بعد أن “اتّسع الخَرْقُ على الراقِعِ”، لاستشراء الفساد وعدم القدرة على تدارك الأمور، استلمت استخبارات الدول الغربية المشاركة في التحالف الدولي أمر التحقيق في تمكّن داعش المطارَد دخولَ “غوانتانامو قسد” (سجن الصناعة بغويران الحسكة)، بمئة مقاتل بكامل عتادهم ومفخّخاتهم وانغماسييهم وأعلامهم، وأربك الجميع بتنفيذ مغامرة لـ”كسر الجدران” في منطقة أمنية محصّنة من كل الجهات بأصناف القوات والحواجز والاستخبارات متعدّدة الجنسيات والدرونات، لأنها المربّع “الإرهابي” الأخطر والأكبر في العالم، إذ يحوي غوانتانامو “قسد” آلاف الإرهابيّين من القادة والخبراء والمقاتلين المجرّبين و85 طفلاً، سُمّوا “أشبال الخلافة”! ومادامت نهايات هكذا وضع محسومة، فلِمَ تمّ تنفيذها؟ ومَن المستفيد؟ علماً أنها متوقّعة بعد اعترافات أحد أمراء الدواعش، قبض عليه قبل أشهر، وقام الأمريكان بنقل القيادات الأخطر إلى سجن “الشدادي” ويقال أطلقوهم في البادية! بينما أنتجت عملية غويران فرّار المئات في الساعات الأولى، وانتهاء العملية بمقتل المئات من الطرفين بعد 9أيام؟
أبرز ما يجمع غوانتانامو أمريكا وقسد أنهما معتقَلان لإرهابيين، يرتدون اللون البرتقالي، وتستثمرهما سياسياً وإعلامياً جهة احتضان واحدة، وهو أساس حدث الجزيرة السورية؛ إذ باتت القضية السورية على مفترَق خَطِر، بعد أن صارت القوى المتصارعة وجهاً لوجه في منطقة –يحسبها- مرتكزاً لمقايضاته الإستراتيجية، ولكلّ منها مبرّراته وحساباته الاستثمارية في مستنقع الكارثة السوري من خلال فزّاعة عودة الإرهاب الداعشي! لأنهم مدينون للتنظيم المخترق أمنيّاً من كل الدول بشرعية وجودهم، واستمرار استثماراتهم رهن ببعثه، وشرعنة بقائهم وتبرير صراعاتهم تُستمَدّ بإحيائه.
أما أمريكا فتعمل لاستعادة هيبة موقفها وفعالية حضورها بعد أفغانستان بمواجهة الإرهاب المتجدّد، وقطع الطريق على الاستثمار الإيراني في إرهاب داعش مبرراً لتمدّدها الإقليمي وفرض وجودها كمقاوم للإرهاب بعد هزيمة ولائييها في العراق، وهشاشة وضعهم في لبنان، وربما عملت على صحوة داعش في العراق وسورية وصولاً إلى ذروة المحاكاة -في سجن غويران- لعمليتي أبو غريب والتاجي المنتجة لداعش، شمّاعة لمآزقها السياسية المتتالية بالإضافة لملفّها النووي، ليكون صيد أمريكا الثمين “زعيم داعش” ردّاً سياسياً وإعلامياً على الاختراق الكبير، بأن ما حدث معروف، بينما الإعداد لاستثماره، وبمشاركة قسد في منطقة تحت النفوذ التركي، وتسيطر عليها “هيئة تحرير الشام”. وكذلك العصابة الأسدية تستثمر في هذا السياق؛ لتؤكّد أهمية تعويمها وضرورته إقليمياً ودولياً ومنحها شهادة حسن السلوك، لمواجهة “الإرهاب”، بتجاوز القرارات الأممية 2018-2254.
وبالمقابل عملت تركيا على استثمار هلع قسد وتخلخل الثقة بها فقصفت مواقعها في الشمال، لتظهر روسيا متفرّدة في الاستثمار بقصف فلول داعش في البادية السورية منذ أشهر، ولم تعرقل تنفيذ اقتحامها السجن الكبير! ربما لأنها كانت تجرّب سلاحها، وتجهز عدّتها لإرضاء الجميع من حساب الجميع في الشرق والشمال، فتبسط سيطرة النظام، وتحجّم نفوذ إيران، وتطمئن تركيا، وتقنع قسد بقبول مكافأة نهاية الخدمة.
أمّا “قسد” قوة أمريكا الأرضية، فهي كداعش، مشروع وظيفي، لا وطني، عابر للحدود، راحت تلعب في الوقت بدل الضائع، تنسيقاً مع الأسديين والإيرانيين، ثم رمت مسؤولية الحدث على غول خارجي، يريد تصفية وجودها في المنطقة والتهام مكاسبها، تغطية لفشلها وفسادها ورفض مجتمع الجزيرة لها، فتبارى قادتها ومناصروها في استثمار الواقعة، بعد الإقرار بالخرق الأمني، وطالبوا باعتراف دولي “بالإدارة الذاتية” وزيادة الدعم المالي والعسكري، والضغط الدولي للخروج من ورطة السجون، وأخيراً اتّهام مدنيي غويران باحتضان المهاجمين، لتشرع بتغيير ديمغرافي، بعد تجريف الكثير من المنازل والمتاجر ونزوح 50ألفاً عن بيوتهم.
بقي التنويه أن “غوانتانامو قسد” أقيم بمعهد الصناعة، في غويران منطلق بدايات الثورة، ويغلب عليها الطابع العربي العشائري، لكن “غوانتانامو أمريكا” افتتح في شبه جزيرة خالية يحدّه المحيط من جانب وحقل ألغام يستحيل اجتيازه من الجانب الآخر، واستثمرت فيه أمريكا سياسياً وإعلامياً لعقدين، ترى كم سيستمرّ استثمار PYD والقوى المتصارعة بعد غوانتانامو قسد؟ وهل سيستمر اللحم السوري بين رحى المتصارعين لخلق داعش جديد؟ وهل سيكون للقوى الوطنية السورية موقفاً يستثمر في الصراع، وهم أصحاب القضية و”أهل الصبيّ”؟
رئيس التحرير