لا يختلف عاقلان حول حق الشعب العراقي المحتلة أرضه , أو أي شعب آخر يعيش نفس الظروف, بمقاومة الاحتلال , مستعملاً كل الوسائل المتاحة والممكنة , لنيل حريته واستقلال بلاده .
ولتحقيق هذه الغاية , فلابد للمقاومة العراقية من السير في طريقين متلازمين , لا يؤدي الفصل بينهما إلا إلى نتائج سلبية تضر بمصلحة الشعب العراقي نفسه ومستقبل العراق .
وهذان الطريقان هما :
1 – رفع تكلفة الأحتلال للعراق الى أقصى مدى ممكن , مادياً وسياسياً , مما يسرع في رحيل المستعمر .
2 – العمل مجدداً على إعادة بناء الحياة السياسية والقانونية , التي تعيد تنظيم العلاقات بين ابناء العراق , علاقات تضمن حقوق الجميع , وتساوي بينهم , وتضمن مصالحهم , وتحدد أفاق المستقبل . تلك العلاقات التي دمّرها الاستبداد الصّدامي , وأحل مكانها علاقات الكذب والنفاق والأستزلام , مما نجم عنها تفتيت المجتمع العراقي وإضعافه وتحويله الى لقمة سائغة , ّسهل على الغزو الأمريكي ابتلاعها بسهولة .
وكنتيجة طبيعية لما تقدم نقول , بان الشعب العراقي وقواه السياسية الديمقراطية , هما الجهة الوحيدة المخولة بتحديد شكل المقاومة ونهجها وإستراتيجيتها . ولا بديل عنهم لا في الأمم المتحدة , ولا في دول الجوار " الشقيقة ", بل ان واجب الدول الشقيقة هو تقديم الدعم الذي تحدده المقاومة العراقية من جهة , وامكانية تلك الدول على تقديمه من الجهة الأخرى . وعندما تنعدم حاجة المقاومة العراقية لمقاتلين من خارج العراق , فلا داعي لأن يفرض" الأشقاء " مستورداتهم على العراقيين , وان حصل ذلك الفرّض , فلن يكون ذلك من باب دعم المقاومة العراقية و " النضال ضد الامبريالية " , بل سيكون له أسماء ومعاني أخرى مختلفة تماماً.
لم يعد خافيا على أحد , لا في العالم العربي ولا الخارجي , دور الأتجار بالبشر الذي تمارسه أجهزة النظام السوري . والقصص التي نسمعها في بلاد الاغتراب , من أخوة عرب , شاء حظهم العسر المرور في المطارات السورية او على حدودها في رحلتهم الى بلاد الغربة , قصص لاُتعد ولا تُحصى , وكلها تتعلق بمعاناتهم من سلوك أجهزة الأمن السورية وابتزازها لهم , قصص لا يمكن لها الا ان تنضوي – وبحسب قواميس النظام نفسه – تحت عنوان تشويه سمعة الدولة وسمعة الشعب السوري ووهن نفسية الأمة , وهي نفسها التهم التي تسوقها تلك السلطات ضد الأحرار الذين يطالبون بتغيير سلمي ديمقراطي في حياة البلاد وخلق ظروف حياة تليق بأبناء الشعب السوري .
ترى السلطات السورية , في اثارة الفوضى في الدول المجاورة , ( العراق أو غيره ) وإرسال السيارات المفخخة لتفجيرها في الأسواق الشعبية , وتحريض قوى طائفية على القيام بإعمال إجرامية ضد أبناء طوائف أخرى , كما إرسال مرتزقة عبر الحدود لتنفيذ ما يأب ابناء البلد عن فعله ضد بلدهم . أسلوباً يُربك الأمريكان المحتلين , مما سيدجعلهم مستعدين لقبول اي عرض يُعرض عليهم في سبيل التهدئة .
وتقوم أجهز النظام بعد اثارة الفوضى وتصعيد حمى القتل الطائفي في العراق , بقتل مجموعة من هؤلاء المرتزقة داخل الحدود السورية , لخلق شعور( وهمي ) عند الأمريكيين بانهم والنظام السوري مستهدفين من عدو واحد , ثم يتم تسليم مجموعة من هؤلاء المرتزقة للأمريكان , لأظهار التعاون معهم , ويليها تصريحات المسوولين السورين عن استعدادهم لمساعدة الأمريكان في انسحاب شريف من العراق , كما تصريحات أخرى بانه ان اراد الأمريكان التهدئة في العراق فما عليهم الا الحوار مع النظام .
ترى السلطة في هذا أسلوباً ناجحاً سيدفع بمراكز القرار الدولية على اعادة تكليفها للنظام بدور أقليمي , يعتقد رؤوس النظام بانه سيكون دوراً مُقنعاً لطموحاتهم اللصوصية في نهب ثروات الدول العربية المجاورة كما فعلوا بالثروة الوطنية السورية, وأيضاً اللبنانية التي أُغلقت بوجوههم بعد طردهم من لبنان .
وفي هذا اللعب القذر للنظام السوري والمكشوف للاحتلال الأمريكي , يأخذ الأمريكان ما يناسبهم ويخدم مصالحهم , ويدفعوا النظام لأن يُصلح سلوكه ليكون خادم لهم مائة بالمئة كما صرحوا مرات عديدة وعلى لسان أكثر من مسئول أمريكي حيث أكدوا باننا " لا نريد تغيير النظام في سورية بل نريد منه ان يغير سلوكه " .
وفي خِضم تلك الألاعيب , تأتي الغارة الجوية الأمريكية على الأراضي السورية في منطقة البوكمال , والتي لا يعرف أحد, ولن يعرف تفاصيلها في المدى المنظور, كواحدة من عمليات الكر والفر تلك بين أجهزة الأمن السورية والأمريكية في العراق . وبقدر ما تكون العملية مدانة لأنها تنتهك السيادة الوطنية السورية وأمن المواطنين فيها , فان سياسات النظام السوري المتورط بهذه الألاعيب مدانة أيضا بنفس القوة , لا بل أكثر, لأن أمن المواطن السوري ومسئولية الدفاع عن سيادة البلاد هي مسئولية السلطة الحاكمة . وليست مسئولية الاحتلال الأمريكي . كما لابد أن تكون حياة المواطن العراقي ومساعدته على تجاوز المصاعب اليومية التي يواجهها من أجل أن يكون قادراً على القيام بواجبه الوطني في تحرير بلاده , مسائل من صلب اهتمام نظام عربي يدعي الالتزام بقضايا الأمة القومية .
في ظل تلك السياسات التي ينتهجها النظام في الداخل السوري وفي المحيط العربي , لم تعد تلك الأحكام القراقوشية التي صدرت بحق قادة أعلان دمشق مفاجئة لأحد , فكيف ننتظر من مجرم , ان يرحم من اكتشفوا اجرامه , إن هم وقعوا في مخالبه .
كندا 08\11\2008
"الرأي"