حجم التحولات التي يشهدها العالم منذ انطلاق الحرب الروسية على أوكرانيا في 24 الشهر الماضي، ليس بالقدر العادي، لا بل هو غير مسبوق، كمّاً ونوعاً. بداية في منطقتنا، هناك انعكاسات أمنية واقتصادية في آن. على الصعيد الأمني، وبما أن اتفاق فيينا هو أولى ضحايا الحرب، بات التصعيد الإسرائيلي-الإيراني واقعاً. في هذه الخانة، يندرج القصف الإسرائيلي على هدف إيراني في سوريا، وقضى فيه ضابطان في “الحرس الثوري الإيراني”، وأيضاً رد طهران بقصف هدف قرب القنصلية الأميركية في أربيل شمال العراق.
من المحتمل جداً أن نرى صداماً بين إيران وحلفائها، من جهة، وإسرائيل، من جهة ثانية. ولهذا أسباب وتراكمات، على رأسها أن الحرب مع أوكرانيا أطاحت بالتوازنات القائمة. بيد أن روسيا كانت فرضت توازناً في سوريا من خلال تنسيقها مع إسرائيل، واحتوائها الضربات على ايران من خلال التخفيف من الخسائر. هل من المنطقي مثلاً أن مئات الضربات الإسرائيلية خلال السنتين الماضيتين لم تُسفر عن وقوع قتلى إيرانيين سوى بعد دخول روسيا في حرب مع أوكرانيا؟
لغياب الدور الروسي في سوريا، أثر في التخفيف من احتمالات الصدام. كانت لروسيا أهداف من التنسيق في سوريا، بينها تحجيم الدور الإيراني، لكن دون وقوع صدام مباشر. لهذا كانت الخسائر البشرية الإيرانية محدودة خلال الفترة الماضية.
من آثار الحرب على المنطقة أيضاً عودة عمليات التخريب الإقليمية، أكان لجهة وقوع ضربات على منشآت نفطية أو القصف على أربيل، وربما غيرها، بما يُؤشر الى عودة إيران لمرحلة الصدام قبل استئناف المفاوضات بشكل جدي هذا العام. ومثل هذا التصعيد الإيراني، لو ربطناه بمآلات العقوبات والحصار على روسيا، من غير المستبعد أن يترافق مع تعاون روسي، بما أن البلدين صارا خارج المنظومة المالية والاقتصادية العالمية. هي استخدام الأمن ورقة في المفاوضات مع الغرب، وهذا لن يقتصر فحسب على الخليج بل قد يتعداه إلى مناطق أخرى.
بعيداً عن هذا السياق، رسمت صحيفة الغارديان أيضاً خريطة لتأثيرات أخرى للحرب. على سبيل المثال، يعتمد مصيرا الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون سياسياً على هذا الحرب، إذ أن الأول يخسر كثيراً في حال أخفق في إدارة الصراع، والثاني يعتمد على ديمومة الحرب لإنقاذ نفسه من سلسلة انتقادات ومحاولات للإطاحة به.
علاوة على ذلك، فإن تصعيد الحرب بشكل كبير واحتمال لجوء روسيا إلى قطع امدادات الغاز الى أوروبا مع تشديد خناق العقوبات الدولية على موسكو، وتصعيد المساعدات العسكرية الى أوكرانيا لعرقلة التقدم الروسي وتعزيز مأزق بوتين، سيكون كارثياً على الاقتصاد الأوروبي بأسره.
ومنطقتنا هنا بدأت بالفعل تشعر بنقص في القمح، مع ارتفاع أسعار الخبز وشُحّ في الطحين، وكذلك هناك نقص مرتقب غذائياً على صعيد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وارتفاع في الأسعار نتيجة تحليق سعر برميل النفط. كل ذلك يُنبئ بعدم استقرار لن يقتصر على ارتفاع الأسعار في منطقة متقلبة وغير هادئة.
عملياً، حتى في حرب بعيدة، نحن أكثر تأثراً وعُرضة من غيرنا، ولا تكافؤ بين الضحايا.
سكان هذه المنطقة أبرز رهائن هذه الحرب.
“المدن”