نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريرا أعده مراسلوها ديفيد شيبرد وديريك براور وسامر الأطرش، أشاروا فيه إلى رسائل السعودية المتعلقة بالنفط إلى إدارة بايدن.
وقال الكتاب إن السعودية حذرت هذا الأسبوع من أنها قد تقود كارتل “أوبك+” لخفض إنتاج النفط، كرسالة قصدت بها على ما يبدو التجار اللعوبين، لكن المملكة كان لديها جمهور آخر وهو إدارة بايدن التي تحضّر لتوقيع اتفاقية جديدة مع إيران.
ويرى عارفون بالسياسات السعودية، أن التدخل المفاجئ من الرياض التي ساهمت في عودة سعر البرميل إلى 100 دولار راغبة في مواقفها الأخيرة لإظهار تداعيات سماح الولايات المتحدة للنفط الإيراني بالعودة إلى الأسواق العالمية. ومارس الرئيس جو بايدن ضغوطا على السعودية لكي تزيد من معدلات إنتاج النفط، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، ووصلت الجهود الأمريكية ذروتها بزيارة بايدن إلى مدينة جدة في تموز/ يوليو، التي أمل أن يعيد من خلالها إعادة ضبط العلاقة مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.
وبعد أقل من شهر، أصبحت السعودية قلقة من عودة النفط الإيراني إلى السوق، واحتمال انخفاض سعره العالمي إلى جانب قلقها على أمنها، وسط منظور إحياء خطة العمل المشترك الشاملة، أو الاتفاقية النووية الموقعة عام 2015. وقال الولايات المتحدة إن “الثغرات لا تزال قائمة” بينها وبين إيران بشأن مسودة الاتفاق. وتلقت إيران الرد الأمريكي على مقترحاتها وسترد عليها في وقت قريب.
وقالت هيلما كروفت، المحللة السابقة في “سي آي إيه” والمتخصصة في أوبك في “أر بي سي كابيتال ماركتس”: “أعتقد أنه كان من العدل القول، بداية العام الحالي، إن السعودية واللاعبين الآخرين في المنطقة كانوا وبشكل منطقي واثقين من عدم الاتفاق على صفقة في المستقبل القريب”، و”الآن ومع إحياء المفاوضات، أعتقد أنهم يركزون على سوق النفط والتداعيات الأمنية الأوسع للصفقة التي وصلت المرحلة النهائية من الاكتمال”.
وطالما عارضت السعودية التقارب الأمريكي مع إيران. وفي عام 2017 وضعت ثقلها خلف الرئيس دونالد ترامب الذي مزّق أهم إنجاز في السياسة الخارجية لباراك أوباما. وتريد إيران تذكير الولايات المتحدة بثقلها في سوق النفط العالمي، في وقت تشعر بأن مظاهر قلقها حول أمنها لم يتم الاعتراف بها بشكل كامل.
وتعني اتفاقية جديدة بشأن البرنامج النووي الإيراني، إعادة حوالي 1.3 مليون برميل في اليوم من صادرات النفط الإيراني، أي نسبة 5% من مجمل إمدادات أوبك، بشكل يخفف من مظاهر قلق التجار من نقص النفط، وسط تشديد أوروبا العقوبات على شحنات النفط الروسي الخام. وفي الوقت الذي تحتاج إيران إلى وقت لكي تنعش قطاعها النفطي وزيادة إنتاجها، إلا أن البلد لديه كميات كبيرة من النفط الخام المخزن في الناقلات بالبحر.
ويرى مراقبون أن التدخل السعودي ليس منحصرا بإيران. ويقول بوب ماكنالي، المستشار السابق في البيت الأبيض، ورئيس “رابيدان إنيرجي غروب” إن تصريحات الوزير السعودي “كانت تهدف لضخ استقرار في أسواق النفط الخام بالمستقبل ومنع خروجها عن السيطرة وسط تراجع في السيولة والغموض الكبير، بما في ذلك الركود والحظر الأوروبي على النفط الروسي”.
ويقول المحللون إن روسيا كانت هي الأخرى مقصودة، فهي طرف في الاتفاقية النووية وطرف في “أوبك+”. فالرياض الراغبة في إعادة تأكيد تحالفها الأمني مع الولايات المتحدة، تريد الحفاظ على الاتفاق النفطي مع موسكو الذي عزز من إيراداتها النفطية. ويقول روجر ديوان، نائب المدير في “أي أتش أس ماركيت”: “احتمال عودة براميل النفط الإيرانية هي عامل مزعزع للإحتكار السعودي- الروسي لأوبك+ خاصة لو ضربت براميل النفط الإيراني السوق مع بداية الشتاء”. ويضيف: “الإعلان عن استمرار التحالف من أجل إدارة الأسواق واحتمال خفض الإنتاج هو رسالة عن اتفاق بين السعودية وروسيا بشأن الحاجة للدفاع عن أسعار النفط وتحديد التوقعات بشكل أبكر”.
إلا أن التدخل السعودي قد يكون مربكا لإدارة بايدن والتي تعمل على خفض أسعار البترول قبل الانتخابات النصفية في تشرين الثاني/ نوفمبر، وانخفضت الأسعار بشكل ثابت خلال الأسابيع الماضية. ويقول غاري روس، المراقب المخضرم لأوبك ومدير سابق لشركة بيرا للاستشارات: “من وجهة نظر بايدن، ستكون إشارة غير جيدة من السعوديين في هذا الوقت. من الواضح أن السعوديين يرسلون إشارات بأنهم يريدون سعر برميل النفط بمعدل 100 دولار، وحتى هذا الوقت، كان الأمير عبد العزيز ناجحا في تغيير سيكولوجية السوق”.
ويبدو أن الأسواق تستمع، فقد ارتفع خام برنت من 94 دولارا يوم الإثنين قبل التحذير السعودي، إلى 102 دولار يوم الخميس. وحذرت “إنيرجي أسبيكت” هذا الأسبوع، من أن عودة إيران إلى سوق النفط قد تدفع أسعاره إلى مدى 80 دولارا وحتى 70 دولارا للبرميل بدون أن تخفض أوبك+ إنتاجها.
وناقش الأمير عبد العزيز أن صناعة النفط بحاجة لاستثمارات، وهو ما يستدعي ارتفاع سعر النفط. كما أن ارتفاع الأسعار مناسب لميزانية المملكة التي يعمل فيها ولي العهد على إصلاح الاقتصاد. وحققت شركة أرامكو أرباحا قياسية في النصف الأول من العام الحالي. ويقول مقربون من الأمير أنه قلق من تداعيات تضييق العقوبات على النفط الروسي وضغوط الاستجابة للطلب نتيجة لذلك.
وكررت السعودية أن قدراتها الإنتاجية الإضافية محدودة، فقد رفعت الإنتاج إلى 11 مليون برميل في اليوم تقريبا، ولديها قدرة قصوى لزيادته إلى 12 مليون برميل في اليوم. ومع ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا، فالمملكة قلقة من تداعيات أسعار نفط خارجة عن السيطرة بشكل يحرف الاهتمام عنه. ويقول أمريتا سن من “إنيرجي أسبكتس”: “لا تريد السعودية خسارة السيطرة على أسعار النفط، إما سلبا أو إيجابا”.
“القدس العربي”