إنها المتاهة التي لا تزال تتحكم باليسار الممانع، ويدخلها الياس جرادة راهناً كنائب يريد التغيير بدون ملاحظة أثر المقاومة في تثبيت منظومة الفساد.
ليست خيبة الخائبين به على سوية واحدة. ولن تطول لغة المدائح الآنية فيه من خصومه السياسيين. وبين هذه وتلك هناك من يباشر نيابته عن الأمة بهذا الالتباس المعلن. إنه الياس جرادة.
الخائبون، وهم خصوم الممانعة، لم يهضموا “نكستين” من نائب مرجعيون. زيارة (ولو مهنية!) إلى سوريا في ظل حكم بشار الأسد، ومطالبته بمضاعفة مسيرات “حزب الله” فوق حقل كاريش في حديثه إلى قناة “الجديد”. وللمرء أن يتصور حجم الخيبة في نفوس خصوم الممانعة من شخص أقام تماساً مع الأخيرة من نقطتين تشكلان عصب هذه الخصومة.
وخيبة كهذه، إن صحَّت، يفترض أن وزرها يقع أولاً على أصحابها. فالنائب جرادة لم يأت من العدم إلى السياسة، أو كمن قدم نفسه لناخبيه مرتدياً “طاقية” الإخفاء. وحين يكون الخائبون “صناع رأي”، أو نخبويين تغييريين، فالوزر والحال يليق بهم، وهم من محضوا الرجل أمام الرأي العام الجنوبي تحديداً، صورة مثالية حين حاولوا الابتعاد من السياسة التي كانت كفيلة بتخفيف منسوب خيبتهم به.
كان الياس جرادة على تماس سياسي مع “الحزب الشيوعي اللبناني”، كما الأخير في موقفه منه ترشيحاً واقتراعاً، وهما المعيارين اللذان أفضيا إلى مواقفه راهناً، وهو اقتراب كانت دلائله نصب أعين الخائبين. فهو غالباً رديف الشيوعي الممانع دون أن يكون حزبياً، والركون إلى مواقف “الحزب الشيوعي اللبناني” من سوريا ونظامها، ومن “مقاومة” حزب الله، تفترض بالضرورة أننا أمام خيبة ناجزة مُسبقاً، وأن محاولة مواراتها في لحظة انتخابية مشحونة بالحماسة الضد- سلطوي، هو على الأرجح استدراج الرمل والنعام إلى السياسة.