أنباء غير سارة كانت بانتظار الرئيس الأميركي جو بايدن، حال عودته من رحلته الأوروبية في محطتها الأولى العاصمة الإيطالية روما لحضور اجتماع مجموعة العشرين G20، ثم المحطة الثانية في غلاسكو الأسكتلندية لحضور قمة المناخ العالمية.
كان على الرئيس بايدن ومكتبه الإعلامي في البيت الأبيض، ومباشرة في اليوم التالي لعودته إلى المكتب البيضاوي، أن يواجه أسئلة الإعلاميين خلال ظهوره المقتضب في المؤتمر الصحافي الذي حضرته صحيفة “العرب”، والذي عقده الرئيس للإعلان عن بروتوكول جديد للقاح كوفيد – 19، والسماح بإعطائه للأطفال في عمر الدراسة الابتدائية.
أما أسئلة الصحافة فقد جاءت بعيدة جدا عن عنوان المؤتمر الصحافي، ولم يقبل الرئيس إلا عددا محدودا منها لا يتجاوز الثلاثة أسئلة، وتوجهت مباشرة إلى رغبة الصحافة بسماع رأي الرئيس بالخسارة الصادمة التي مني بها حزبه الديمقراطي الحاكم في الانتخابات الأخيرة التي جرت خلال سفره بتاريخ الثالث من نوفمبر الحالي، والتعرّف إلى موقفه من فوز الجمهوريين بمنصب حاكم ولاية فيرجينيا التي تعتبر من أهم الولايات الأميركية في الساحل الشرقي من البلاد، وأغناها وأكثرها تأثيرا على الانتخابات الفيدرالية والرئاسية باستمرار، وهي الولاية التي تدعى “أم الرؤساء” لأنها أنجبت 8 رؤساء أميركيين حكموا البلاد خلال فترات متقطعة منذ الاستقلال وتأسيس الأمة الأميركية.
ولاية فيرجينيا بقيت زرقاء منذ العام 2004 (أي بيد الديمقراطيين). لكن هذا العام جاء المرشح الجمهوري غلين يانكين، ليغيّر المعادلة ويقلب لون الولاية إلى الأحمر الجمهوري معلنا فوزه على منافسه الديمقراطي والحاكم الحالي تيري ماكوليف.
سُئل الرئيس خلال المؤتمر عن حجم المسؤولية التي يتحملها، بصفته زعيما للحزب الديمقراطي، لجهة النتائج المربكة للانتخابات في ولاية فيرجينيا، فما كان من بايدن إلا أن عزا خسارة مرشح حزبه الديمقراطي إلى فشل الكونغرس بجناحيه الديمقراطي والجمهوري في تمرير مشروعه لإعادة بناء البنى التحتية، وكذا أرجع انتقال فيرجينيا إلى حاكم جمهوري إلى دور الرئيس السابق دونالد ترامب الذي دعم حملة المرشح الجمهوري يانكين.
إلا أن الحقيقة التي تتناقض مع تبرير الرئيس لخسارة حزبه الانتخابات الأخيرة، تلك الخسارة التي سيكون لها تأثير كبير على الانتخابات النصفية القادمة في العام 2022 وكذا سيكون بإمكانها أن تحدد مصير منصب الرئاسة في العام 2024، تكمن في أن المرشح يانكين الذي غدا حاكما الآن لولاية فيرجينيا، كان قد نأى بنفسه عن ترامب تماما، حتى أنه لم يحضر التجمع الذي أقامه ترامب في مدينة أرلنغتون في الولاية لتأييد حملته.
وفي الوقت عينه، وخلال الحملة الانتخابية الشرسة بين الحزبين، كان الديمقراطيون يستشعرون بإمكانية الخسارة ما دعا إلى تدخّل عاجل للرئيس بايدن بنفسه لدعم المرشح ماكوليف، كما انضم إلى الحملة الداعمة الرئيس الأسبق باراك أوباما، ونائب الرئيس الحالي كاميلا هاريس، وغيرهم العديد من كبار زعامات الحزب الديمقراطي لتمكين موقف مرشحهم في فيرجينيا، والذي خسر في النهاية رغم هذا الحشد السياسي الضخم والنوعي الذي سانده خلال حملته الانتخابية.
أما الخطاب الجمهوري خلال الانتخابات، والذي كان سببا رئيسا في نجاح مرشح الحزب، فقد اعتمد على ترشيد المناهج التعليمية وقد بدأت تروج للأفكار العنصرية باستعادتها لتاريخ التمييز العنصري الذي كان موجودا في الخمسينات وليس في القرن الحادي والعشرين. وقد استثمر الجمهوريون في غضب أهالي الطلاب من هذه المناهج باعتبار أن ما يروّجه الديمقراطيون ويعلمونه في المدارس إنما هو حرب ثقافية داخلية تهدد استقرار وتآلف وانسجام المجتمع الأميركي الذي شطب العنصرية من تاريخه وسن القوانين لمعاقبة من يمارسها، بل وانتخب رئيسا أسود هو باراك أوباما الذي رأس البلاد لدورتين متتاليتين.
وجاء الدليل القاطع على صحة استراتيجية الجمهوريين في برنامجهم الانتخابي بفيرجينيا، وتركيزهم على دحض النظريات العرقية والتجييش العنصري الذي يثيره الديمقراطيون في الشارع والمدرسة، مع فوز السيدة وينسوم سيرز، وهي سيدة سوداء البشرة بمنصب نائب حاكم فيرجينيا، وهذه هي المرة الأولى في تاريخ الولاية التي تصل فيه امرأة ومن الملونين إلى هذا المنصب.
يعتبر هذا الانقلاب السياسي في فيرجينيا حركة سياسية مكتملة الأركان ينفتح فيها الجمهوريون على فئات المجتمع التي كانت غائبة في تشكيلاتهم الحزبية، وكذا بين مرشحيهم للمناصب العليا في الدولة، وهي فئات الشباب والمرأة والملونين. وهذه الانعطافة الكبرى في بنية الحزب الجمهوري ستعيد الحيوية والنضارة إلى أدائه الذي كان يعاني من غياب هذه الفئات عن صفوفه، وانغلاقه على عدد محدود من الزعماء التقليديين ومناصريهم.
ولاية فيرجينيا بقيت زرقاء منذ العام 2004 (أي بيد الديمقراطيين). لكن هذا العام جاء المرشح الجمهوري غلين يانكين، ليغيّر المعادلة ويقلب لون الولاية إلى الأحمر الجمهوري
التغير الجوهري في أركان الحزب الجمهوري سيكون سببا قويا لالتفاف قاعدة شعبية أوسع من حوله، ومصدرا لحصاد المزيد من أصوات الناخبين في المستقبل القريب. فقد كانت السنة الأولى من حكم الديمقراطيين مخيبة لآمال شريحة واسعة من الشعب الأميركي بمن فيهم الديمقراطيون، وذلك على المستوى المعيشي المحلي من جهة، وعلى المستوى الدولي من جهة أخرى حيث تقف في قمة الخيبات الأحداث التي رافقت الانسحاب الكئيب والمخزي للجيش الأميركي من أفغانستان.
ويبدو أن الرئيس بايدن يواجه الآن تذمرا في عقر داره الديمقراطي، وقد بدا هذا الأمر واضحا في امتناع المعتدلين من نواب الحزب عن التصويت بالقبول لمشروعه الذي قدمه للكونغرس والذي يحمل أجندته الخاصة لبناء البنى التحتية في الولايات المتحدة.
“صحيفة العرب”