واشنطن – من هشام ملحم:
العواصم الأخرى – الوكالات:
"النهار"
أعلن الرئيس الاميركي باراك اوباما أمس، استراتيجية جديدة لافغانستان وباكستان تشمل تغييرات جذرية تختلف نوعيا عن سياسة سلفه الرئيس جورج بوش، وهي مبنية على مبدأ ان مستقبل افغانستان مرتبط بمستقبل باكستان. وتقضي بزيادة عديد القوات الاميركية والاختصاصيين المدنيين، وتخصيص مساعدات اقتصادية كبيرة للدولتين، ومكافحة الفساد والاتجار بالمخدرات، والسعي الى تحقيق وفاق وطني يشمل بعض عناصر "طالبان" واشراك الدول الاقليمية ومنها دول الخليج العربية وايران، الى الهند والصين ودول حلف شمال الاطلسي التي لها مصلحة مباشرة في مستقبل مستقر للدولتين، كما تشمل تحديد "المعايير" التي يتم من خلالها قياس التقدم ومحاسبة المسؤولين على ادائهم. وتبين حصيلة هذه الاستراتيجية، انه بعد أكثر من سبع سنوات من غزو افغانستان واطاحة نظام "طالبان"، واخفاق الادارة الاميركية السابقة وحلف شمال الاطلسي في هزيمة تنظيم "القاعدة" و"طالبان"، باتت حرب افغانستان الآن حرب أوباما.
وغابت عن خطاب اوباما، تعابير او كلمات عامة وطنانة كان يلجأ اليها سلفه بوش دوماً حين كان يتحدث عن افغانستان او "طالبان"، مثل "الحرب على الارهاب" وغيرها، وركز على عدو محدد هو تنظيم "القاعدة" والعناصر الاكثر تطرفا في "طالبان".
وستشمل الاستراتيجية نشر أربعة آلاف عسكري اميركي قريبا في افغانستان لتدريب الجيش وقوى الامن الافغانية والمساهمة في زيادة عديد قوات الجيش الافغاني الى 134 الف جندي، وزيادة عديد قوات الشرطة الى 82 الفاً بحلول سنة 2011.
وكان اوباما قد اعلن نشر 17 الف جندي اضافي في افغانستان الشهر الماضي. وهذا يعني ان عديد القوات الاميركية في افغانستان سيتضاعف مع نهاية السنة الجارية ليصل الى 60 ألفاً. ويصل عديد قوات حلف شمال الاطلسي الى 32 ألفاً.
وجاء اعلان الاستراتيجية بعد انتهاء مراجعة السياسة الاميركية حيال افغانستان التي بدأها اوباما فور وصوله الى البيت الابيض. واحاط بالرئيس وهو يتكلم وزيرا الدفاع والخارجية روبرت غيتس وهيلاري كلينتون، ومستشار الامن القومي الجنرال جيمس جونز، ورئيس هيئة الاركان المشتركة الاميرال مايكل مالن، والمبعوث الخاص لباكستان وافغانستان السفير ريتشارد هولبروك، والسفير الاميركي المعين في كابول الجنرال المتقاعد كارل أيكنبيري، والخبير في شؤون باكستان وافغانستان والمسؤول السابق في مجلس الامن القومي بروس رايدل، مؤلف الكثير من الدراسات عن تنظيم "القاعدة" والذي التحق بالحكومة موقتاً للمشاركة في المراجعة قبل عودته الى مركزه باحثاً في مركز "صبان" للشرق الاوسط التابع لمؤسسة "بروكينغز"، والذي قال اوباما انه "عمل بشكل مكثف على المراجعة". وكان بين الحضور قائد القيادة المركزية الجنرال ديفيد بيترايوس.
ورسم اوباما، في خطاب القاه في البيت الابيض في حضور المسؤولين والعسكريين الكبار في حكومته والديبلوماسيين الاجانب، صورة قاتمة للوضع الامني في افغانستان وباكستان قائلاً: "الوضع يزداد خطورة، لقد مرت سبع سنوات على اطاحة نظام طالبان، ومع ذلك فالحرب مستمرة، ويسيطر المتمردون على اجزاء من افغانستان وباكستان. والهجمات تزداد باطراد على جنودنا وحلفائنا في حلف شمال الاطلسي والحكومة الافغانية. وأكثر ما هو مؤلم هو ان سنة 2008 كانت اكثر سنة مميتة للاميركيين في الحرب".
وبعدما اشار الى ان العديد من الاميركيين وغيرهم في العالم يتساءلون عن الهدف في افغانستان، أوضح ان تنظيم "القاعدة" وحلفاءه ينشطون في افغانستان وباكستان"ويخططون لهجمات على الوطن الاميركي من ملاجئهم الامنة في باكستان". واضاف: "لدينا هدف واضح ومحدد: ان نعرقل القاعدة ونفككها وان نهزمها في باكستان وافغانستان، ومنعها من العودة الى كلا البلدين في المستقبل. هذا هو الهدف الذي يجب ان نحققه. وهذه هي القضية التي لا يعلى على عدالتها. وللارهابيين الذين يعارضوننا، رسالتي هي ذاتها: سوف نهزمكم".
وشدد على "انه لا يمكن فصل مستقبل افغانستان عن مستقبل جارتها باكستان". وذكر انه خلال سني الحرب التي تلت هجمات "ايلول 2001" انتقلت القاعدة وحلفاؤها المتطرفون عبر الحدود الى المناطق النائية على الحدود الباكستانية، وهذا يشمل بالتأكيد تقريبا قيادة القاعدة: اسامة بن لادن وأيمن الظواهري" حيث يخططون للهجمات في افغانستان. و"بالنسبة الى الاميركيين هذه المنطقة الحدودية باتت المكان الاخطر في العالم".
ورأى ان هزيمة "القاعدة" والعناصر المتطرفة جدا في "طالبان" تتطلب استراتيجية أقوى وأذكى وأشمل، وان "القاعدة" وحلفاءها داخل الحدود الباكستانية لا يمثلون خطرا على اميركا وافغانستان بل ايضا "خطرا مميتا على الشعب الباكستاني"، مشيرا في هذا السياق الى عنف "القاعدة" الذي استهدف المدنيين والعسكريين في باكستان. وقال: "يجب ألا يكون هناك أي شك في أن القاعدة وحلفاءها المتطرفين يشكلون سرطانا يهدد بقتل باكستان من الداخل".
وطلب من الكونغرس تقديم مساعدات اقتصادية سنوية لباكستان بقيمة مليار ونصف مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة. وبعد نشر القوات الاضافية في افغانستان، سترتفع قيمة الانفاق العسكري الاميركي في افغانستان بنسبة 60 في المئة عنها الآن، حيث تصل نفقات الحرب الى ملياري دولار في الشهر. ووصف اوباما هذه المساعدات المالية بانها "دفعة أولى" في استثمار في المستقبل الامني للبلدين، "ويجب على حكومة باكستان ان تكون شريكا قويا في تدمير هذه الملاجئ الامنة، ويجب علينا ان نعزل القاعدة عن الشعب الباكستاني".
وفي اعتراف منه بالاحباط الذي يشعر به العديد من المشرعين الاميركيين لان المساعدات الاقتصادية الاميركية لباكستان منذ هجمات ايلول 2001 والتي زادت عن عشرة مليارات دولار لم تؤد الى النتائج المرجوة وضاع قسم منها بسبب الفساد، وبسبب الشكوك في تعاون عناصر من الاستخبارات مع "طالبان"، قال الرئيس الاميركي ان هذه الحقبة قد انتهت عمليا، "وبعد سنوات من النتائج غير الواضحة، لن نوفر شيكات على بياض. وعلى باكستان ان تؤكد التزامها استئصال القاعدة والعناصر المتطرفة داخل حدودها، وسنصر على اتخاذ الاجراءات، بطريقة او بأخرى عندما تتوافر لنا المعلومات الاستخبارية عن الاهداف الارهابية المهمة"، في اشارة ضمنية الى ان واشنطن ستواصل تعقب هذه العناصر وقتلها، وهو ما تفعله الان بواسطة الطائرات الموجهة الكترونيا.
ودعا الى احياء الجهود الديبلوماسية لتخفيف التوتر بين باكستان والهند وابعاد البلدين النوويين عن حافة التصعيد والمواجهة، وقال ان العلاقة بين أميركا وباكستان يجب ان تكون مبنية على دعم المؤسسات الديموقراطية الباكستانية والشعب الباكستاني.
كذلك دعا الى حوار ثلاثي اميركي – أفغاني – باكستاني، والى زيادة عدد الاختصاصيين والخبراء المدنيين، للمساهمة في تنمية أفغانستان ومواجهة الفساد والاتجار بالمخدرات. وتعهد وقف الممارسات القديمة ومنها الانفاق غير المشروط في افغانستان، وتوقيع العقود من دون مزايدات، والتصدي للهدر في عملية الاعمار، مؤكدا انه "لا يمكننا ان نحيد بنظرنا عن الفساد الذي يدفع الافغان الى فقدان ثقتهم بقادتهم". وتعهد التوصل الى تفاهم جديد مع الحكومة الافغانية لمكافحة السلوكيات الفاسدة "ووضع معايير واضحة للمساعدات الدولية كي تستخدم على نحو يلبي حاجات الشعب الافغاني".
الكونغرس
على صعيد آخر، قال عدد من أعضاء الكونغرس في رسالة وجهوها الى أوباما إن أي اتصال مع ايران "لا يمكن ان يكون مفتوحا" في المدى الزمني، نظرا الى المخاوف المتعلقة بالبرنامج النووي الايراني.
ومما جاء في رسالتهم: "نحض على بدء المحادثات في اسرع وقت ممكن، كي يكون لدينا مؤشر بالسرعة الممكنة لما اذا كانت هذه المحادثات ستنجح في وقف برنامج ايران النووي".
وأن أية محادثات يجب ان تهدف الى دفع ايران الى تعليق عمليات تخصيب الاورانيوم – التي يمكن ان تكون مقدمة لبناء سلاح نووي – على نحو يمكن التحقق منه "خلال أشهر قليلة على الاكثر من بدء المحادثات".
واضافوا ان "المحادثات يجب ان تكون جدية وذات صدقية، ولكن لا يمكن أن تكون مفتوحة" زمنيا.
واعتبروا ان "العمل الاميركي في هذا المجال لا يمكن تأجيله. ان الانتظار الى ما بعد الانتخابات الرئاسية الايرانية في حزيران سيعطي طهران ستة أشهر اضافية من التخصيب والتخزين من دون أية عوائق".
كابول
•في كابول، رحبت الحكومة الافغانية بنتائج مراجعة الاستراتيجية الاميركية في افغانستان وخصوصاً الاعتراف بأن الحرب على متمردي "طالبان" مشكلة اقليمية.
وصرح الناطق الرئاسي همايون حميد زادة: "نرحب خصوصاً بالاعتراف بالسمة الاقليمية للمشكلة في افغانستان، وعلى نحو خاص الاعتراف بأن تهديد القاعدة ينطلق اساساً من باكستان… نرحب كذلك بزيادة التركيز على دعم قوات الأمن الوطني الأفغانية إلى نحو الضعف في الحجم وكذلك مسألة التركيز على التنمية لكل من أفغانستان وباكستان".
إسلام اباد
•في اسلام أباد، أوردت الوكالة الحكومية الباكستانية بيانا جاء فيه ان "الرئيس آصف علي زرداري حيا مبادرة رئيس الولايات المتحدة التي تعزز الديموقراطية ودعوته الكونغرس الى إقرار مساعدة بقيمة مليار ونصف مليار دولار كل سنة لباكستان" على خمس سنوات. وقال ان "باكستان كانت دوماً تقدّر عالياً العلاقات مع الولايات المتحدة"، وان اعلان باراك اوباما انما يأتي "ليعزز هذه العلاقات" .
أوروبا
•في هلوبوكا (الجمهورية التشيكية) رحبت دول الاتحاد الاوروبي بخطة اوباما. وقال وزير الخارجية الالماني فرانك -فالتر شتاينماير قبل محادثات للاتحاد الاوروبي ان الاستراتيجية الأميركية الجديدة "تقترب الى حد كبير من وجهة النظر الاوروبية في شأن وجودنا (في افغانستان)".
وفي اشارة الى المهمة الاوروبية الحالية التي شملت نشر بضع مئات فقط لتدريب قوات الامن الافغانية قال: "الدعم قد يكون أشمل حقا".
وقال وزير الخارجية الايطالي فرانكو فراتيني ان روما قد ترسل ما يصل الى 250 جنديا اضافيا للمساعدة في تعزيز الامن قبل الانتخابات وسترسل قوات شرطة اضافية لتدريب الشرطة الافغانية. لكنه اثار القلق من شأن خطة فرنسية لدعم مهمة التدريب الحالية للاتحاد الاوروبي بقوات اضافية من قوة امن اوروبية مشتركة، قائلا: "اذا تحدثنا بصراحة، فهي (مهمة) معقدة… علينا ايضا التأكد من عدم ازدواجية المبادرات"، في اشارة الى ان حلف شمال الاطلسي يقوم بعمليات تدريب ايضا.
وأقر وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير بأنه لن يكون هناك اي قرار مبكر في شأن الاقتراح. وقال : "انها مناقشة طويلة تماما وفنية جدا وليس من السهل التوصل الى قرار".