حفنة من اللقاءات والمؤتمرات والاجتماعات والتوافقات في فترة قصيرة، وعلى المستويات السورية والإقليمية والدولية، تجري في ظلّ إعادة تموضع كافة القوى على الساحة السورية. فمن مؤتمر بروكسل للمانحين، الذي جاء بعد توافقات أمريكية تركية حول الشمال والشمال الشرقي، تنفيذاً لرؤية جديدة بدأت باستثناء المناطق التي تسيطر عليها قسد من عقوبات قيصر، إلى إعلان تركيا مشروعها لإقامة منطقة آمنة بإعادة توطين مليون سوري، في ظلّ تأجيج للصدامات مع مختلف الأطراف، وصولاً لعملية عسكرية للدخول إلى عمق 30كم، والإمساك بأول M4، ليأتي إعلان بيدرسون عزمه عقد الجولة 8 للجنة الدستورية، مرافقاً لقانون العفو سيّئ الصيت، وقد سبقه إعلان روسيا عقد جولة جديدة لأستانا..
ولعلّ أبرزها لقاء استكهولم التشاوري الثالث للقوى الوطنية والشخصيات الديمقراطية، بدعوة من “مَسَد”، لكونه ينفرد بادّعاء “سوريّته”، بينما الحقيقة تقول: إن المدعوّين هم “مَسَد” وملحقاتها ممّا تدعم أو تموّل من تيارات وتجمّعات ومنظمات “عاملة في مناطق سيطرة “قسد”، وبذلك يكون لقاء من لون واحد، زُيّن بهذا الاسم أو ذاك درءاً للشبهات وجذباً للعميان. ولهذا ما يبرّره إن عُرف أن المموّل “السويد” مدعوم أوروبياً-أمريكياً وبدفع روسيّ لهذا الاتجاه؛ لأن فيه تحقيقاً لهدف خلق منصّة لـ “مَسَد” بمسحة وطنية سورية، لتكون ضمن المؤتمرات التي تؤسّس لحلّ ما للقضية السورية، فتكون بذلك عنصراً مرجّحاً للقراءة الغربية الروسية المتّفقة ضمناً على إفراغ القرار 2254 من مضمونه بالسلال الأربعة وصولاً للجنة الدستورية وانتهاء بتحويره إلى خطوة مقابل خطوة، ما يؤكد أن الجميع أقلع عن تغيير النظام، إلى تعديل سلوكه وحسب، وبالتالي متابعة تعفين الوضع السوري بإبقائه معلّقاً رهن تطور الملفات الساخنة، واستثمار الممكن فيه بإبقاء وكلاء المتصارعين -قوى الأمر الواقع- يحكمون ويتحكّمون حتى إشعار آخر.
كان التصريح الصحفي الصادر عن اللقاء عمومياً في السياسة، عدا إشارته إلى (الجغرافيات السورية) و (التعافي المبكر)، وفي ذلك إقرار بواقع مناطق النفوذ من جهة، ولفت النظر إلى ضرورة استثمار قرار مجلس الأمن للمساعدات الإنسانية عبر الحدود، وخاصة بعد استثناء “جغرافيا قسد” من عقوبات قيصر. ومن هنا التركيز اقتصادياً على دور القطاع الخاص ورأس المال الوطني في الحلّ! وهذا خداع واضح، فكيف يجذب الاستثمارات “الوطنية”، مادامت “الجغرافيات” بلا أمن واستقرار، بل مهيّأة للحرب كلّ وقت؟ ويعمّم بإبهام مفخّخ ذِكره اللامركزية بلا توصيف، وكأن الحضور أقرّوا عن السوريين خيارهم! وكذلك في الطرح الفكري لإشكالية “الهوية في سورية”، وقرّروا أنها تُبنى على الاعتراف بكامل حقوق الهويات المحلية! تُرى، ما العمل مع من يريد حقّ تقرير المصير؟ ألا يمكن الاستنتاج، إنْ لم تقبل الأكثرية فعليها الرحيل؟ لينتقل للدعوة لصياغة عقد اجتماعي جديد يراعي خصوصية المجتمع السوري بأطيافه! وهل يتأتّى ذلك في ظل الاحتلالات وقوى الأمر الواقع؟ يصل اللقاء لتوافق أكثر عمومية، يقول بالبدء بحوارات مجتمعية لإعادة العلاقات المجتمعية المقطوعة! وتخطي خطوط النزاع! ولكن، كيف؟ وما الإجراءات؟ والأدوات؟ والبرامج؟ ليقول عجباً بتنظيم لقاءات في الداخل السوري بحضور شخصيات من مختلف المناطق السورية! وهم الأعلم بفشل كل الحوارات بين كل المكوّنات السورية، فأي حوار يقصدون؟
بعيداً عن الاستقواء بالسلاح وخدمات ما وراء الحدود، على الجميع الإقرار بالفشل في تحقيق مشاريعهم الخاصة، وأنهم في مأزق يتركهم استثماراً للمتصارعين، وعلى الجميع الاعتراف بأخطائهم، والعمل معاً، دون إقصاء أحد، برؤية وطنية ديمقراطية، تملك قراراً غير مرتهن إلا لسورية الحرة الواحدة، وتهدف إلى عمل سياسي للتغيير متمسّكة بقرا رات الشرعية الدولية، وخاصة قرار مجلس الأمن الدولي 2254، ولا تجيد عن ثوابت الثورة السورية العظيمة للخلاص من نظام التوحّش والإبادة، وإقامة الدولة المدنية الديمقراطية، دولة الحقّ والقانون والمواطنة والتنوّع الثقافي.
رئيس التحرير