التعهدات الأوروبية للولايات المتحدة بالتصدي لروسيا في حال شنت هجوما على أوكرانيا تبدو انتصارا مهما لإدارة الرئيس الأميركي جو باين لكنها مازالت محل شك بالنسبة إلى المراقبين الذين يعتقدون أن أوروبا من الصعب أن تضحي بمصالحها لاسيما وأنها لم تقدم أيّ تصور واضح بشأن العقوبات.
واشنطن – حشد الرئيس الأميركي جو بايدن الحلفاء الأوروبيين للتعهد بأنهم سيتخذون إجراءات صارمة ضد روسيا إذا أرسلت قواتها إلى أوكرانيا، لكن المراقبين يشككون في التزام أوروبا بتعهداتها للولايات المتحدة عند التنفيذ.
وبينما تبدو الولايات المتحدة وتركيا وبريطانيا عسكريا مستعدة لتوريد صواريخ مضادة للدبابات وطائرات دون طيار وسفن حربية بحرية وأسلحة أخرى، إلى جانب تقديم الأموال لمساعدة أوكرانيا في بناء دفاعاتها، يبدو أن الحليف الرئيسي ألمانيا يعارض أيّ مساعدة عسكرية مباشرة من هذا القبيل لدرجة أن رحلة عسكرية بريطانية تحمل أسلحة إلى أوكرانيا الاثنين حلقت حول المجال الجوي الألماني بدلا من اتخاذ المسار الأكثر مباشرة.
وفي حين حذر بايدن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من عواقب اقتصادية “لم يسبق لها مثيل” إذا غزت روسيا أوكرانيا، أظهر بعض الحلفاء الأوروبيين الرئيسيين حماسة أقل لعقوبات اقتصادية ضخمة، والتي يمكن أن تلحق الضرر ببعض الاقتصادات الأوروبية، أو تعرض الطبيعة الروسية للخطر. حيث يحتاج الأوروبيون إلى الغاز للبقاء دافئين هذا الشتاء.
مسايرة أوروبية لواشنطن
وخلال أسابيع من الدبلوماسية المكثفة، رفض القادة الروس تعهد الحلفاء بمواجهة روسيا. واحتج وزير الخارجية سيرغي لافروف، واعتبر أن الولايات المتحدة هي صاحبة القرار، وأن الأوروبيين يُسايرونها.
وإذا كان الحديث عن الوحدة الأوروبية – الأميركية يجعل بوتين يفكر مرتين، فهو لا يظهر ذلك. وأرسلت روسيا حوالي 100 ألف جندي باتجاه الحدود الأوكرانية، وقال مسؤولون أميركيون الثلاثاء إنهم يعتقدون أن روسيا قادرة على شن هجوم.
ويرى زعماء الاتحاد الأوروبي أن روسيا تحاول زرع الخلاف بين دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.
روسيا تزرع الخلافات
وقال جوزيب بوريل الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية “لم تلعب الولايات المتحدة لعبتها. أرادت روسيا تقسيمنا وفشلت”.
وكان اصطفاف الأوروبيين وراء القيادة الأميركية وإن كان كلاميا نجاحا لسياسة بايدن الخارجية خاصة بعد أن قادت حلفاءها للانسحاب من أفغانستان مع نتائج مدمرة.
وقال السيناتور الديمقراطي كريس مورفي، الذي سافر مع أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين والديمقراطيين إلى كييف للقاء الزعماء الأوكرانيين في نهاية الأسبوع الماضي، إن العمل الأميركي في تحديد الالتزامات الأوروبية تجاه روسيا سيستمر إذا شنّت غزوها.
وقال مورفي للصحفيين الاثنين “في الوقت الحالي يبدو أن هناك اهتماما أكبر قليلا من الولايات المتحدة بشأن تنفيذ عقوبات صارمة متعددة الأطراف مقارنة بأوروبا. وهذا مذهل إلى حد ما بالنسبة إليّ، بالنظر إلى أن وحدة أراضي أوروبا، وليس الولايات المتحدة، على المحك”.
وشككت فرنسا وألمانيا وبعض الدول الأخرى في الاتحاد الأوروبي، خلال أكتوبر ونوفمبر الماضيين، في تحذيرات الولايات المتحدة من أن الحشد العسكري الروسي بالقرب من أوكرانيا قد يشير إلى غزو وشيك. وعارضت فرنسا وألمانيا في البداية تفعيل نظام التخطيط للاستجابة للأزمات التابع لحلف الناتو قبل الرضوخ وتفعيله في الثلاثين من نوفمبر 2021.
ومن المرجح أن يؤدي الغزو الروسي لأوكرانيا فورا إلى تعزيز دفاعات أعضاء الناتو بالقرب من حدود روسيا، مثل إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا.ويبدو أن حلفاء الولايات المتحدة مصممون على إثبات أنهم على صلة وثيقة مع بايدن. ولا توجد علنا أيّ معارضة، تقريبا، لتعهدات العمل الصارم.
وينشر حلف شمال الأطلسي بالفعل قرابة 5 آلاف جندي بعتادهم في تلك الدول.
ويُنظّم استطلاع آراء دول في جنوب شرق أوروبا (بلغاريا ورومانيا وتركيا على وجه الخصوص) بشأن استعدادها المحتمل لاستضافة مجموعة قتالية تابعة للناتو قوامها حوالي ألف جندي ومعدات في منطقة البحر الأسود. وقال الأدميرال روب باور رئيس اللجنة العسكرية لحلف شمال الأطلسي الأسبوع الماضي إن “هناك عددا من الدول التي ترغب في استضافة تلك القوات”. ولا يمكن لأوكرانيا أن تتوقع أيّ مساعدة عسكرية من الحلف كمنظمة إذا غزتها روسيا نظرا لأنها ليست عضوا في الناتو.
ويتطابق الخطاب بين الاتحاد الأوروبي والحكومات الأوروبية الفردية مع خطاب البيت الأبيض والأميركيين.
ويجمع الكل على أن روسيا ستتكبد تكاليف باهظة ذات طبيعة اقتصادية وسياسية إذا أرسل بوتين قواته عبر الحدود إلى أوكرانيا. ولم يناقش أيّ من القادة علنا الطبيعة الدقيقة للعقوبات المحتملة، قائلين إنه سيكون من الخطأ إظهار الأمر.
ويتمتع الاتحاد الأوروبي بسجل حافل في فرض عقوبات على روسيا بالتنسيق مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وحلفاء آخرين لكنه يجد نفسه هذه المرة مترددا في حسم موقفه خشية على مصالحه.
مصالح أوروبا على المحك
وتشمل أكثر الإجراءات المطروحة حظر روسيا من نظام سويفت المصرفي الذي يتعامل مع تدفق الأموال في جميع أنحاء العالم وفرض عقوبات على عائلة بوتين ودوائره العسكرية والسياسية والبنوك الروسية.
واصطفت الحكومة البريطانية بقوة وراء الموقف الأميركي المتشدد بشأن أوكرانيا. وقال مكتب بوريس جونسون إن رئيس الوزراء تحدث إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأسبوع الماضي لدعم “عقوبات اقتصادية واسعة النطاق” في حال غزت روسيا أوكرانيا.
حلفاء الولايات المتحدة مصممون على إثبات أنهم على صلة وثيقة مع بايدن ولا توجد أيّ معارضة تمنع شن عقوبات صارمة على روسيا
ويتساءل مراقبون حول مدى الألم الاقتصادي الذي ترغب بريطانيا في إلحاقه بالمنطقة المالية وسوق العقارات في لندن، وهما مركزان للأموال الروسية. ولطالما اتهمت البنوك البريطانية والسلطات المالية بغض النظر عن المكاسب غير المشروعة.
وبعد أن برزت فرنسا كأحد المشككين الأولين في التحذيرات الأميركية بشأن زيادة القوات الروسية، قال وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية كليمان بون مؤخرا إن فرنسا مستعدة لدعم العقوبات ضد روسيا إذا لزم الأمر. ولم يخض في التفاصيل.
وتتمتع ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، بنفوذ اقتصادي كبير على روسيا يتمثل في خط الأنابيب نورد ستريم 2 الذي بني حديثا والذي من شأنه أن ينقل الغاز الطبيعي الروسي مباشرة إلى ألمانيا وخارجها.
وقالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك، الاثنين، إن بلادها “ستبذل قصارى جهدها لضمان أمن أوكرانيا”، وإن “أيّ تصعيد آخر سيكون له ثمن اقتصادي وسياسي واستراتيجي باهظ على النظام الروسي. ونحن جادون في هذا الأمر”.
لكن الحكومة الألمانية أعطت إشارات متضاربة، ولم تصدر كلمة عامة قاطعة، حول ما إذا كانت ستبقي خط الأنابيب غير متصل إذا أرسلت روسيا قوات إلى أوكرانيا وهو ما جعل وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن يقدم تطمينات بدلا من ألمانيا، قائلا “سيكون من الصعب رؤية” تدفق الغاز إذا غزت روسيا أوكرانيا.
“صحيفة العرب”