في حوار صحافي تناول فيه موضوع اللاجئين السوريين بأبعاده القديمة والجديدة، قال الباحث التركي المختص في شؤون الهجرة واللجوء مراد أردوغان إن “هناك نزعة قومية سورية قيد التشكل” محذراً من مخاطر التحريض ضد اللاجئين السوريين، من غير أن يفصح عما يقصده من ذلك.
لكن سياق كلامه يفيد أن التحامل التحريضي أو الإجرائي المتصاعد ضد اللاجئين السوريين في تركيا يؤدي إلى تشكل حالة جمعية لدى السوريين (في تركيا) وهو ما قد يتسبب بتوترات بين المجتمعين المضيف والوافد.
ينطوي هذا الحكم على معنى ضمني هو أن السوريين (في تركيا) كانوا، إلى الآن، أفراداً لا رابط يربط بينهم، في حين أن تعرضهم المتصاعد للاستهداف، بوصفهم سوريين، سواء بالكلام التحريضي أو بالإجراءات الإدارية أو بالعنف المباشر، من شأنه أن يحولهم إلى جماعة متماسكة لها ردود أفعال موحدة تجاه الآخرين أي المجتمع المضيف. أي أن ردود الفعل الجمعية التي تحدث من حين لآخر ضد مستهدفين سوريين، قد تستثير ردود فعل جمعية معاكسة من سوريين في منطقة معينة، أو في فضاء وسائل التواصل الاجتماعي، ضد أهداف من المجتمع المضيف. فربما هذا ما قصده الباحث التركي حين تحدث عن “قومية سورية قيد التشكل”.
في جميع الأحوال تثير تلك الجملة المشار إليها مشاعر تتراوح بين الاستغراب والبهجة، أما الاستغراب فهو من استخدام باحث تركي لتعبير “القومية السورية”، الأمر الذي يشير إلى جهل كبير بالنظر إلى عدم وجود شيء كهذا في الواقع السوري، سواء قبل الثورة أو بعدها، إلا في أدبيات الحزب القومي السوري، وهو حزب هامشي كما نعرف. أما إذا كان المقصود هو “قومية سورية” بين اللاجئين السوريين في تركيا فقط، فهذا أكثر إثارة للاستغراب، إلا إذا كان المقصود هو نزعة قومية لدى اولئك اللاجئين بعد تحوّلهم إلى جالية سورية في تركيا تنتمي إلى المجتمع التركي، كما هي حال الكرد او اللاز او الشركس في تركيا على سبيل المثال، وهذا غير متحقق إلى الان.
أما البهجة فسببها أننا كسوريين نعرف أننا لا نشكل جماعة سياسية موحدة يمكن وصفها بالقومية السورية او الأمة السورية، بل ننقسم إلى هويات فرعية متعددة، بينها انقسامات سياسية حادة، سواء لدى سوريي الداخل أو الشتات، ولا شيء يربط بينها كهوية وطنية عليا، سوى الانتماء السلبي الذي هو بحكم أمر واقع لا فكاك منه. من المبهج، والحال هكذا، أن يرى أحد من الخارج وجود هوية جمعية سورية قيد التشكل.
التحامل التحريضي أو الإجرائي المتصاعد ضد اللاجئين السوريين في تركيا يؤدي إلى تشكل حالة جمعية لدى السوريين (في تركيا) وهو ما قد يتسبب بتوترات بين المجتمعين المضيف والوافد
لكن أبرز فكرة يعبر عنها حوار الباحث التركي هي أن القسم الأكبر من السوريين في تركيا سوف يبقى بصورة نهائية، داعياً إلى التكيف مع هذا الواقع بدلاً من الدعوات المتكررة إلى إعادتهم إلى بلدهم، مع الحرص على إيضاح أنه لا يدعو إلى بقاء السوريين كما يتهمه أنصار الترحيل، بل يقر بواقع على الجميع أن يقروا به. فكل حديث عن إعادة السوريين إلى بلدهم يفتقر، برأيه، إلى الواقعية، ويستخدم فقط كمادة للاستثمار السياسي.
الواقع أن الصعوبات الاقتصادية المتفاقمة من جهة، واقتراب الاستحقاقات الانتخابية من جهة ثانية، ووفود موجات جديدة من النازحين من أفغانستان بصورة خاصة، من جهة ثالثة، قد أدت إلى تصاعد نزعات العداء ضد الأجانب، وبخاصة السوريين بوصفهم يشكلون الكتلة الأكبر (3,6 مليون) منهم. وإذا كانت أحزاب المعارضة هي الأكثر إطلاقاً لدعوات الترحيل، فالحكومة تأثرت بدورها من هذا الجو خشية انعكاس سياستها تجاه السوريين في تركيا على شعبيتها الآخذة في التراجع. وكانت أبرز نتيجة لهذا الجو حرمان السوريين من السفر إلى سوريا في عطلة العيد، للمرة الأولى بعد سنوات من تطبيق هذا الإجراء الروتيني. وجاء ذلك بعد تصريح رئيس حزب الحركة القومية المتحالف مع الحكومة دولت بهجلي الذي قال فيه إنه ما من داع لعودة السوريين الذين يذهبون الى بلدهم في عطلة العيد. كذلك غير الرئيس اردوغان من موقفه القائل “لن نرحّل السوريين” ليقول مؤخراً “سيعود قسم كبير من إخوتنا السوريين إلى بلدهم حين تتحقق الشروط الامنة لعودتهم الطوعية”.
أما صحيفة “حرييت” المقربة من الحكومة فقد نشرت مؤخراً خبراً أسندته الى مسؤولين لم تسمهم جاء فيه أنه ستتم إعادة مليون ونصف الى مليونين من السوريين في غضون سنتين على أن يتم إسكانهم في مناطق سكنية يتم بناؤها بتمويل دول خليجية. بصرف النظر عن صحة هذا المشروع من عدمها فالخبر الذي أثار المخاوف بين سوريي تركيا هو وسيلة من وسائل امتصاص الضغط المعارض على الحكومة بشأن موضوع اللاجئين.
في هذا الجو المشحون بالتوتر، قليلة هي الأصوات العاقلة التي تدعو الأتراك إلى التصالح مع واقع أن معظم السوريين سيبقون في تركيا بصرف النظر عن احتمالات انتهاء الصراع في سوريا وعودة الحياة الطبيعية فيها، وأن الحل الوحيد للتوترات القائمة والمحتملة هو وضع خطة متكاملة لإدماج السوريين في المجتمع التركي. الباحث مراد أردوغان المشار إلى حواره الصحفي هو واحد من هؤلاء القلة.
“القدس العربي”