المصدر: ناشيونال إنتريست
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: : دوف زاخيم (شغل دوف س. زاخيم منصب وكيل وزارة الدفاع (المراقب المالي) والمدير المالي الأول لوزارة الدفاع الأمريكية من 2001 إلى 2004 ونائب وكيل وزارة الدفاع (التخطيط والموارد) من 1985-1987)
لسنوات، كم كان منتقدو فلاديمير بوتين مخطئين إذ يصفونه بأنه مجرد رجل تكتيكات (تخطيط مرحلي)، وليس شخصًا يرسم إستراتيجيات كما هو في الواقع. فهو جعل روسيا تتمركز في شرق البحر الأبيض المتوسط إلى درجة غير مسبوقة.
فلدى روسيا الآن عقد إيجار طويل الأمد لقاعدة جوية سورية، حميميم، بالإضافة إلى عقد إيجار جديد لقاعدة طرطوس البحرية، التي كانت البحرية السوفيتية تعمل من خلالها خلال الحرب الباردة. وقد أقام علاقات جيدة مع كل من إسرائيل ومصر. حيث لم يكن لإسرائيل علاقات حقيقية مع الاتحاد السوفيتي، وقامت مصر بطرد السوفيت في عام 1972. لقد غمرت القِلّة التي ينتمي إليها وآخرون قبرص بمصالحهم غير المشروعة كما أن لديه حكومة صديقة في اليونان.
والآن عزز مكانة روسيا في أوروبا، بوعده بفعل المزيد. لقد أضاف مقاطعات لوهانسك ودونيتسك الأوكرانية إلى قائمة ما يسمى بالدول المستقلة – أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية وترانسنيستريا – التي تعترف بها روسيا فقط، ولقد استوعب بشكل فعّال بيلاروسيا في مدار روسيا، ولم تعد الآن أكثر استقلالية مما كانت عليه بيلاروسيا خلال الحرب الباردة، على الرغم من تصويت الأمم المتحدة. مما لا شكّ فيه هو أن بوتين يخطط للأمر نفسه بالنسبة لأوكرانيا، التي كان لها أيضاً صوتها في الأمم المتحدة خلال الحقبة السوفيتية.
يجب الاعتراف بأن الطريقة التي اتبعها بوتين في الضغط على كييف أثبتت فعاليتها العالية. فمن خلال الاستمرار في تمركز حوالي 300.000 جندي حول حدود أوكرانيا، بما في ذلك حوالي 50.000 في بيلاروسيا لإجراء تمرين يبدو أنه لا نهاية له، يمكنه الحفاظ على الضغط المستمر على كييف وردعها عن اتخاذ أي إجراء ضد دونيتسك ولوهانسك. علاوة على ذلك، يمكنه دائماً إنشاء ذريعة جديدة لقضم المزيد من أوكرانيا – بدءاً من ماريوبول وأوديسا – متى شاء ذلك.
في مرحلة ما أيضاً، سوف يستوعب المقاطعتين في روسيا، بناءً على طلب قادتهما بلا شك. يجب على الأمريكيين، على وجه الخصوص، أن يجدوا مثل هذا السلوك غير مفاجئ. فقد انفصلت تكساس عن المكسيك عام 1836، وأعلنت نفسها جمهورية اعترفت بها الولايات المتحدة عام 1837، وأصبحت الولاية الثامنة والعشرين بعد ثماني سنوات.
من الواضح أن “مصير بوتين الواضح” يتمثل في استعادة مجد روسيا القيصري. ولتحقيق هذه الغاية، ليس فقط أوكرانيا، ولكن فنلندا ودول البلطيق وبولندا لديها أسباب وجيهة للقلق. كانوا جميعاً جزءاً من الإمبراطورية الروسية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر؛ عدا فنلندا، حتى عام 1918. تختلف شهية بوتين التوسعية عن “مصير أمريكا الواضح” في أحد الجوانب الهامة. سواء كانت تكساس، أو كاليفورنيا، أو أي ولاية أخرى دخلت الاتحاد، كانت إرادة السكان هي القيام بذلك. لا دول البلطيق ولا بولندا ولا فنلندا لديها أي مصلحة في العودة إلى روسيا. ولا ينطبق ذلك أيضاً على حلفاء الاتحاد السوفيتي السابقين في حلف وارسو، والذين أصبحوا جميعاً راسخين الآن داخل الناتو.
ومع ذلك، لا يفعل الغرب الكثير لتعطيل كتاب قواعد اللعبة الذي يتبعه بوتين. إن حجته القائلة بأنه يسعى فقط إلى حماية سكان المقاطعات الانفصالية من افتراس كييف تتفق مع مطالبة أدولف هتلر بولاية تشيكوسلوفاكيا في سوديتنلاند، التي كانت من المفترض أن تحمي الألمان في سوديت، ومثلما رضخ البريطاني نيفيل تشامبرلين والرئيس الفرنسي إدوارد دالادييه لمطلب هتلر، من أجل تحقيق “السلام في عصرهما”، فإن الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، لا يفعل شيئاً سوى فرض عقوبات ليس على روسيا نفسها، ولكن فقط في لوهانسك ودونيتسك. بالنسبة لبوتين، فإن مثل هذه العقوبات ليست أكثر من لدغة بعوضة.
لقد توسّل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى الغرب للحصول على أسلحة أكثر بكثير مما حصل عليه حتى الآن. فقد زوّدت واشنطن كييف حتى الآن بصواريخ جافلين المضادة للدبابات، وقوارب الدوريات الساحلية، وعربات همفي، وبنادق قنص، وطائرات استطلاع بدون طيار، وأنظمة رادار ومعدات للرؤية الليلية، وأجهزة الراديو. وقدمت دول أخرى في الناتو مساهمات أقل؛ وقدمت بريطانيا عربات مدرعة وحوالي 2000 صاروخ مضاد للدبابات قصير المدى مع المدربين. وقدمت دول البلطيق، التي تعتبر نفسها الأكثر عرضة لهجوم روسي مستقبلي، صواريخ جافلينز وكذلك صواريخ ستينغر المضادة للطائرات، والتي لم ترسلها واشنطن بعد. بولندا ترسل صواريخ غروم المضادة للطائرات. وقد قدمت تركيا طائرات بدون طيار كانت فعّالة ضد القوات المدعومة من روسيا في ليبيا وضد النقابات الأرمينية في التصعيد الأخير في ناغورنو كاراباخ.
ومن ناحية أخرى ترفض ألمانيا تقديم أي أسلحة إلى كييف، وترسل فقط خوذات ومستشفى عسكرياً.
يجب على الغرب والولايات المتحدة فعل المزيد الآن. تخشى واشنطن من أن يؤدي التورّط العميق على الأرض إلى نشوب حرب مع روسيا. لماذا لا يكون لدى بوتين نفس المخاوف؟ ما كان ينبغي لبايدن أبداً أن يستبعد عدم إرسال قوات لدعم أوكرانيا؛ فمن المؤكد أن حريتها لا تقل أهمية بالنسبة لأوروبا عن أهمية إخراج العراق من الكويت عام 1991 بالنسبة لأسعار النفط العالمية. فبعد أن عقدت العزم على عدم مساعدة كييف بالقوات الأمريكية، يجب على إدارة بايدن على الأقل تزويد أوكرانيا بالأسلحة الإضافية التي تسعى إليها. وتشمل هذه الطائرات المروحية الأمريكية والعربات المدرعة الخفيفة وأنظمة الاتصالات. بالإضافة إلى صواريخ سام النرويجية والمدفعية التشيكية ذاتية الدفع الذاتي.
بالإضافة إلى ذلك، لا ينبغي على واشنطن وحلف شمال الأطلسي فرض عقوبات على المقاطعات الانفصالية فحسب، بل على روسيا نفسها. فالموقف الحالي “انتظر وشاهد” يترك زمام المبادرة لبوتين. يمكن دائماً رفع العقوبات، خاصة على إمدادات الغاز والنفط، إذا سحب بوتين قواته. إن مثل هذه العقوبات، التي تأتي على رأس تعليق ألمانيا لموافقتها على خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2، من شأنها أن تضرّ بوتين الآن وتجبره على الرّد، بدلاً من تماديه أكثر. على مدار الأربعة عشر عاماً الماضية، منذ أن استولت روسيا على أبخازيا وأوسيتيا الشمالية، كان بوتين يلعب لعبة كرة الثلج مع الغرب، وقد نجح حتى الآن. وقد حان الوقت لقلب الطاولة عليه مرة واحدة وإلى الأبد.
“نداء بوست”