المصدر: ميدل أيست أي
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: مهران هغيريان
تؤمن مجموعة بارزة من الباحثين في السياسة الخارجية وشؤون الشرق الأوسط بوجود صراع دائم بين إيران وجيرانها العرب، متجاهلين الجهود الدبلوماسية الإقليمية الجارية حالياً.
فمع اعتزام الرئيس الأمريكي جو بايدن زيارة جدة في السعودية خلال الأسابيع المقبلة، فإن مقالاً في مجلة فورين أفيرز كتبه ستيفن كوك ومارتن إنديك عزّز قضية علاقة أمريكية سعودية جديدة بموجب “الاتفاق الاستراتيجي”.
ويجادل المؤلفون بأن بايدن يمكنه استخدام إعادة ضبط العلاقات مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لخفض أسعار المواد الغذائية والغاز في الولايات المتحدة باستخدام قدرة المملكة العربية السعودية الكبيرة لتهدئة الاضطرابات الحالية في سوق الطاقة.
وهذا بدوره سيزيد الدعم للديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي المقبل. لكن الأهم من ذلك أنهم يؤكدون أن “جوهر أي تقارب يجب أن يكون هو الحاجة المشتركة لمواجهة إيران”.
ويؤمن هذا المعسكر من المفكرين البارزين في السياسة الخارجية الأمريكية وشؤون الشرق الأوسط بوجود صراع دائم بين إيران وجيرانها العرب. حيث تستند الحجج التي قدموها فقط إلى احتواء إيران ومواجهتها، مع أو بدون إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، المعروفة باسم الاتفاق النووي الإيراني.
لا يوجد عملياً أي ذكر للمحادثات الثنائية الجارية بين إيران والسعودية وإيران والإمارات العربية المتحدة، ولا اعتبار لعلاقات الدوحة ومسقط العميقة مع طهران. إنهم متشائمون إلى حدّ كبير تجاه أي حوار إقليمي ويرفضون محادثات التعاون الإقليمي الشامل.
ويناقش المشتركون في هذا النهج في البيت الأبيض الآن اقتراحاً لإنشاء هيكل أمني إقليمي جديد مع مواجهة إيران كهدف مشترك. ففي جدة، سيحاول بايدن عقد اجتماع مماثل عقده سلفه مع قادة عرب ومسلمين، مع مسؤولين من جميع دول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك الأردن ومصر والعراق.
العامل الإسرائيلي
ومن المتوقع في الاجتماع المقبل الإعلان عن شراكة دفاع جوّي وصاروخي مشتركة جديدة بين الدول العربية المشاركة، الولايات المتحدة وإسرائيل، أُطلق عليها اسم “تحالف الدفاع الجوي للشرق الأوسط”. إن الفكرة، المدعومة بمشروع قانون من الحزبين في الكونغرس، هي “إنشاء شبكة إقليمية من الرادارات وأجهزة الاستشعار وأنظمة الدفاع الجوي التي سيتم توصيلها من أجل إعطاء إنذار مبكر واعتراض الهجمات”.
لقد جُعل العامل الإسرائيلي أساسي في هذا السياق. فمع اتفاقات إبراهام التي أدّت إلى شراكات سياسية واقتصادية جديدة، لا سيما بين الإمارات وإسرائيل، يحرص البيت الأبيض على إضافة جوهرة التاج على رأس الاتفاقات: تطبيع المملكة العربية السعودية للعلاقات مع إسرائيل.
ولا يحتاج بايدن إلى إقناع محمد بن سلمان أو الحكومة السعودية بالتعاون مع إسرائيل فقد كانت إسرائيل والمملكة العربية السعودية متحالفين بشكل وثيق في العديد من الملفات الإقليمية، منذ عام 2015 على الأقل.
وقد قال محمد بن سلمان في آذار/مارس: “نحن لا ننظر إلى إسرائيل على أنها عدوّ، بل نعتبرها حليفاً مُحتملًا في العديد من المصالح التي يمكننا السعي وراءها معاً، ولكن يجب حلّ بعض القضايا قبل أن نتمكن من الوصول إلى ذلك”. بالفعل، تفاعلت الرياض مع تل أبيب على جبهات متعددة رسمياً، وفي كثير من الأحيان من خلال القنوات الخلفية والارتباطات السرّية.
من المتوقع اتفاق ثلاثي جديد بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل ومصر على جزر البحر الأحمر. كما تمّ السماح للطائرات الإسرائيلية باستخدام المجال الجوي السعودي متجهاً نحو طرق معينة ومن المتوقع فتح المزيد من الطرق قريباً.
الأمل هو أن تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية، وفقاً لكوك وإنديك، “يزيد من شرعية الدور العسكري لإسرائيل في العالم العربي ويُسهّل التعاون الاستراتيجي ضد إيران”. لكن دول المنطقة نفسها تعمل على التحوّط من الخيارات الأخرى ويبدو أنها تولي اهتماماً متجدداً للدبلوماسية مع إيران.
خيار الدبلوماسية
خلال سنوات ترامب، اشتركت المملكة العربية السعودية، وكذلك الإمارات والبحرين، بشكل كامل في حملة الضغط الأقصى لواشنطن على إيران، حتى أنها شكّلت في بعض الأحيان نظام الدعم الرئيسي لسياسات ترامب في الشرق الأوسط، إلى جانب إسرائيل كشريك جديد.
لكن تلك العلاقة الوثيقة مع واشنطن وتل أبيب في ذلك الوقت لم تؤد إلى ما كانوا يأملون فيه.
تعرّضت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لهجمات بطائرات بدون طيار وصواريخ وهجمات صاروخية أصابت حاويات الشحن البحرية قبالة ميناء الفجيرة في الإمارات العربية المتحدة، ومنشآت أرامكو السعودية النفطية في خريص وبقيق.
وقد أظهرت هذه الهجمات، التي نُسبت إلى حد كبير إلى إيران ووكلائها، عدم اهتمام الولايات المتحدة بالتورّط في صراع عسكري في المنطقة ودفعت الرياض وأبو ظبي إلى الاشتباك المباشر مع إيران.
بدأت الرياض نفسها في إعادة فتح الباب أمام الدبلوماسية مع إيران التي أغلقتها في عام 2016. وبعد وقت قصير من الهجمات في أواخر عام 2019، انخرطت المملكة العربية السعودية في محادثات عبر القنوات الخلفية مع إيران، من خلال الوساطة العراقية في المقام الأول.
وأدّت المحادثات إلى زيادة التمثيل الدبلوماسي الإيراني في منظمة التعاون الإسلامي ومَقرّها المملكة العربية السعودية، ومشاركة الحجاج الإيرانيين في موسم الحج المقبل، فضلاً عن التصريحات التصالحية والإيجابية لقادة البلدين الداعمة لإحياء الروابط الدبلوماسية.
على وجه الخصوص، يحرص كلا البلدين على إيجاد حلّ للحرب المستمرة في اليمن، وإن كان ذلك بأهداف مختلفة تماماً.
في المقابلة نفسها في آذار/مارس، قال محمد بن سلمان أيضاً: “لقد أجرينا مناقشات، وسمعنا العديد من التصريحات من قادة إيرانيين مُرحب بها للغاية في المملكة العربية السعودية”. وأضاف: “آمل أن نصل إلى موقف جيد للبلدين ومستقبل مُشرق للسعودية وإيران”.
هذا الأسبوع، سافر رئيس الوزراء العراقي إلى السعودية وإيران على أمل استئناف الجولة السادسة من المحادثات بين البلدين في بغداد. ويأتي ذلك في أعقاب الجهود التي بذلها العراق على مدى سنوات لترسيخ مكانته كلاعب في الدبلوماسية الإقليمية.
وقبل أقل من عام، عقد العراق بنجاح مؤتمر بغداد الأول للتعاون والشراكة الذي جمع مسؤولين إقليميين للمرة الأولى منذ سنوات. وكانت هذه المبادرة، التي حظيت بدعم فرنسا، مُهمة في إطلاق مساعٍ دبلوماسية وحوار شامل متعدد الأطراف في المنطقة. هناك أيضاً محادثات حول استضافة العراق وتسهيل الحوار بين الدول العربية الأخرى وإيران أيضاً، بما في ذلك مع الأردن وربما مع مصر.
شراكات اقتصادية
بالتوازي مع المملكة العربية السعودية، كانت الإمارات العربية المتحدة أكثر ثباتاً في سعيها لاستئناف العلاقات الودّية والمفيدة اقتصادياً مع طهران. حيث تستأنف الإمارات تدريجياً دورها كشريك استيراد رئيسي لإيران، وهو الدور الذي فقدته خلال حملة “الضغط الأقصى” على إيران.
علاوة على ذلك، يسافر المسؤولون في الإمارات إلى طهران ويستضيفون نظرائهم الإيرانيين في أبو ظبي ودبي.
وقد انتعشت العلاقات الاقتصادية بسرعة كبيرة لدرجة أن إدارة بايدن شعرت بالحاجة إلى إرسال وفد من وزارة الخزانة لتذكير المسؤولين الإماراتيين بالعقوبات المفروضة على إيران والزامهم بالالتزام بها.
بصرف النظر عن الانفراج التدريجي مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فإن علاقات طهران مع عمان وقطر مهمة للغاية عند النظر في الجغرافيا السياسية للمنطقة. فسياسياً، تتمتع إيران وعمان بعلاقات ودّية مستمرة لأكثر من خمسة عقود.
ووصف الرئيس الإيراني عمان بأنها “صديق مخلص وموثوق” خلال زيارته إلى مسقط في أيار/ مايو الماضي. وهناك العديد من المشاريع الاقتصادية المشتركة بين البلدين، بل وهناك محادثات حول إحياء مقترح ربط أنابيب الغاز بينهما.
وينطبق الشيء نفسه على العلاقات بين إيران وقطر، على الأقل منذ عام 2017.
ومع استمرار دعم إيران للدوحة خلال السنوات الثلاث من الحصار، رفعت إيران وقطر علاقاتهما إلى مستوى أعمق من التعاون الاستراتيجي والاقتصادي. وسافر أمير قطر إلى إيران مرتين خلال عام واحد، واستضاف الرئيس الإيراني في الدوحة في أيار/مايو.
في الوقت نفسه، تعمل عُمان وقطر بنشاط على تسهيل المحادثات بين إيران والولايات المتحدة والتوسط فيها، لتهدئة التوترات الإقليمية وإعادة طهران وواشنطن إلى خطة العمل الشاملة المشتركة.
في عامي 2012-2013، لعب السلطان قابوس دوراً رئيسياً في جلب إيران والولايات المتحدة إلى طاولة المفاوضات، واستمرت السياسة نفسها في عهد السلطان هيثم.
واليوم، تولّى أمير قطر ووزير خارجية قطر هذا الدور وكانا في الدبلوماسية المكوكية بين طهران وواشنطن. فلقد بدأ نشاط في عام 2017 لنزع فتيل التوترات في منطقة الخليج، والآن في محاولة لتقريب الجانبين من التوصّل إلى اتفاق. وبسبب الثقة التي تم بناؤها مع كل من إيران والولايات المتحدة، تمّ اختيار الدوحة لتكون المدينة المضيفة للمحادثات غير المباشرة التي تتم بوساطة الاتحاد الأوروبي بين المفاوضين الإيرانيين والأمريكيين الرئيسيين.
التصعيد أو التهدئة
بدلاً من النظر في هذه التطورات، يجادل كوك وإنديك بأن على بايدن “الاقتباس من قانون العلاقات مع تايوان والالتزام بالتعامل مع أي هجوم على المملكة العربية السعودية باعتباره تهديداً لسلام وأمن الخليج”، و “الدخول في اتفاقية إطار عمل استراتيجي والالتزام مع المملكة العربية السعودية كما فعلت مع سنغافورة “بتوفير الأسلحة اللازمة لتمكين السعودية من الاحتفاظ بقدرات دفاع ذاتي كافية”، وحتى “النظر في توسيع مظلّة نووية للسعودية”.
الحل حسب رأيهم ليس بتنشيط الدبلوماسية مع إيران، بل في تصعيد القوة الصارمة والمواجهات في منطقة الخليج.
يفترض الاتفاق المقترح أن الدبلوماسية الإقليمية ستفشل، مما يؤدي إلى مواجهات لا يمكن حلّها إلا باستخدام القوة الصُلبة. لكن الجهات الفاعلة الإقليمية أقلّ تشاؤماً بشأن آفاق الدبلوماسية -وهذا هو السبب في استمرار المحادثات الثنائية والمتعددة الأطراف بزخم غير مسبوق.
هذا لا يعني أن المملكة العربية السعودية أو دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى لا تريد ضمانات أمنية من الولايات المتحدة، بالعكس هم يريدون مثل هذه الضمانات، لا سيما بالنظر إلى البيئة الأمنية الحالية في جميع أنحاء المنطقة.
حتى أن هناك محادثات حول اتفاقيات أمنية معززة وموسعة مع الولايات المتحدة، بل وتطلعات لاتفاقيات على مستوى المعاهدات. لكن هذه الجهود لا تؤدي إلّا إلى استمرار الوضع الراهن المتمثل في التوترات والصراعات في المنطقة.
في مثل هذا السيناريو، ستضطر إيران مرة أخرى إلى استخدام أوراقها التفاوضية المحدودة كما فعلت في عامي 2019 و2020، لخلق نفوذ ضّد خصومها، وستعود نفس دورة التصعيد والتوتر مرة أخرى لتطارد المنطقة.
الجهود لدبلوماسية الإقليمية الجارية بين إيران والعراق ودول مجلس التعاون الخليجي هي عامل مهم في النظام متعدد الأقطاب الجديد المعدل في الخليج العربي ويجب أن تؤخذ في الاعتبار في سياسات واشنطن تجاه المنطقة.
تحتاج إدارة بايدن إلى تفعيل سياسة جديدة للشرق الأوسط تترك مجالاً للدول الإقليمية للانخراط في الدبلوماسية الثنائية والمتعددة الأطراف. إن تصنيف الدول الإقليمية على أنها منبوذة أو شركاء يؤدي إلى ثنائية مريبة لن تؤدي إلّا إلى حسابات خاطئة وفشل نهائي لسياسات الولايات المتحدة في المنطقة.
شرق أوسط جديد
إذا كانت الولايات المتحدة تريد تقليص تواجدها في المنطقة، أو تحديد حجم هذا الوجود، فإن إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة يُعدّ أمراً أساسياً. كما أعربت جميع دول مجلس التعاون الخليجي بشكل مشترك عن دعمها لخطة العمل المشتركة الشاملة في اجتماعين منفصلين مع مسؤولي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2021. ولن تقلق دول مجلس التعاون الخليجي، ولا سيما قطر وعمان والإمارات العربية المتحدة، في تعاملاتها المالية مع إيران مع عودة خطة العمل الشاملة المشتركة.
في تقرير حديث لمؤسسة البورصة والبازار، حددت الآفاق الجديدة للدبلوماسية الإقليمية في الخليج وقالت إن هناك طرقًا لا تُعدّ ولا تُحصى يمكن للدول الإقليمية من خلالها الاستفادة من العلاقات الاقتصادية والإمكانات الاقتصادية للمنطقة لتشكيل ترابطات جديدة وتكامل اقتصادي في المنطقة.
وهذا من شأنه أن يكون بمثابة وسيلة لتسوية النزاعات والتنمية الاقتصادية المستدامة في المنطقة التي ينبغي متابعتها جنباً إلى جنب مع الحوارات السياسية والأمنية الجارية.
لم يعد الاتجاه الدائم داخل المؤسسة الأمريكية للنظر إلى المنطقة من منظور ثنائي واقعياً، لا سيما بالنظر إلى الحوارات الإقليمية العديدة الجارية والاهتمام المتجدد بالدبلوماسية.
الاتفاق المقترح يغلق الباب أمام الدبلوماسية مع إيران. فلن يكون رادعاً للتصرفات الايرانية لأن مثل هذه المبادرات لم تردع التصرفات الايرانية في الماضي والاعتقاد بأنها ستفعل في المستقبل لا طائل من ورائها. فالاتفاق، حسب ما هو مراد له، يُشكّل رادعاً للدبلوماسية الإقليمية.
“نداء بوست”