تلقت الثورة السورية انتقاداتٍ لا حصر لها، ونالها كثير من التشهير، بسبب شخصياتٍ ممن تصدروا قيادتها. وهذا ينطبق على عسكريين وسياسيين من المجلس الوطني والائتلاف وهيئة التفاوض. وبعض النقد لم يكن وجيها، وجاء لأسبابٍ تتعلق بموقفٍ مسبق من الثورة، ونقد آخر كان موضوعيا، واستند إلى أسس محدّدة، منها أن وجوها كثيرة بلا كفاءة ومؤهلات وماض نضالي احتلت مراكز متقدّمة، وصارت صاحبة قرار، وبقيت زمنا طويلا، رغم انكشاف عدم قدرتها على النهوض بالمهمة الملقاة على عاتقها، ويصير الأمر على قدرٍ كبير من الخطورة، حين يصبح القاعدة، رغم أنه يتعلّق بمصير بلد وشعب تعرّض إلى الإبادة والتهجير من نظام دموي مجرم، ساندته قوى دولية جبّارة مثل روسيا وإيران.
وتظل الأسئلة مطروحةً عن أسباب صعود القيادات الهابطة التي أساءت للسوريين وثورتهم، ومبرّرات استمرار بعضها في مواقع متقدّمة، رغم كل الفشل الذي حصدته، وصار حديث السوريين وغير السوريين. ويبقى أكثر الأجوبة صدقيةً وقربا من الواقع أن الأغلبية العظمى من هؤلاء الذين ركبوا القطار، ولا يزالون يجلسون في عربة القيادة، يمثلون الدول التي لها ثقل ودور في الملف السوري، وتحرص على زرع مندوبين عنها في مراكز حسّاسة، ليكونوا عيونا ساهرة وأجهزة إنذار مبكّر لرصد أي نزعة استقلالية لتجاوز خطوط النفوذ الإقليمية والدولية. وهذه الفئة ليست خافيةً على أحد، وهي موجودة بقوة، وتتصدّر المشهد رغم ما وصل إليه الوضع من رثاثة، بسبب مصادرة القرار الوطني السوري المستقل. وهناك فئة ثانية من الفاشلين والفاسدين جاءت من أحزابٍ معارضة، كانت قد أفلست قبل الثورة، ووجدت فيها فرصة كي تركب الموجة، رغم أن بعضها كان يفاوض النظام ولم يلتحق بالثورة، إلا بعد أن كسر الحراك الشعبي حاجز الخوف، وصار يقدّم الشهداء، وهو يطالب بإسقاط النظام ورئيسه. وهناك فئة ثالثة من المنتفعين والانتهازيين الذين يبدّلون الولاءات حسب المصالح، ولا يهمهم أمر الثورة ومعاناة السوريين، وغالبا ما يضع هؤلاء رِجلا لدى النظام، وأخرى في المؤسّسات المحسوبة ضده. وتشاء الظروف أن تتبدّل الأحوال، ولكن هؤلاء لا يتزحزحون.