بيروت ليست بالمذنبة ولا أنا، لكن التوقيت سيئ، ما زال كلّ من يعرف أنني جديدة على بيروت يفاجأ، وكأنَّ مكوث السوريين هنا يجب أن يكون عمره عشرة أعوام، لا بضعة أشهر.
أقل من أربعة أشهر أخرى وتكون سنتي الأولى في بيروت قد اكتملت، مذ انتقلت إلى هنا فكرت في الكتابة عن المدينة إذ أني بالكتابة أبني ذاكرة مع الأماكن، لكنني لم أنجح، لطالما كتبتُ عن دمشق، كان لدي شعور عميق بمعرفة المدينة، أمّا في بيروت فلا يتعلق الأمر بالمعرفة، لم أستطع للآن صنع أُلفة معها وهذا يدفعني للحزن، إذ لا أستطيع تجاهل الدهشة فيها ورغبتي في بناء علاقة معها.
بيروت كانت المحطة الأولى التي أرى نفسي فيها من بعيد، من وجهة نظر مكان آخر، بعيداً من سنوات الحرب والخوف والحرمان، وكان المشهد مخيفاً، هناك أدركت أن عشر سنوات مضت بالفعل، العشرينات بطولها مرّت تحت القذائف والانتظار والقلق، وعليّ أن أبدأ من حيث سلبتنا الحرب حياتنا، كيف يمكن تعويض 10 سنوات؟ بيروت تشبه اليوم دمشق، ما عاد الإنكار يفيد، ربما لذلك ما زلت أخشى أن أقع في حبها، لا أريد الوقوع في حب مدينة قاسية مرة أخرى، لذا أتعامل بحياد شديد معها، أزور المقاهي لمرة أو اثنتين ثم أبحث عن مقهى آخر وفي أسوأ الأحوال لا أفكر بالبحث أصلاً، لا أحب زيارة الأماكن إلى أن أنساها تماماً.
عندما انتقلت إلى منزلي في بيروت أدركت أن البناية المواجهة لشرفتي تملأها آثار الرصاص التي تعود إلى الحرب الأهلية، كانت هذه الإشارة الأولى إلى أن التخلص من دمشق لن يكون سهلاً وأن الحرب تلاحقنا وتظهر لنا بأشكال قد لا نتوقعها، لم أتصالح حتى الآن مع ثقوب الرصاص في تلك البناية.