الرئيس التركي رجب طيب أرودغان يجر على بلاده عداوة جديدة، وهذه المرة مع الهند، وهي عداوة قد تتعمق مع تطورات أفغانستان بسبب انحيازه إلى باكستان التي تمسك بورقة طالبان ويمكن أن تحولها إلى عنصر ضغط واستهداف لنيودلهي. يضاف إلى ذلك توتر آخر سببه تصريحاته عن أوضاع المسلمين في الهند وإثارته المستمرة لقضية كشمير.
واشنطن – تشهد العلاقات الثنائية بين تركيا والهند تدهورا سريعا في الوقت الحالي، وكل ما كان يربط بين الدولتين تاريخيا وحضاريا ينهار بسرعة بالغة إلى درجة أن الدولتين تتبادلان علانية الآن الضربات الدبلوماسية على المسرح العالمي على مرأى ومسمع الجميع.
ويقول محللون سياسيون إن التوتر بين البلدين قد يزداد حدة مع التطورات التي تجري في أفغانستان وصعود حركة طالبان إلى الحكم. وتنظر الهند إلى طالبان، الحركة الإسلامية المتشددة، على أنها ورقة بيد باكستان العدو اللدود لنيودلهي.
ويقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بكل وضوح في صف باكستان، ورئيس وزرائها عمران خان الذي لا يتوقف عن إطلاق التصريحات العدائية ضد الهند.
وبالنتيجة فإن الهند تعتبر أن أردوغان شريك لباكستان وطالبان، وأن هذا الثالوث سيكون عدوها المستقبلي طالما استمر تحالفهم في أفغانستان، خاصة أن تركيا ستعمل من خلال تحالف كهذا على إيجاد موطئ قدم قوي سيمكنها من تنفيذ أجندتها الدبلوماسية المعادية للهند.
وكان من أهم أسباب تدهور العلاقات بينهما تدخل الرئيس التركي في الشؤون الداخلية الهندية من خلال تصريحات سلبية عن تعامل نيودلهي مع الأقلية المسلمة وسيطرتها على منطقة كشمير المتنازع عليها.
وقال أردوغان في وقت سابق إن “الهند أصبحت الآن دولة تنتشر فيها المذابح التي تستهدف المسلمين على يد الهندوس”.
كما أثار الرئيس التركي قضية إقليم كشمير الخاضع لإدارة الهند في الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال ثلاثة أعوام على التوالي، رغم أنه يعلم تماما أنه ليست هناك رغبة لدى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي والعالم بأسره في التدخل في أمر يرون أنه يقع تماما في نطاق الشؤون الداخلية للهند.
الهند أوقفت صادراتها العسكرية إلى تركيا، ومن بينها الأسلحة ذات الاستخدام المزدوج. كما خفضت وارداتها منها
وسبق أن نشرت تقارير استخباراتية اتهامات لتركيا بدعم تنظيمات إسلامية متطرفة بالهند إثر التقارب بين أردوغان وعمران خان.
وذكرت صحيفة هندوستان تايمز أن المنظمات الإسلامية المتطرفة في أجزاء من البلاد، بما في ذلك كيرالا وكشمير، تتلقى الدعم والتمويل من الجماعات التركية المدعومة من حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة.
وقال مسؤول حكومي رفيع المستوى “هناك محاولة منسقة من تركيا لتحويل المسلمين الهنود إلى متطرفين وتجنيد الأصوليين”، مشددا على أن تقييما حديثا في نيودلهي أشار إلى ظهور تركيا باعتبارها “مركزا للأنشطة المعادية للهند” بالإضافة إلى باكستان.
ويقول الدكتور أماليندو ميسرا أستاذ السياسة الدولية بجامعة لانكستر بالمملكة المتحدة في تقرير نشرته مجلة “ناشونال انتريست” الأميركية، إن وضع المسلمين ووضع كشمير يعتبران دائما من “القضايا الحساسة” في السياسة الهندية، وأي شخص يتحدث عن هذه القضايا أو يثير المخاوف بشأنها، سواء داخل الهند أو خارجها، يُنظر إليه بشك عميق ويُعامل بدرجة معينة من العداء.
وهناك شك في الهند بأن تركيا تتبنى مثل هذا الموقف بتحريض من باكستان. وزاد الطين بِلة محاولات أردوغان تطوير علاقات عسكرية عميقة مع باكستان على حساب الهند. وبسبب كل تلك العوامل، تتخذ الهند موقفا متشددا تجاه تركيا.
وتأتي تحركات أنقرة بغاية توسيع نفوذها بين مسلمي جنوب آسيا على خلفية الاندفاع المستمر للرئيس أردوغان في زيادة نفوذ بلاده جنوب آسيا وآسيا الوسطى مستثمرا البعد العرقي والمذهبي بين المسلمين من أصول تركية. كما أن ذلك يتنزل ضمن خطة لمنافسة النفوذ الديني للسعودية في العالم الإسلامي وتقديم تركيا المحافظة التي أعيد تشكيلها بالتقاليد العثمانية كنموذج للدول الإسلامية الأخرى.
ويقول ميسرا إنه من السابق لأوانه الآن معرفة من الذي سيخسر أكثر نتيجة هذا الخلاف بين الدولتين. ومع ذلك فإن الدلائل الأولية تشير إلى أن اتجاهات السياسة الخارجية لأردوغان بالنسبة إلى الهند قد تصبح باهظة التكاليف بالنسبة إلى تركيا.
وأضاف ميسرا أن دعوات أردوغان المتكررة بأن تتم تسوية “نزاع كشمير” في الأمم المتحدة رغم الموقف الدولي المعلن بأن الأمر قضية ثنائية ويتعين حسمها بين الهند وباكستان، أدت إلى موجة من ردود الفعل المتبادلة بين الهند وتركيا.
وعندما حاول أردوغان مؤخرا إثارة قضية كشمير مرة أخرى في الجمعية العامة للأمم المتحدة، صعّدت الهند من حرب الكلمات الدبلوماسية. فقد ذكّرت تركيا بأنها، على خلاف أنقرة التي تسيطر على جزء من دولة ذات سيادة هي قبرص في عام 1974، لم تتخذ الهند أي إجراءات مماثلة في ما يتعلق بكشمير.
وعلى أية حال، فقد دافعت الهند مرارا وتكرارا عن سيادتها على إقليم كشمير الذي تديره ضد أي تدخل من جانب باكستان.
ومن أجل تذكير أردوغان بأن تركيا في وضع صعب في ما يتعلق بوحدة أراضيها والموقف الدولي، سارع وزير خارجية الهند الذي كان حاضرا في الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى عقد اجتماع مع نظيره القبرصي لبحث طرح قرار في مجلس الأمن حول منطقة شمال قبرص المتنازع عليها وإعادة توحيد الجزيرة.
ولم يقتصر رد فعل الهند تجاه مواقف تركيا ضدها على الهجوم الشفهي، فقد ألغت في عام 2019 زيارة كان من المقرر أن يقوم بها رئيس الحكومة الهندية إلى تركيا، وذلك بعد قرار الهند وقف صادراتها العسكرية إليها، ومن بينها الأسلحة ذات الاستخدام المزدوج. كما خفضت الهند بدرجة كبيرة وارداتها من تركيا.
ويقول ميسرا إن العلاقات السيئة بين الدولتين تسببت في حرب ثقافية باردة بينهما. فقد كانت تركيا وجهة مهمة للمخرجين والممثلين الهنود لتصوير أفلامهم هناك نظرا لما تتمتع به من مواقع خلابة، ولكن في السنوات الأخيرة أصبح هذا التبادل الثقافي يعاني من ضغط شديد. كما قاطع الأثرياء الهنود التردد على تركيا للسياحة.
وتشير الدلائل على الأرض إلى أنه على الرغم من الخلافات الشديدة بين الهند وتركيا على مختلف المستويات، ليس من المرجح أن تظل الدولتان في كنف أي نوع من حالة الحرب الباردة منخفضة الحدة، إذ أن هناك روابط حضارية عميقة بين الدولتين، مع ضرورة تذكر أن أنقرة ونيودلهي خاضعتان لحكومتين يمينيتين إحداهما إسلامية والأخرى هندوسية. وكثير من الانتقادات المتبادلة بين الحكومتين ترجع إلى خطاب كل منهما على أساس من قوميتهما الدينية.
واختتم ميسرا تقريره بالقول إن المستوى الوسط من المؤسسة الحاكمة والجمهور العام في الدولتين يدركان تماما حقيقة أن ما تشهده علاقاتهما الثنائية من تدهور هو إلى حد كبير نتيجة مغامرات السياسة الخارجية المثيرة للشكوك من جانب أردوغان.
والحقيقة أن الأمل في كل من أنقرة ونيودلهي هو أن تستطيعا العودة إلى علاقاتهما الودية العادية. ويتساءل ميسرا “فهل ينصت أردوغان لذلك؟”.
“صحيفة العرب”