ستّ سنوات منذ 2015 قضاها المحتلّ الروسي، ليمكّن نظام الإبادة الأسدي من التقاط أنفاسه، عمل خلالها-ومازال- قتلاً وتهجيراً للبشر، وتدميراً للحياة والحجر، وابتزازاً للقرارات الدولية بدءاً بجنيف1 وانتهاء بقرار مجلس الأمن 2254، ومقايضةً للجميع في كل تناقضاته واختلافاته أو صراعاته، واستثماراً لكلّ ما يمكن أن يعطيه مكاسب، ولو بعد قرن، فصار مالكاً سورية اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً عبر اتفاقيات ومعاهدات موثّقة بعد اكتشافه انهيار مَن جاء يدعم بقاءه والحفاظ على “دولته”، بوضع يده على مفاصلها واستباحة أرضها وبحرها وسمائها ثمناً لهزيمة الثائرين لأجل الحرية والكرامة، ووضع الجميع ضمن لائحة الإرهاب!
إن كانت إيران قد تسلّلت، إبان الثورة، بميليشياتها الطائفية تحت نظر أمريكا وإسرائيل، فإن روسيا تدخّلت بدفع إيران ومباركة السعودية والإمارات، وموافقة إسرائيل، وتحرّك تركيا الموارب الخجول، وتوافق مع أمريكا! ولكل مصالحه وأهدافه وإستراتيجياته وأولويّاته، ولا سيما أن الجميع يقرّ أن “من يغيّر سورية يغيّر وجه المنطقة”، بعد أن كان سقوط النظام محتوماً.
ستّ سنوات منحت روسيا فرصة تجريب 320 نوع سلاح، كما يفاخر شويغو – الطائرات والصواريخ بأنواعها والحوّامات والذخائر بأنواعها والمسيّرات والمدرّعات والروبوتات المقاتلة، وربما أسلحة سرّية أيضاً- وطوّرت الكثير منها ميدانياً باستخدامها للّحم السوري الحيّ أهدافاً، فكان تجريب السلاح وتطويره، وهو المروَّج له كمحقّق لانتصارات عسكرية على الأرض، أحد أهمّ الأهداف، ليكون بعد ذلك الاستثمار السياسي الذي سلّمت لها به أمريكا، بعض الأحيان، وحال تعقيد الوضع السوري وتشتّت واجهاته والفاعلين فيه أو وكلائهم دون تحقيق الهدف وفق قراءتها لحلّ القضية السورية.
ستّ سنوات آلت فيها سورية إلى مناطق نفوذ للدول المتصارعة إقليمياً، وملعباً لتصفية الحسابات الدولية، بل جعلتها روسيا “كبّة” الصوف التي لا يمكن لأحد العثور على أوّلها دون مشاركتها، بعدما دأبت على استثمار الدمار والدماء والتشريد في نصر سياسي، مرة باختلاق مسار موازٍ لجنيف في أستانا، ومرة في سوتشي، ومراراً بمحاولات فرض قراءة مختلفة تفرغ القرارات الدولية من مضمونها الأساسي، وتاج مخرجاتها الانتقال السياسي، وكانت حصناً منيعاً يذود عن النظام في المحافل الدولية، والساعي لفكّ العزلة، والجادّ في تحقيق الالتفاف على عزل النظام ومقاطعته، وإيجاد الفرصة لخرق “قانون قيصر” الذي فرض عقوبات على النظام والمتعاملين معه، وقد مُنحت بعض أهدافها مرحلياً، بمقايضة أمريكا على تمديد قرار السماح بعبور المساعدات الإنسانية عبر باب الهوى التركي، مقابل فتح معابر مع النظام وتنشيط آلية التعافي المبكر، وربما تفاهمت مع الأمريكان على ربط نظام الإبادة بأنظمة عربية، انقطعت عنه ظاهرياً، وإغماض عينهم عن خطوات تنفّس اقتصاده المنهار بمشاريع نقل الغاز و الكهرباء للبنان عبر سورية، وأخيراً ابتزاز تركيا وصولاً إلى M4شريان حياة اقتصاد النظام عبر مقايضة قد لا تكون الجزيرة بعيدة عنها.
في آخر إحضارٍ لرأس النظام إلى موسكو موجوداً، وبعد أن أملى عليه الذي يجب عليه، هنّأه بوتين بعيد ميلاده، وبارك له إعادة انتخابه، وكأنما يطمئنه على الاستمرار حتى تحقيق طموحهما..
ستّ سنوات تحمل كل المعاناة بأشكالها وقهرها، سحقت السوري في الداخل والشتات، دافع كبير لتنادي السوريين للعمل على توحيد جهودهم وأفكارهم وتوجّهاتهم فيما يحقّق أهداف ثورتهم النبيلة، لأن قوى الاحتلال، لن تحقّق ما تطمح إليه، ولن تستطيع الغرق أكثر في المستنقع السوري، ولا مَن يبحث عن مصالحه من قوى الأمر الواقع سيستمرّ صمته، ولا صناعتها لتشتّت السوريين سيدوم، ولا العالم سيمعن في استرخائه ولامبالاته، بانتظار تحقيق طموح جني ثمار سقاها المحتلّون والقتلة بالدم والدمع والألم.
- رئيس التحرير