قال ديفيد إغناطيوس في صحيفة “واشنطن بوست” إن النزاع الأمريكي- الروسي على الفضاء الإلكتروني يتصاعد. فمع احتدام الحرب في أوكرانيا، تشتعل معركة أخرى بين روسيا وأمريكا على الفضاء الإلكتروني، ويحذر فيها دبلوماسيون روس من تداعيات “كارثية” لو استفزت الولايات المتحدة وحلفاؤها روسيا من خلال هجوم إلكتروني.
وبات “فضاء المعلومات” كما تحب روسيا تسميته، مكان سيادة ناميا في النزاع الأمريكي- الروسي، ليس في الحرب الأوكرانية فقط، بل وعمليات القرصنة ضد الحملات الرئاسية الأمريكية في عام 2016 و2020 بالإضافة للانتخابات النصفية في الكونغرس عام 2018.
وبدا البلدان وكأنهما يعملان معا لإنشاء قواعد مشتركة على الفضاء الإلكتروني في العام الماضي، إلا أن التعاون انهار الآن. واتهم أندريه كراتسكيك، الخبير في شؤون الفضاء الإلكتروني بوزارة الخارجية الروسية في مقابلة مع صحيفة “كوميرسانت”، الولايات المتحدة بأنها “أطلقت العنان لعدوان إلكتروني ضد روسيا وحلفائها”. وزعم أن واشنطن تستخدم الرئيس الأوكراني فولدومير زيلينسكي و”جيش تكنولوجيا المعلومات الذي شكله للقيام بهجمات إلكترونية ضد بلدنا واستخدامه كبشا للضرب”. وأضاف منذرا: “ننصح الولايات المتحدة بعدم استفزاز روسيا ودفعها لإجراءات انتقامية. سيتم الرد عليها بالتأكيد بطريقة حازمة وحاسمة. ومع ذلك، فالنتيجة ستكون كارثية لأنه لن يكون هناك رابحون في نزاع إلكتروني بين الدول”.
ولكي يدعم اتهاماته بضرب أمريكا روسيا إلكترونيا، أشار كراتسكيك للصحيفة الروسية، إلى ما قاله الجنرال بول ناكاسون، قائد القيادة المركزية الإلكترونية الأمريكية، حيث كان يتحدث لـ”سكاي نيوز” عن أوكرانيا خلال زيارة لإستونيا: “لقد أنهينا سلسلة من العمليات على مدى طيف كامل: هجومية ودفاعية وعمليات معلومات”. ولم يعلق متحدث باسم القيادة المركزية الإلكترونية.
وقال مسؤول بارز في وزارة الخارجية الأمريكية إن اتهامات كراتسكيك “ليست جديدة” وهي “تكرار” لتصريحات سابقة. من جهتها، اتهمت إدارة بايدن روسيا، الشهر الماضي بـ”هجوم إلكتروني خبيث” ضد أوكرانيا، بما في ذلك هجوم طال شبكة أقمار صناعية تجارية، مما أدى لتدمير أنظمة في دول أخرى.
وشجبت وزارة الخارجية الأمريكية التدخلات الروسية. وقال المسؤول البارز إن الولايات المتحدة لم تر الهجمات الكبيرة التي كانت تتوقع بعضها، “ربما لأن الروس لا يريدون حربا على جبهتين”. واعترف كراتسكيك أن “تجميد” إدارة بايدن الجهود للتوصل إلى “نهج” مشترك في الأمن الإلكتروني عكس التقدم الذي تم تحقيقه العام الماضي في الأمم المتحدة.
ووافقت الولايات المتحدة وروسيا في تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، على قرار مشترك حددتا فيه إطارا لمناقشة موضوعات الأمن الإلكتروني. ووصف كراتسكيك الجهود بأنها “لحظة تاريخية”، لكن روسيا كانت تحضّر في ذلك الوقت لغزو أوكرانيا الذي بدأ في 24 شباط/ فبراير 2022. ومع ذلك استمرت اللقاءات بين البلدين لمناقشة الأمن الإلكتروني، وجرى لقاءان منذ كانون الأول/ ديسمبر، وهناك لقاء مقرر في تموز/ يوليو.
وقال مسؤول الفضاء الإلكتروني في الكرملين، يوم الإثنين، إن روسيا مستعدة لمناقشة “اتفاقيات قانونية مناسبة مع كل الدول التي تقوم بتقييم هادئ لتهديد الحروب الإلكترونية”. وفي نفس اليوم، وضعت الولايات المتحدة، ميشيل ماركوف، المنسقة في الأمن الإلكتروني بوزارة الخارجية والقناة الرئيسية مع كراتسكيك، على قائمة الممنوعين بشكل دائم من دخول أراضيها. وقال المسؤول البارز في وزارة الخارجية الأمريكية يوم الثلاثاء، إن رؤية روسيا للإنترنت تختلف بشكل أساسي عن الولايات المتحدة. ففي حين تسعى أمريكا لنظام مفتوح وقابل للتشغيل، تريد روسيا “إنترنت بحدود سيادية، حيث تستطيع قمع التعبير الذي لا تحبه”.
وينبع هوس روسيا بالفضاء الإلكتروني من إيمانها بأن أمريكا تتحكم بالإنترنت وتشغيلها. وهناك مجموعة مفضلة لهجمات روسيا وهي ICANN والتي تشرف على نظام نطاق الأسماء. واعتادت هذه المجموعة العمل بناء على عقد مع وزارة التجارة، ولكنها مستقلة بشكل كامل منذ عام 2016. ونشرت المجموعة يوم الإثنين خلاصة وافية عن محاولات روسيا إعادة كتابة قواعد الإنترنت، إما عبر الأمم المتحدة أو الهيئات الدولية المنظمة لعملها وتحاول السيطرة عليها. وأشارت خلاصة المجموعة إلى أن الرئيس فلاديمير بوتين وما دونه من المسؤولين، يشعرون بالسخط من الهيمنة الرقمية الأمريكية.
وسيكون السباق للسيطرة على الفضاء الإلكتروني واضحا للعيان في أيلول/ سبتمبر، موعد انتخاب أمين عام لاتحاد الاتصالات الدولية، وهو وكالة تابعة للأمم المتحدة. والمرشحان للمنصب، هما الأمريكية دورين بودغان- مارتن، التي تدير مكتبا من مكاتب الاتحاد، ورشيد إسماعيلوف، الذي عمل في وزارة الاتصالات الروسية وشركتي هواوي ونوكيا وشركات أخرى.
ويعتقد الكاتب أن المواجهة على الإنترنت هي “ميكروسوم” عن المواجهة الأكبر مع الغرب. فلطالما ظلت روسيا تتطلع لاعتراف دولي بأنها قوة عظمى قادرة على فرض القواعد. ومع استمرار الحرب في أوكرانيا، أصبح بوتين شائكا ومعزولا وغاضبا من أعدائه. وقطع علاقات روسيا مع العالم في وقت يحاول فيه السيطرة على فضاء الإنترنت، ويتحطم جهاز كمبيوتره بدون أن تكون لديه القدرة على تشغيله من جديد، وفق تعبير الكاتب.
“القدس العربي”