بلغ التجاذب الصيني-الأميركي مستويات قياسية هذا الأسبوع مع كشف واشنطن عن إرسال قوات خاصة إلى تايوان، وزيادة بكين طلعاتها العسكرية فوق الجزيرة، وتحول وكالة الاستخبارات الأميركية (سي.أي.آيه) نحو التهديد الصيني بإطلاق مركز مخصص وإغلاق مراكز ثانوية، كانت تلاحق إيران وكوريا الشمالية.
التوتر صاحبه أيضا حادثة ضرب غواصة أميركية تعمل بالطاقة النووية جسمًا تحت الماء في بحر الصين الجنوبي يوم السبت الماضي، وإصابة 15 من البحارة بجروح طفيفة. كل ذلك على وقع لقاء مستشار الأمن القومي، جاك سوليفان، بالمسؤول الصيني الرفيع المستوى، يانغ جيه تشي، في سويسرا. وفشل اللقاء في إحداث اختراق ملموس أو التحضير للقاء شخصي بين الرئيس الأميركي، جو بايدن، ونظيره الصيني تشي جينبينغ. عوضا عن ذلك، تم الاتفاق على “لقاء افتراضي” بين الرئيسين.
التجاذب الصيني-الأميركي كان شبه حتمي، لكنه لم يكن متوقعا بهذا الحد في العام الأول من رئاسة بايدن. فالانسحاب من أفغانستان، والاندفاعة في القارة الأفريقية، وتحسين العلاقات الدفاعية مع أستراليا والهند واليابان، كلها خطوات من بايدن تصب باتجاه احتواء العملاق الصيني.
وفي الشرق الأوسط، دخل ملف احتواء الصين في صلب إعادة ترتيب العلاقات الإقليمية والجيوسياسية لواشنطن. وفي ذلك مخاطر وفرص لدول المنطقة.
اليوم، النفوذ الصيني يحرك عددا من الملفات الإقليمية في واشنطن. فالتروي في التعاطي مع تونس وزيادة الرئيس قيس سعيد صلاحياته من باب المخاوف من جنوح الطرف التونسي باتجاه بكين.
التفكير نفسه يحيط العلاقة مع مصر. فرغم انتهاكات حقوق الإنسان تتجه واشنطن نحو تعزيز العلاقة مع عبد الفتاح السيسي، ومنح القاهرة امتياز استضافة قمة التغيير المناخي العالمية العام المقبل. هذا القرار اتخذه المبعوث المناخي جون كيري انما له أبعاد سياسية واستراتيجية، وخصوصا بأخذ بعين الاعتبار العلاقة القريبة بين بايدن وكيري.
في الخليج، يتصدر الملف الصيني المحادثات بين أميركا وشركائها، خصوصا في السعودية، وهناك مخاوف كبيرة من انعطاف المملكة باتجاه بكين. هذا الأمر أكده وأعاده سوليفان في لقائه بولي العهد الأمير محمد بن سلمان الأسبوع الفائت.
الرياض لا يمكنها استبدال الغطاء الأمني الأميركي بالصيني، إنما التشنج مع ادارة بايدن يقلق المؤسسة الدفاعية الأميركية لناحية تصدع العلاقة والانعكاسات على المبيعات العسكرية ومستقبل أي برنامج نووي سعودي.
دول الخليج تحاول اليوم عدم اختيار طرف في المنافسة الصينية-الأميركية والتموضع في الوسط، إنما هذا الخيار قد يصبح صعبا في حال احتدام المنافسة وتضارب العقود الدفاعية والسياسات في نزاعات قائمة في إثيوبيا وميانمار والسودان.
في نفس الوقت هذه المنافسة تعطي فرصة للأنظمة لتقوية علاقتها مع بايدن مقابل التنازل في الملف الصيني وغض نظر الأميركيين عن أمور شائكة أكثر مثل حقوق الإنسان أو الانفتاح على نظام الأسد. فاليوم، إدارة بايدن لا تقطع طريق العرب باتجاه دمشق، رغم أنها نفسها غير متحمسة للمصالحة.
مواجهة الصين هي الأولوية القصوى لإدارة بايدن وترسم سياساته من كابل إلى تونس. أنظمة المنطقة يمكنها الإفادة لإعادة ترتيب أمورها مع واشنطن وضبط العلاقات الإقليمية، إنما من دون المجازفة والارتماء بأحضان بكين، وإشعال مواجهة مع واشنطن.
“الحرة”