نشرت مجلة “نيويوركر” مقابلة مع أناند غوبال الذي كتب بشكل مستمر عن الحرب الأهلية السورية، وناقش معه إيساك تشوتنير إمكانية تكرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما فعله في سوريا وليبيا. وقالت إنه “في أيلول/سبتمبر 2015 أمر بوتين قواته للتدخل نيابة عن رئيس النظام السوري بشار الأسد الذي كان يخوض حربا في سنتها الخامسة ضد المعارضين المحليين والمتطوعين الأجانب”. وحتى ذلك الوقت كانت روسيا قد زودت النظام السوري بالسلاح الذي استخدم لقمع الانتفاضة بطريقة وحشية. وكان التدخل الروسي حاسما في حرف ميزان الحرب لصالح الأسد، ولكن بثمن باهظ.
شنت طائرات روسيا أكثر من 20 ألف غارة جوية في سوريا وعدد الضحايا المدنيين بعشرات الألاف، واتهمت الأمم المتحدة موسكو بارتكاب جرائم حرب
ففي العام الماضي قدرت المنظمة التي توثق القتلى المدنيين في الحرب “إيروورز” عدد الضحايا المدنيين جراء التدخل الروسي بعشرات الألاف، أما الأمم المتحدة فقد اتهمت روسيا بارتكاب جرائم حرب. ولكن التدخل قدم بعض الملامح عن الطريقة التي كان بوتين يريد استخدام قوته في الخارج كما لاحظنا في الغزو ضد أوكرانيا. وفي المقابلة مع أناند الذي يعد كتابا عن النزاع ناقشا بتفصيل الثورة السورية وتحدثا عن السبب الذي بدت فيه أوكرانيا مختلفة وأصعب على الروس ورؤية بوتين لموقع بلاده في العالم. فقبل تدخل الروس كانت الحرب السورية تعاني من انسداد ولم يعد أي من الطرفين فيها قادرا على هزيمة الآخر. فبعد تدخل إيران وحزب الله إلى جانب النظام عام 2013، ووقف زخم تقدم المقاتلين، دخل النزاع من جديد حالة جمود حتى عام 2015، ومن هنا جاء التدخل الروسي حاسما في حرف ميزان الحرب. ولم يكن واضحا في حينه لأن الروس تدخلوا مثلما يقولون الآن في أوكرانيا إنها عملية محدودة وقصيرة الأمد ولوقف الجهاديين من الوصول إلى مناطق الأقلية العلوية قريبا من الشواطئ على البحر المتوسط.
وبدا منذ البداية أنهم لم يستهدفوا هذه الجماعات بقدر المعارضة الديمقراطية. ومن هنا كان الهدف الواضح من الحرب هو القضاء على المعارضة ثم وقف الحرب والاستفادة من مرحلة الإعمار والحصول على عقود للشركات الروسية. واستطاع الروس تحقيق أهداف المعركة من خلال القوة الجوية التي سمحت للنظام باستعادة حلب أولا ومن ثم المناطق المحيطة بدمشق. وكانت حملتهم في سوريا جوية في الغالب ولم يقد الجنود الروس المعارك على الأرض. وفي النهاية غيّر القصف الجوي مسار الحرب وليس الجنود في الجيش السوري او الميليشيات التابعة له. واستخدم الروس تميزهم التكنولوجي بطريقة حاسمة ومدمرة أكثر من قوات النظام. ولم يستهدفوا المقاتلين فقط، بل والأسواق والمستشفيات والأحياء المدنية والبنى التحتية. وعليه فالوحشية التي ارتكبها النظام السوري والطيران الروسي لا تقارن بالوحشية التي ارتكبتها الجماعات المعارضة وحتى مقاتلي تنظيم الدولة. وارتكب الروس عددا كبيرا من المذابح واستخدموا القنابل العنقودية. وكان استهداف الروس للأماكن الحيوية مثل المستشفيات يهدف إلى كسر معنويات المقاتلين وكذا السكان، وخاصة منطقة إدلب التي يسيطر عليها المقاتلون.
في أوكرانيا الوضع مختلف، فهنا دولة لديها سلاح جو وصواريخ مضادة للطائرات وهو شيء لم يكن بيد المقاتلين السوريين
ولا يعني اعتماد روسيا على القوة الجوية عدم إرسالها قوات برية، فقد كان لها حضور على شكل قوات برية مستقلة أو تعمل إلى جانب قوات النظام بالإضافة للشرطة العسكرية والمتعهدين الأمنيين المرتبطين بشركة فاغنر وكذا الميليشيات التي دربها الروس ومعظم المقاتلين فيها من السوريين، وربما كان عدد القوات بالآلاف لكن الروس لم ينشروا تفاصيل عن جنودهم هناك. ويرى أناند أن القوة الجوية في التدخل الروسي كانت الحاسم في ربح المعركة للأسد، وشنت طائرات موسكو أكثر من 20.000 غارة جوية. ونفس الشيء حصل مع التدخل الأمريكي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، فكلاهما اعتمد على القوة الجوية وحرفا في النهاية مسار الحرب.
ولكن الوضع قد يكون مختلفا لو تحدثنا عن قوات تقوم بحملة ضد جيش محترف ولديه قدرات عسكرية تقليدية. لكل هذا اعتبر المعارضون للأسد الروس كمحتلين وأنهم القوة وراء عرش الأسد وبدونهم لم يكن لينجو، وحتى الدعم الإيراني لم يكن كافيا لإنقاذه، وبهذه المثابة اعتبرهم المعارضون مصدرا للديكتاتورية. وبالمقارنة مع سوريا، فقد بدا الجيش الروسي منضبطا في هجماته الأولى ضد أوكرانيا، وهذا بسبب مواجهته قوة عسكرية منظمة ونظرا لأن نظر العالم كله متركز على روسيا. وما كشفت عنه التجربة السورية أن الروس مستعدون لأبعد مدى من أجل تحقيق أهدافهم. و “اعتقد أن سوريا هي سيناريو كابوسي لأوكرانيا، ولكننا لم نصل إلى هناك بعد” كما يقول أناند. ويعتقد أن السبب وراء تردد الروس في شن هجوم كاسح كسوريا مرتبط بالموقف الدولي وعلاقة التدخل بالنظام السوري الذي كان يخوض حربا من أجل بقائه ولم يتردد باستخدام أي وسيلة بالبقاء.
أما في أوكرانيا الوضع مختلف، فهنا دولة لديها سلاح جو وصواريخ مضادة للطائرات وهو شيء لم يكن بيد المقاتلين السوريين. كما أن خزينة الحرب الأوكرانية أكثر ثراء مما كان يملكه المعارضون. ورغم عدم مناسبة الغزو الأوكراني لرؤية أو عالم بوتين حول تغيير الأنظمة كما في سوريا والعراق وليبيا إلا أن العلاقة الروسية ـ السورية قديمة وتعود لعقود، وتعتبر سوريا جزءا من مجال التأثير الروسي، وعندما تحدث انتفاضة او انقلاب هناك فأنت تقوم بتحدي المجال الروسي.
التدخل الروسي في سوريا لم يحقق أهدافه ونصر الأسد هو رقصة حرب فارغة، فقد ورث بعد الحرب ليس دولة، بل عصابة أو مافيا ترى موسكو أنها فاسدة.
وبنفس السياق فتوسع الناتو في أوكرانيا يعتبر تهديدا لطموحات روسيا الإمبريالية، وعليه فالسياق متشابه وليس مختلفا. ويعتقد أناند أن التدخل الروسي في سوريا لم يحقق أهدافه ونصر الأسد هو رقصة حرب فارغة، فالدولة التي ورثها بعد الحرب ليست في الحقيقة دولة، بل عصابة أو مافيا، وتنظر إليها روسيا بأنها فاسدة.
ولم تكن روسيا قادرة على استغلال احتياطات الغاز، ومن وجهة نظر الروس يبدو التدخل فاشلا إلى حد ما، كما في أماكن أخرى. فقد تدخل الروس في ليبيا ووضعوا أنفسهم بمواجهة قوات تدعمها تركيا ولم يستطيعوا إخراج أنفسهم من المعركة بطريقة جيدة و “لم تكن روسيا في وضع قوي كما أرادت من هذه التدخلات”، حسب أناند، الذي أضاف أن الظروف في ليبيا تختلف عن مناطق أخرى تدخلت فيها روسيا. وبالمحصلة فمثال سوريا وليبيا يعطي فكرة أنه عندما تكون في مواجهة قوة حديثة وتحظى بدعم من غالبية المجتمع الدولي، فليس مستغربا مواجهتك مشاكل.