الواقع والحقيقة.. إلى مسرحية من تلك المسرحيات المثيرة التي قطعت مع الأشكال المألوفة، التراجيديا أو الكوميديا، لتصوّر لنا في المقابل عالماً مختلطاً مشوّشاً ومبلبلاً، تبدو فيه المأساة كوميديا سوداء والملهاة فجيعة حقيقية .!
كان ذلك ما يُعرف باسم مسرح العبث أو اللامعقول، والذي برع فيه صاموئيل بيكيت في مسرحيته الشهيرة “في انتظار غودو” ، وآرثر آداموف في مسرحيتيه: “الكلّ ضدّ الكلّ” و “الأرواح الميتة”، وكذلك يوجين يونسكو في مسرحيته المثيرة “المغنّية الصلعاء”، وحيث يسود مناخ قاتل من العبث المحيط بالإنسان والحياة مع سقوط النزعة الإنسانية في أعقاب الحرب العالمية الثانية بكوارثها ومآسيها الدامية. كل ذلك العبث وكل ذلك اللامعقول أتى مستوحى من المدرسة السوريالية التي صوّرت لنا إنساناً مستخدماً كل قواه السايكولوجية المنفلتة من كل ضبط وتحكّم للعقل والعقلانية وفي صدام واضح مع القِيَم المتوارثة. عالم غريب ما فوق طبيعي، ما فوق واقعي، يراه المرء بعينيه، ولكن بالكاد يصدق ما يراه.
إذا كان يوجين يونسكو تحدث في مسرحيته عن “المغنية الصلعاء” في مسرح اللامعقول، فإنه يمكننا الحديث دون مبالغة عن النظام الأصلع، النظام السوري الحالي، مع فارق هام هو أن” مغنية يونسكو” كانت صلعاء من الخارج، في حين أن النظام الأسدي أصلع من الداخل، وهذا هو الصلع الحقيقي، فهو أصلع عقلياً، قانونياً، شعبياً، سياسياً وأخلاقياً، مكشوف تماماً، مكشوف لمواليه قبل مناوئيه.
نظام العبث واللامعقول هذا، وبتعبير أدقّ، هذا اللانظام، يمضي سادراً في غيّه رغم كل أجراس الإنذار، وضربات القدر المتلاحقة التي تقرع بابه. وفي هذا الإطار أقدم مؤخّراً على الاستعداد لإجراء انتخابات رئاسية في العشرين والسادس والعشرين من شهر مايو أيار الحالي.
هنا على الفور يثور شلّال من الأسئلة المتواترة المتتالية، تدور كلها حول سؤال مركزي: هل يمكن لأي إنسان يمتلك الحد الأدنى من المنطق والعقلانية أن يتصوّر انتخابات ذات مصداقية في الظروف السوريّة الحالية؟
هل يمكن أن نطلق على ما يجري، وسيجري انتخابات رئاسية في حين أن نتيجتها معروفه سلفاً؟ تماماً كما حدث في الدورات الثلاث السابقة.
كيف تجري هذه الانتخابات الكاريكاتورية أو الكاراكوزيّة لا فرق، بموجب دستور عام 2012 الذي سنّه الأسد ذاته، والذي ينصّ على أن الرئاسة في سورية، هي فقط لدورتين، في حين أن هذه ستكون الدورة الرابعة للمرشح الرئاسي الأوفر حظاً (الرئيس الحالي)؟ إنه يضع الدستور نهاراً، وهو أول من يرقص عليه ليلاً!
كيف يمكن أن تجري انتخابات في بلد نصف الشعب فيه نازح في الداخل أو لاجئ في الخارج، ويكون لها أي نصيب من المصداقية والتمثيلية؟
كيف يتقدم شخص للرئاسة، وهو متّهم من قِبل منظمات دولية معتمدة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد المدنيين العزّل من أبناء شعب(ه)، وباستخدام أسلحة كيماوية في مناطق متفرقه من بلاده؟ عبث العبث ولامعقول اللامعقول!
كيف يقدم نظام العبث واللامعقول على إجراء انتخابات رئاسية في حين أن القرار الدولي 2254، والذي تم اعتماده بالإجماع من قبل مجلس الأمن الدولي، نصّ بوضوح على تراتبية زمنية، تبدأ بقيام هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية، هي التي تتولّى في نهاية المرحلة الانتقالية الإشراف على انتخابات رئاسية جديده استناداً إلى دستور جديد. أليس تصرّف النظام الأسدي تحدّياً واضحاً لما يسمّى بالمجتمع الدولي، وعبثاً لاعقلانياً بقراراته؟
كل هذه الأسئلة والتساؤلات تبرز بشكل نافر لاعقلانية النظام وجنونه، الشيزوفرينيا السياسية، أي الفصام والانفصام عن الواقع، وحالة الإنكار المستمرة التي يلتحف بها، ويتلفّع. وكل هذه الظواهر تتفرّع عن ظاهرة واحدة: السوريالية التي تعني هنا الخيالية واللاواقعية .
ويبقى في الخاتمة سؤال الأسئلة: ما هو الموقف المطلوب منا كوطنيين سوريين أحراراً إزاء كل هذا العبث، وكل تلك اللاعقلانية، أي كل ذلك الجنون الرسمي؟
ببساطة ووضوح، علينا أن نرفع في مواجهة الجنون هذا، العقل والعقلانية. إزاء كل هذه الفوضى القانونية، علينا التمسك بالقواعد القانونية المجمع عليها في القانون الدولي، وفي مقابل تواطؤ المجتمع الدولي الواضح مع النظام، التمسك بالثوابت والأهداف الكبرى التي رفعها الشعب في ثورته، والمتمثلة بالحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.
بعد مرور عقد كامل على انفجار واحدة من أعظم الثورات في التاريخ الحديث، والدروس الهامة التي أفرزتها، يبقى الدرس الرئيس الذي يتلخّص في الاعتماد على الذات، على القوى الوطنية المادية والمعنوية الاقتصادية والفكرية والعسكرية والسياسية، وهي قوى هائلة إذا تم توحيدها وأُحسن استخدامها، واستعادة القرار الوطني السوري المستقلّ. وأمّا الأهداف، فهي تتلخّص في هدف مركزي واحد: القضاء على الدكتاتورية الأسدية برموزها ومرتكزاتها الأساسية وقيام البديل: الدولة الوطنية الديموقراطية.
- كاتب وباحث سياسي
الانتخابات كمؤشّر لهيمنة سلطة الاستبداد
- د. نجوى سحلول
الانتخابات التشريعية والرئاسية في النظم الديمقراطية وسيلة لتداول السلطة بين القوى السياسية،
جعل حافظ الأسد منها بيعة واستفتاء شعبياً على هيمنة لشريحة واحدة تحصل على ٩٩ بالمئة من “الناخبين”. بل هي تكريس لشخصه دون منازع، وذلك في غياب منافسين/مرشحين آخرين!
هذه المسرحية موضوع تهكّم السوريين سراً منذ عقود.
في واقع الأمر لا يهم النظم المستبدة أن تقتنع شعوبها بأطروحاتها، بل على العكس تماماً. إعلان الشعوب، ولو تظاهراً، بتصديق الحاكم والإيحاء على أنها تصدّقه، هو بالضبط ما تريد الأنظمة الوصول إليه. فهو الدليل القاطع على أن الرعب قد استقر في القلوب، وأن سيطرتها كاملة. كما أنها وسيلتها المفضلة لإهانة وإذلال محكوميها.
لعبت هذه الأداة (انتخابات/استفتاء) دور ميزان حرارة لقياس وتأكيد هيمنة النظام طوال حكم الأب والابن، ولم تُغيّر وراثة بشار الأسد للسلطة عبر توافق دولي وإقليمي جوهرياً هذا الحدث ذا البعد الشمولي وذا الأهمية القصوى رمزياً للسلطة الحاكمة.
عندما سلَّطتِ الثورة السورية الأضواء على هذه البقعة من العالم، قدمت السلطة الحاكمة بعض ما اعتبرته تنازلات في انتخابات عام ٢٠١٤، كي توهم الرأي العالمي أنها قادرة أن تتبنى نموذجاً ديمقراطياً، مثلها مثل كل ديمقراطيات العالم. وبدأ مسار انتخابات بمنحى ما يمارَس عادة في الخارج، وقُدّم على سبيل المثال ٢٤ مرشحاً للجولة الأولى. ليصل ثلاثة إلى نهاية المطاف، و”يُنتخب” بشار الأسد بنسبة معقولة. ورغم كل الهرج والمرج الذي أحاطها، فقد شكلت نقلة نوعية، وإن شكلية، الأولى من نوعها في تاريخ هذا النظام.
أما اليوم فإن العملية الانتخابية، منذ بداياتها، تترك انطباعاً لدى المراقب أن فريق العمل أرادها انتخابات هزلية بكل معنى الكلمة! فقد فاقت كل المهازل السابقة.
فمن جهة، أُعلن عن الانتخابات في وقت متأخر، يوحي بأن الفريق الحاكم كان في حالة ترقب وانتظار لتوافقات دولية وإقليمية، رافقه اختفاء رأس الحكم وزوجته بحجة الحجر الصحي لمدة ثلاثة أسابيع، ثم فُتح باب الترشح لكل عابر سبيل! ليصل العدد الى خمسين مرشحاً ومرشحة واحدة، وان كانت المخابرات طبعاً تدير المشهد من الخلف كالعادة.
ثم، وكما في انتخابات ٢٠١٤، خرج من منديل الساحر/المخابرات ثلاثة مرشحين. ولا شك أن بشار الأسد “سيُنتخب” من جديد!
ومع ذلك يبقى الهدف نفسه: “ترويض” وإهانة وإذلال الشعب في الداخل واختبار عمق الرعب، اليوم أكثر من أي وقت مضى، لاسيما أن حجم الكارثة الاقتصادية والصحية التي يعيشها السوري أخرجته عن حذره المعتاد!
هو موجّه أيضاً للسوريين المهجّرين في الخارج؛ لاختبارهم والتعرف على من يستطيع أن يعيده إلى حظيرته، كذلك لتمزيق وتأليب بعضهم على بعض وخلق البلبلة. أحداث عرسال تجسيد واضح لما أقوله. إذ دعا بعض اللاجئين هناك إلى انتخاب الأسد، مما أثار غضب اللاجئين الآخرين والبيئة اللبنانية الحاضنة لهم.
- أكاديمية وناشطة سياسية