من الأمور التي يمكن الاتفاق عليها كاملاً، أن الفلسطينيين وقضيتهم، يفتقدون لحليف قوي يساند قضيتهم وتطلعاتهم بالتحرر من الاحتلال، وبالمعنى الفعلي والمباشر لغياب هذا الحليف بالمستويات المطلوبة، سقطت مفاهيم كثيرة عن دور التحالفات السياسية التي كانت سائدة في حقبة القرن الماضي، التي كانت متصلة مع القضية الفلسطينية مع إنهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك الكتلة الشرقية، وصعود روسيا الاتحادية على المسرح الدولي من باب نشر القوة والغطرسة العسكرية والاحتلال المباشر، من وجهة نظر بعض قوى اليسار العربي فيه استعادة موسكو لدورٍ ما، يخدم فلسطين وقضيتها، لكن أثبتت سياسة موسكو الرسمية الداعمة لبطش الأنظمة المستبدة، استخدام نفوذها وعلاقتها لصالح إسرائيل بشكل مباشر.
العلاقة الروسية الإسرائيلية
العلاقة الروسية الإسرائيلية، متينة وعميقة باعتراف الطرفين وتأكيدهما بمناسبات كثيرة مخالفة لأوهام التباهي بعضلات موسكو وما أحدثته من دمار في سوريا وما تحدثه اليوم في أوكرانيا، على أنها تمهد الطريق لهزيمة المستعمر الصهيوني وتحرير فلسطين، بدبابات وطائرات موسكو وقذائفها التي كانت فعالة على أجساد ملايين الضحايا في سوريا وأوكرانيا فقط.
يدرك المواطن العادي، أن متطلبات مواجهة المشروع الصهيوني أضعفتها سياسات أمريكا في المنطقة العربية والعالم، بالتوازي مع نهج عربي متساوق معها، وصعود سياسة روسية تحاول اللحاق بركب المصالح الاستعمارية، لحماية المشروع الصهيوني وتمتين الجسور معه، غير خافٍ على أحد تطوير العلاقة الروسية الإسرائيلية التي تأخذ شكل التحالف والتنسيق خصوصا على الأرض والأجواء السورية.
وبالعودة لفقدان ضحايا المشروع الصهيوني لحليف مشابه يتمتع به عدوهم، من القوى الدولية، بعيداً عن ديباجة البيانات السياسية وأطنانها المكدسة عربياً ودولياً نحو فلسطين، أثبتت موسكو “مصداقيتها ” الموازية “لمصداقية” الولايات المتحدة بالمعنى الصحيح للوقوف خلف الحليف وإسناده، إذ مثلت العقيدة المشتركة بين الروسي والأمريكي بدعم الاحتلال والطغاة، ركيزة في محاربة قوى التحرر والحركات الوطنية والديمقراطية وقمع الثورات، ووضعت موسكو بمرتبة متقدمة بالتحالف مع أعداء الشعب الفلسطيني، وبالتالي انتظار المعجزات من السياسة الروسية في سوريا وأوكرانيا، لا علاقة له بتاتاً بما انتظره الضحايا الفلسطينيون من حليف رفع شعار الوقوف خلف الشعوب المضطهدة والمظلومة ورفع لواء العدالة الاجتماعية.
طحن المجتمع السوري
الشعوب راقبت التحرك السريع للحليف الروسي نحو الطاغية السوري، ومنحه كل وسائل التدمير ومشاركته في طحن المجتمع السوري، ويراقب الفلسطينيون والعرب عموما العلاقة الوثيقة القائمة بين الاحتلال الإسرائيلي وبين موسكو، والتي يُعبر عنها في مناسبات عدة بفخرٍ كبير وغير مسبوق من الجانيين، خصوصاً مع اعتلاء بوتين للسلطة قبل ربع قرن، وما وفرته هذه العلاقة من رفد المشروع الصهيوني بالقوة الديمغرافية للاستيطان وعتاتها من المتطرفين والعنصريين من الصهاينة الروس.
لقد وُلدَ الحليف الروسي لإسرائيل، في جو الفراغ العربي الرسمي، وتحلله من القضية الفلسطينية وإشباعها بكثرة التضامن والدعم اللفظي، وقد نجد في قاموس بعض المواقف الدولية مواقف تتعلق بإدانة سياسات المستعمر الصهيوني وعدوانه، أكثر بكثير من غلاظة المواقف التي يكررها سيرغي لافروف، في دفاعه عن حليفه في دمشق، أو الدفاع عن سياسات استخدام مخزون القتل الذي وفرته موسكو لحلفائها، لم تحظ قضية فلسطين من حليفها ” الروسي” بمواقف مشابهة كتلك التي أظهرتها نحو تل أبيب ودمشق، أو بخطوات وسياسات وعملية تدعم مواجهة الفلسطينيين ضد العدوان الإسرائيلي المستمر على الأرض، ولا تسمع من موسكو إدانات قوية وفعالة لعمليات القتل والطرد والحصار والاستيطان، لا في الأمم المتحدة ولا في مجلس الأمن، الذي يحضر فيهما صلابة الفيتو الروسي والأمريكي لحماية الاحتلال والطاغية.
تيار «اليسار»
ترحب موسكو بأرتال المرتزقة التي يعلن نظام الأسد توفيرها لدعم حرب بوتين في أوكرانيا، بينما لم يوفر نظام الممانعة السوري أرتال “مناضلين” لتحرير أرضه المحتلة أو لمساندة ضحايا الإرهاب الصهيوني، ولا يسمح له الحليف الروسي أصلاً المساس بحليفه الإسرائيلي، تكسب موسكو تعاطف نظام الأسد وبعض الأنظمة التي تدور فلكه في توظيف رواية روسية سبق ان استعملها في سوريا، ويقلد بسخافة كل النفاق الدولي والذرائع التي يستخدمها المحتل لتبرير العدوان، لكن أثر هزيمة البروباغندا الروسية في ملف فلسطين هو الأعلى حتى لو تجاهل عن قصد تيار “اليسار” الفلسطيني والعربي إخضاع سياسات حليفه النظري للتحليل والمراجعة والنقد، بعيداً عن ابتهاج عودة موسكو لموقع القطب الثاني.
وماذا يعني أن تكون روسيا قطباً ثانياً بالنسبة للواقع الفلسطيني والعربي؟ يعني فشل كل الأساليب الماضية والمجربة التي أخذت وقتها لرفد المشروع الصهيوني بكل أسباب النجاح، وبكلمة قصيرة، استراتيجية الحليف الروسي نحو القضية الفلسطينية، تستند لمضمون صهيوني، محم من حليف هَرب من كل أدبياته ونظرياته وسحقها وهي تنطبق على كل تحالفاته الرسمية في العالم العربي.
كاتب فلسطيني
“القدس العربي”