تحركت قطر منذ اندلاع شرارة الأزمة الروسية الأوكرانية وحتى قبل أن تحرك موسكو وحداتها العسكرية وتعبر الحدود، ودعت لخفض التوتر، وكان موقفها يصب في اتجاه حل الخلافات عبر القنوات الدبلوماسية، في وقت كانت العواصم الغربية تتطلع للدوحة من أجل تغطية أي عجز طارئ في إمدادات الغاز.
وتلعب قطر دوراً حيوياً وتتحرك في مختلف الاتجاهات لخفض التوتر والتصعيد في الأزمة الروسية الأوكرانية، وهي في نفس الوقت تطمئن الحلفاء الغربيين بالسعي لضمان إمدادات الغاز في حال وقوع أي طارئ.
وقبل اندلاع الحرب بفترة، استضاف الرئيس الأمريكي جو بايدن، أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في البيت الأبيض، لمناقشة عدد من التحديات والقضايا الدولية الراهنة وعلى رأسها أمن الطاقة على ضوء الأزمة الروسية الأوكرانية.
وفي البيت الأبيض ناقش الرئيس الأمريكي مع أمير قطر ملف الطاقة وإمدادات الغاز التي تتحكم الدوحة في نسبة معتبرة من صادراته. وقال البيت الأبيض إن الرئيس الأمريكي جو بايدن صنف قطر حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة من خارج حلف شمال الأطلسي، وفاء بالوعد الذي قطعه للدولة الخليجية هذا العام.
وتمنح الولايات المتحدة هذا التصنيف للحلفاء المقربين من خارج الحلف الذين لديهم علاقات عمل استراتيجية مع الجيش الأمريكي.
التصعيد العسكري في أوكرانيا
وأعلنت قطر أنها تتابع بقلق بالغ التصعيد العسكري في أوكرانيا، وتشدد على أهمية احترام سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها في حدودها المعترف بها دوليا، وانتهاج الحوار سبيلاً لحل الأزمة.
كما ترى أنه «في هذه المرحلة الحرجة لابد من انتهاج الحوار البناء والطرق الدبلوماسية لحل هذه الأزمة، واحترام سيادة واستقلال أوكرانيا ووحدة أراضيها في حدودها المعترف بها دولياً».
ودخلت قطر خط الأزمة الروسية الأوكرانية في محاولة جاهدة لحلها وإنهاء الصراع.
ومن أول لحظة من بدايتها، سجلت الدوحة تحركات دبلوماسية مكثفة وأجرت اتصالات بمختلف أطراف الأزمة.
ووصل العاصمةَ القطرية الدوحة مع بداية الحرب، مبعوث خاص للرئيس الأوكراني لمقابلة المسؤولين القطريين.
واستقبل الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد، في مكتبه بقصر البحر، بيكتم رستم المبعوث الخاص للرئيس الأوكراني. واستعرض أمير قطر مع المبعوث الأوكراني، آخر التطورات، للأزمة، والطرق السلمية والدبلوماسية الكفيلة بحلّها. وكان الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بحث مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي آخر المستجدات على الساحة الأوكرانية.
وجاء ذلك خلال اتصال هاتفي تلقاه آل ثاني من الرئيس الأوكراني الذي تشهد بلاده عملية عسكرية روسية بدأت في 24 شباط/فبراير الماضي.
وهذا الاتصال هو الثالث بين آل ثاني وزيلينسكي منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. حيث تلقّى أمير قطر اتصالاً هاتفياً، مع بداية الأزمة، من رئيس أوكرانيا.
وسبق أن أجرى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، اتصالات مع عدد من المسؤولين الدوليين.
ومؤخراً اتصل مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وبحث معه مستجدات الوضع في أوكرانيا.
وتدعو الدوحة إلى ضبط النفس وتجنب التصعيد والالتزام بالسبل الدبلوماسية لتسوية النزاع بين روسيا وأوكرانيا، فيما تؤكد على احترام سيادة أوكرانيا واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها في حدودها المعترف بها دوليا.
تحركات مع روسيا لحل الأزمة
وأجرى الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري زيارة للعاصمة الروسية موسكو ضمن الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة الأوكرانية وبحث خفض التصعيد وضمان سلامة المدنيين.
كما تسعى قطر لدعم الجهود الدولية القائمة لتوفير الظروف اللازمة لحل سلمي للأزمة.
وفي السياق ذاته، أفادت الخارجية الأمريكية بأن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بحث في اتصال أمس السبت مع وزير الخارجية القطري «الحرب الروسية غير المبررة على أوكرانيا».
رصيد دبلوماسي
وتعول قطر على رصيدها الثري في حل عدد من الأزمات الدبلوماسية لإحداث اختراق في الأزمة الروسية الأوكرانية. وتسعى الدوحة لتقريب وجهات نظر الطرفين، بما يمهد لتفاهمات دائمة حول الأزمة. وسبق أن حققت قطر إنجازات دبلوماسية، وتكللت مساعيها بالنجاح في الوساطة، وحل النزاعات بالطرق السلمية، وباتت جزءاً لا يتجزأ من الهوية السياسية للدوحة.
وحققت الدوحة، إنجازات كبيرة في هذا الميدان وساهمت في إحلال السلام والاستقرار في العديد من الدول والأقاليم، وباتت عاصمة الوساطة وحل النزاعات.
وكانت الجهود القطرية تبلورت في العقود الماضية في تحقيق السلام في عدد من الدول والمناطق، وساهمت في وضع حد لعدد من النزاعات.
وتبرز في الفترة الأخيرة الجهود القطرية في حل النزاع الأفغاني، واستضافتها لجلسات الحوار بين مختلف الأطراف. وقبلها أدت قطر دور الوسيط في مفاوضات واشنطن و«طالبان» التي أسفرت عن توقيع اتفاق تاريخي، أواخر شباط/فبراير 2020 لانسحاب أمريكي تدريجي من أفغانستان وتبادل الأسرى.
كما أن الدوحة تقدم الآن مساعدتها في حل الأزمة في ليبيا، التي استمرت منذ عام 2011. ويمكن أن تكون الدوحة المفاوض الأساسي لهذه الأزمة الممتدة من العالم العربي إلى أفريقيا.
كما تعزز الدوحة مكانتها الدولية، ومن بين إنجازاتها ما يتعلق بنجاحها في الوساطة الدبلوماسية في مفاوضات فلسطين الداخلية وجهود وقف إطلاق النار والتهدئة الأخيرة في قطاع غزة.
وتجدد العلاقات التي عادت إلى قنواتها الطبيعية بين الصومال وكينيا، أكدت نجاح سياسة قطر الخارجية في ترسية سفن السلام والصلح في موانئ الدول المتخاصمة.
“القدس العربي”