تطفو على السطح مؤشرات انعدام الأمن الغذائي في مناطق سيطرة المعارضة السورية، شمال غرب سوريا، وسط تخوف المنظمات الإنسانية من انخفاض إنتاج القمح في إدلب وحلب، وما يرتب عليه من ارتفاع أسعار الخبز نتيجة غياب الحلول اللازمة لتأمين القمح للمنطقة، وذلك بموازاة أسوأ موجة جفاف تشهدها سوريا منذ عقود في وقت تزايدت فيه الحاجات الغذائية للسكان في ظل وجود أكثر من مليوني مهجر ونازح يفتقدون أي مصدر للدخل، وتقليص مدة التفويض اللازم لإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى ستة أشهر فقط.
منظمة “منسقو استجابة سوريا”، قالت في بيان لها، الخميس، إن إنتاج القمح انخفض بشكل واضح عن التوقعات في مناطق ادلب وحلب، ومن المتوقع أن الكميات المخزنة حالياً غير قادرة على تأمين احتياجات المنطقة، لأكثر من ستة أشهر فقط، كما أن سعر سلة الغذاء المعيارية الكافية لإطعام أسرة مكونة من خمسة أفراد لمدة شهر واحد، وصل إلى حوالي 81 دولارا أمريكيا (1400 ليرة تركية) بزيادة قدرها 580 ليرة عن شهر مايو/أيار، وهو ما يستهلك 45 في المئة من راتب عامل مياومة لمدة شهر كامل.
وأكدت المنظمة أن الأزمة الغذائية تلوح في الأفق في المناطق المتضررة من الحرب في أوكرانيا، ومن بينها سوريا، بسبب توقف إنتاج وتصدير الحبوب، وقد يسبب استيراد الحبوب بأسعار مرتفعة إلى زيادة التكلفة داخلياً، وعدم قدرة المدنيين على تأمين الغذاء اللازم، وتوقعت “ارتفاع أسعار الخبز من جديد، بسبب ضعف توريد وإنتاجية القمح إلى نسب تتراوح بين 30 و38 في المئة خلال الفترة المقبلة، بسبب غياب الحلول اللازمة لتأمين القمح للمنطقة”.
ويعاني 79 في المئة من سكان مخيمات الشمال السوري من انعدام الأمن الغذائي و92 في المئة منها من صعوبات في تأمين مادة الخبز، بالتزامن مع تقليص مدة التفويض اللازم لإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى ستة أشهر فقط، وبالتالي فإن المتوقع هو زيادة انعدام الأمن الغذائي إلى 88 في المئة بالتزامن مع انتهاء التفويض الحالي، حسب بيان المنظمة.
في شمال غرب سوريا، وعلى طول الحدود التركية، تعتمد الأسر التي تتخذ من المخيمات مساكن دائمة لها، على المساعدات الغذائية، بينما يتخوف هؤلاء من تعاظم مؤشرات انعدام الأمن الغذائي في المنطقة، لاسيما بعدما نجحت موسكو بإغلاق سبعة معابر من أصل ثمانية، وفرض إيصال المساعدات الإنسانية للشمال الغربي عبر الخطوط القادمة من مناطق النظام السوري، ليبقى معبر باب الهوى الحدودي – شريان الحياة الوحيد.
مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني تحدث لـ “القدس العربي” عن الظروف الإنسانية الصعبة، في المخيمات المنتشرة على طول الحدود، مؤكدا أن النازحين يعيشون أوضاعا بالغة السوء، وسط مخاوف جدية تهدد حياة المحاصرين في بقعة جغرافية صغيرة، محدودة الموارد البشرية ومحدودة المساعدات.
وفيما يخص انعدام الأمن الغذائي قال: “يعيش ملايين السوريين أوضاعا صعبة ولاسيما بسبب الأعداد الكبيرة مقارنة مع المساعدات الإنسانية المقدمة” مشيرا إلى أن الخطر الأكبر هو “عدم قدرة المؤسسات بناء استراتيجية طويلة الأمد، لأن أغلبها يعتمد على دعم الأمم المتحدة العاجزة بدورها عن بناء استراتيجيات طويلة الأمد، فكلها عبارة مساعدات آنية بسيطة، وليست تأسيسا لمشاريع”. ولفت إلى أن الخطر الأساسي “في قضية الأمن الغذائي هو تمديد القرار لستة شهور فقط، وهذا يمنع بناء أي استراتيجية.
أما المخاوف الأخرى فتتمثل في أن “تضاف أعداد جديدة إلى النازحين، وسط الحديث عن عملية تركية جديدة، في تل رفعت ومنبج، إذ نرى هناك استعدادات عسكرية وسياسية، لكننا لم نشهد استعدادات إنسانية أو حقوقية، كما أنه لا يوجد تأسيس لمخيمات تستوعب النازحين الجدد”. هؤلاء سيضافون إلى نازحين آخرين، حسب فضل عبد الغني وبالتالي “سوف يحاصصونهم في الغذاء والمساعدات التي هي في الأصل لا تكفي وهذا تهديد إضافي لموضوع الأمن الغذائي ولاسيما القمح والخبز، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار”. خاصة أن أبواب اللجوء مغلقة أمام النازحين الجدد، وهم بالتالي سيكونون محصورين في هذه البقعة الجغرافية.
نائب مدير الدفاع المدني السوري منير المصطفى قال إن أكثر من 90 في المئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، جراء التهجير والتدمير الممنهج للبنية التحتية من قبل نظام الأسد وحليفه الروسي.
ووصل انعدام الأمن الغذائي إلى مستويات قياسية، وفق المتحدث لـ “القدس العربي” كما ضاعف التدهور الاقتصادي المتسارع وآثار تغير المناخ الاحتياجات. وتشهد سوريا أسوأ موجة جفاف منذ عقود في وقت تزايدت فيه الحاجات الغذائية للسكان.
وقال مصطفى “يشكل قصف قوات النظام وروسيا المباشر والمتعمد للمنشآت الحيوية بشكل عام ومزارع تربية الدواجن بشكل خاص خطراً على مقومات البقاء ومصادر دخل مئات الأسر في شمال غربي سوريا، إضافة للاستهداف الممنهج للأراضي الزراعية خلال مواسم الحصاد والقطاف عدا عن تأثيره على الارتفاع الكبير في أسعار المواد الأساسية والخطر الكبير الذي يهدد الثروة الحيوانية في عموم مناطق شمال غربي سوريا والتي تتسم بطابعها الزراعي الذي يعتمد على الزراعة وتربية الدواجن والحيوانات التي تعد منتجاتها مصدر رزق لمئات العوائل التي فقدت مصادر رزقها بسبب التهجير وحرب النظام وروسيا على المدنيين خلال السنوات العشر السابقة”.
وحول أوضاع المخيمات في ظل المعطيات الحالية، قال السؤول لدى منظمة الخوذ البيضاء: هذا العام كان الأقسى على سكان المخيمات في شمال غربي سوريا في ظل تراجع الاستجابة الإنسانية وجائحة كورونا خلال فصل الشتاء والثلوج والأمطار التي ضربت المنطقة وخلفت أضرارا كبيرة في آلاف الخيام، الأوضاع تزداد سوءاً كل عام في المخيمات وحقيقة الأوضاع الإنسانية على وشك الانفجار، المخيمات التي يعيش فيها أكثر من مليون ونصف مليون مهجر، بينهم أكثر من مليون طفل وامرأة، تفتقد للحد الأدنى من مقومات الحياة. المعاناة مستمرة في كل الفصول، هذا الصيف الاحتياجات كبيرة خاصة المواد الغذائية وعلى راسها الخبز ومياه الشرب.
وعزا المتحدث الأزمة الإنسانية التي يعيشها المدنيون في سوريا، إلى “انعكاس غياب الحل السياسي وتجاهل المجتمع الدولي لتطبيق قرار مجلس الأمن “2254” والمسارات المضللة التي من شأنها خلق عطالة سياسية تحول دون تحقيق تطلعات السوريين في مشروع التغيير المنشود ومسارات العدالة والمحاسبة وإنصاف الضحايا وذويهم ووقف انتهاكات نظام الأسد الممنهجة وعودة جميع المهجرين عندها تتضاءل الاحتياجات الإنسانية ويمكن أن تبدأ عجلة الإنتاج والزراعة من جديد”.
“القدس العربي”