الرأي خاص –
ستيفان فانيش متخصّص في الخطابات السياسية الموجّهة للجماهير، وباحث في مواضيع الإعلام الجماهيري في جامعة باريس كريتيل، وباحث في مخبر اردار لأبحاث التواصل الاجتماعي في جامعة تل أبيب .
المذيعة: بعد أن لخّصت نقاط الخطاب الرئيسية التي ينتقد فيها زيلينسكي إسرائيل وتقاعسها عن دعم أوكرانيا بعد أن اعتبر أن نوعاً من الموازاة بين ما يعانيه الأوكران حالياً وما عاناه اليهود في الحرب العالمية الثانية، سألت الباحث عمّا يمكن أن نستخلص من هذا الحديث؟
فانيش: زيلينسكي يتحدث خطاباً لا يتمتع بالمصداقية التاريخية ولا بالدقة، هو يحاول أن يكتب تاريخ بلاده كما يراه هو، وليس كما هو في الحقيقة . يقارن النزوح الأوكراني، وما يتعرض له الأوكرانيون، بما تعرض له اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، ويقول إن أوكرانيا قد دافعت عن اليهود في تلك الحقبة، وهذا غير صحيح أبداً، فقد قُتِل من اليهود مليوناً ومائتي ألف في أوكرانيا على يد فيرموار، وعلى يد السوفييت أيضاً، فالأوكران لم يحموا اليهود أبداً، والقول بذلك هو جهل للتاريخ ومحاولة لطمسه. هذا ليس فقط تضليلاً، بل هو مخجل له، وله طعم غير مستحب في الكنيست!
المذيعة: إن الميكروفونات كانت معطلة ومقطوعة على النواب لذلك لم نستطع سماع آرائهم وردود أفعالهم، وإن رئيس الكينيست قد عبّر عن ذلك بقوله: إن أوكرانيا صديق لإسرائيل، لكن في بعض الأحيان من الصعب علينا أن نستمع إلى ما لا يرضينا، فهل تعتقد أن هذا الخطاب قد فعل فعله لدى النواب في الكنيست؟
فانيش: أعتقد أن النواب يحاولون النأي بالنفس عن أوكرانيا ، لأنها مسألة غير قابلة للإدارة ! هناك نوع من العناد القوي عند الطرف الأوكراني، لا لأنّ رئيسهم من أصول يهودية ، هذه ليست هي المسألة، بل المسألة هي أنه يحاول أن يتشبّه بمن قُتلوا من اليهود في الحرب العالمية الثانية، بإمكاني القول إنه أمر غير مسؤول بل غير مقبول. الأمر ذاته ينطبق على بوتين عندما يقول، إنه أصبح بسبب العقوبات كالرجل المغلوب على أمره !( وهي أغنية فرنسية، وعلى ما يبدو أنها تشير إلى اليهود) يجب على الجميع أن يتوقفوا عن اعتبار الموضوع متعلقاً باليهود، وأن يفهموا تماماً أننا أمة ودولة لها مصالح، وعلينا مراعاة مصالحنا. في سورية، لم يقم الأوكران بمساعدتنا على الإطلاق، ولا حتى في الأمم المتحدة! يجب الانتباه أن هناك نوع من البروباغاندا القوية من جهة أوكرانيا، كما من جهة الروس أيضاً، ونحن نقع ما بين المطرقة والسندان، وهذا غير مقبول أبداً. وعلى الجميع أن يفهم أننا دولة لها سيادة، وتتخذ قرارتها بناء على مصلحة شعبها، مثلما تفعل كل من أوكرانيا وروسيا وكل الدول في العالم، ولا نفهم لماذا نحن مدينون لأوكرانيا فقط لأننا يهود! الشيء الذي يستطيع الأوكران فعله هو الاعتذار. الحال في أوكرانيا مدعاة للأسف الشديد، وهذه مشكلة الحروب، لكن لنكن واقعيين وصريحين، هذه حرب حديثة، الأضرار فيها جسيمة جداً، لكن الروس في هذه الحرب لا يقومون بهجمات تؤلم وتؤدي إلى كثير من الضحايا.. لسنا في دريسدن ولا في هيروشيما، وأعتقد أن الرئيس زيلينسكي يعتبر نفسه ضحية، ويمنح نفسه كل الحقوق بسبب وضعية الضحية! وهذا لا يصحّ أبداً، ولا يصحّ أيضاً أن يمنح نفسه حق تجيير التاريخ ولا تزويره .
المذيعة تعقّب: زيلينسكي يستخدم التاريخ في خطاباته، وقد ذكر الألمان عندما تحدث في البرلمان الألماني بجدار برلين، وعندما تحدث إلى الكونغرس ذكرهم ببيرل هاربر.. وهذه طريقة زيلينسكي عندما يتحدث إلى النواب الأجانب، وهذا يطرح السؤال، لأنه سيتحدث أمام البرلمان الفرنسي غداً، يوم الثلاثاء، فماذا سيقول غدا برأيكم ؟
فانيش: أعتقد أنه سيتحدث عن مقاومة ديغول، على الرغم من اختلاف الظروف ومناسبة الأحداث وسياقها التاريخي، لكن هذا الرجل يذكرني بياسر عرفات، عندما كان يحاور من يتحدث إليهم، فكان يتأقلم مع المناسبة ومع الشخصيات، فكان دائماً يوظف السياق التاريخي في مساعيه.. على كل حال، الأمر لا يتعلق أبداً لا بالغيبور ولا بالشوحة ولا بالهجمات النازية ضد انكلترا ولا ضد فرنسا، في الحقيقة بدلاً من القيام بالتوضيح وبالشرح لما حصل وما يحصل في حقيقة الأمر وفي الواقع ، نحن في خضم منطقين من البروباغاندا الإعلامية من كلا الطرفين ولم نعد ندري ما هو الصحيح وما هو المغلوط ..وشيئاً فشيئاً نحن نسير باتجاه ضياع الحدود وضياع الحقيقة. في الديمقراطية من المهم كثيراً قول الحقيقة، حتى لو كان ذلك صعباً، لكنه ضروري لمعرفة الحقيقة، وباعتقادي أن الأوكران لم يتقنوا بعد ممارسة الديموقراطية، ويحتاجون إلى مزيد من الخطوات للوصول إلى الديمقراطية، وحديث زيلينسكي يندرج بشكل عام، لا أريد القول إنه حديث بروباغاندا، فذلك وصف قوي، لكن بالإمكان القول إن حديثه ليس ديمقراطياً، ولا يمكن الاعتماد عليه من أجل القيام بتصرف ما.. لو كنت مكان دولة إسرائيل أو مكان من يتخذ القرارات فيها، فسأقوم بالانسحاب أكثر فأكثر مما يحدث في أوكرانيا؛ لأنه بكل بساطة، فيها رئيس بدل أن يقول الحقيقة، فإنه يعتمد على البروباغاندا.
المذيعة: إذاً أنتم تعتقدون أن إسرائيل لن تقبل بمقاطعة روسيا، ولا بإعطاء القبة الحديدية إلى أوكرانيا؟
فانيش: لست في مكان أحد من السياسيين، لكن أعتقد أننا نملك علاقات طيبة مع روسيا، ويجب الحفاظ عليها. وروسيا هي التي تسيطر على جوارنا في سوريا، وليست أوكرانيا التي تحفظ أمننا، وتمنع عنا صواريخ إيران ..هناك أيضاً نوع من الازدواجية في حديث زيلينسكي، فنراه يقول باستعداده للمفاوضات في القدس، وفي نفس الوقت يرمي علينا الاتهامات، على بينيت أمام الكنيسيت، بسبب سياسة الحياد التي اتخذها، وكل ما قاله من خطاب بروباغاندا يجعلنا نشعر بأنه مخجل، وربما كان علينا ألّا ندعه يتكلم بهذا الشكل.
المذيعة: أتعتقد أنه كان يجب رفض حديثه أمام الكنيست، والاستمرار في رفض الانخراط في الشأن الأوكراني، كما كان الحال منذ البداية؟
فانيش: لا أبداً.. إنه من الطبيعي أن يقوم البرلمان بذلك، لكن من غير الطبيعي أن يقوم زيلينسكي بالإدلاء بمثل هذا الخطاب البروباغاندا من على منبر الكنيست. أعتقد أن إسرائيل ستستطيع استخلاص النتائج من هذا الخطاب.
المصدر: KAN en français