في رواية فرانكنشتاين لماري شيلي، يتمّ صناعة مسخ على يدي العالم فرانكنشتاين لإرضاء فضول المعرفة، ومحاولة إيجاد سرّ الحياة، فيُخلَق مسخ قبيح على يديه دون رغبة منه. أمّا في رواية التاريخ في القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين، فلا تقوم أمريكا بصناعة مسوخ، بل بالدفع بالكثير من التنظيمات والحركات بالتحول إلى مسوخ.
عملية التحوّل إلى مسوخ تساعد أمريكا في التحكّم من جهة بالمسخ الذي صنعته، وبتخويف الآخر منه. طبعاً هذا لا يعني أن أمريكا حوّلت تلك التنظيمات من العدم إلى الحالة المسوخية، بل استندت إلى نقاط ضعف بتلك التنظيمات والحركات، وكثّفتها واختصرتها بها، كمثل أي كائن بشري حين ننزع عنه صفة الخير، ونبقي صفة الشر، هي المعرّف له.
فإذا قرأنا تاريخ حركة طالبان نجدها أنها –بداية- كانت شكلاً بسيطاً لمقاومة محتلّ، لكن بتبني الأمريكان لها، وإضعاف باقي القوى في أفغانستان، وعزلها عن محيطها، حوّلت تلك الحركة إلى مسخ مرعب لأفغانستان ومحيطها. فنلاحظ الأمريكان من جهة الإعلام يشيطنون، و يحذرون، ويخوّفون من طالبان، لكن على أرض الواقع تتعامل معهم كمحاور وممثل لسلطة سياسية شرعية، وما جرى من اكتساح لأراضي أفغانستان، لم يكن لقوة إمكانيات طالبان، بل نتيجة اتفاق على الانسحاب الأميركي والتسليم لصاحب السلطة”الشرعي” طالبان.
بعملية الصناعة والتحويل لمسوخ تكمن سياسة أمريكا. المسوخ شكل من أشكال الاستيلاء على السلطة، يلغي الدولة(كممثل للمواطنين المتواجدين بها)، ويبقي الدولة التي يحتلها المسخ قابلة لكل أنواع التدخلات الخارجية، كمثل الإبقاء على المسخ بشار أسد على سدة الحكم في سورية، من قبل القوى الإقليمية في المنطقة والدولية في العالم، فعالم تحكمه المسوخ يمكن التحكّم به أكثر. لكن إشكالية المسوخ، وإن كانت وجدت بجغرافيا معينة، إلا أنها تحاول إكمال عملية الصنع التي بدأها الصانع، فتصنع وحوشاً تشبهها، أو تبحث عمّن يشبهها.
ففي رواية المسخ تكمل ماري شيلي بأن المسخ، بعد أن أدرك واقعه، وبأنه منبوذ، صار يهدّد صانعه(فرانكنشتاين) بأنه إن لم يصنع له مسخاً أنثوياً يشبهه، فسيحول حياته، وحياة المحيطين به إلى جحيم. يرفض فرانكنشتاين لعدم معرفته ماذا سيكون شكل هذا المسخ الأنثوي، وهل سيستطيع المسخ الأول التحكم به أم أنه سيخرج عن السيطرة، كما قد حصل مع المسخ الأول. تجاوب أمريكا على تساؤلية فرانكنشتاين، وتكمل رواية ماري شيلي، وتصنع مسوخاً متشابهة تتناحر فيما بينها، فكل مسخ يحاول أن يثبت أنه الأكثر إجراماً و دموية من الآخر، فبغياب مسخ تواجهه المسوخ، سيتوجّه المسخ إمّا لصانعه أو لتجاوز الحيّز الذي حدّده الصانع. فبمجرّد انسحاب الأمريكان من كابول، تدخّلت داعش في مواجهة طالبان، و بقي مروّض الوحوش و صانعها متفرجاً على ما يكتبه المحللون و السياسيون والعامة عمّن أقل سوءاً ما بين المتوحشين، ليتمّ اعتماده كممثل شرعي قسريّ للسلطة، فهو الأقل سوءاً على أفغانستان.
ويعرف السوريون حق المعرفة هذه المفاضلة في الإبقاء على نظام أسد بعد أن وضع العالم و السوريين أمام خياريين، إمّا نظام أسد أو الإرهاب، لاغيين كل ثورة الشعب السوري في رفضها لنظام أسد ولكل التنظيمات الإرهابية.
* كاتب سوري