يجد لاجئون سوريون في تركيا هذه الأيام صعوبة كبيرة في تسجيل أطفالهم في المدارس التركية الحكومية، بسبب امتناع بعض مدراء المدارس عن قبول السوريين، بحجة عدم كفاية المقاعد دراسية. ورغم أن قانون «الحماية المؤقتة» ينص على حق اللاجئين السوريين في الصحة والتعليم المجاني، إلا أن قبول الأطفال السوريين قد تحدده رغبة المدير التركي في كثير من الأحيان.
وأساساً تتقاضى تركيا تمويلاً ضخماً من الاتحاد الأوروبي لقاء خدمات التعليم والصحة التي تقدمها للاجئين السوريين، حيث وقع الاتحاد الأوروبي وتركيا في آذار/مارس عام 2016، اتفاقاً للهجرة يقضي بأن تمنع تركيا اللاجئين من عبور بحر إيجة إلى اليونان بشكل غير قانوني مقابل أن تتلقى دعماً مالياً من الاتحاد. وفي صيف العام 2021، أعلن الاتحاد الأوروبي عن تخصيص دعم مالي لتركيا بقيمة 4.18 مليار دولار لمواصلة استضافتها اللاجئين السوريين حتى عام 2024.
ومن ضمن الصلاحيات الممنوحة لمدراء المدارس في تركيا، الطلب من الأهالي الاتراك والأجانب على حد سواء تأمين بعض المستلزمات للمدرسة مثل الورق الأبيض، والطابعات، وغيرها من التبرعات على نفقتهم الخاصة تحت بند مساعدة المدرسة، وهو ما يشمل الطلاب الأتراك، لكن يشتكي منه اللاجئين السوريين الذين يفترض أن يحصلوا هم على المساعدات كونهم لاجئين، لا أن يقدموها لمؤسسات حكومية تركية منحت اللاجئين حق «الحماية المؤقتة» وتتلقى تمويلاً بالمليارات من الاتحاد الأوروبي نظير الخدمات التي تقدمها للاجئين السوريين.
معطيات
وحسب معطيات حصلت عليها «القدس العربي» من لاجئين سوريين في إسطنبول، يضطر بعضهم إلى دفع الأموال (من 1500 الى 3000 ليرة تركية) تحت بند «مساعدة المدرسة» لقبول الأبناء في المدارس، في حين يضطر بعضهم إلى تقديم هدايا لإدارة المدرسة، وتختلف المبالغ المدفوعة حسب المحافظة والبلدية، وفي بعض مناطق إسطنبول، تطلب المدراس مبالغ مالية كتبرعات، لكن في مناطق أخرى قد يتجاوز المبلغ 3 آلاف ليرة تركية، قبل قبول تسجيل الطفل، ويتوقف الأمر على عدة عوامل منها توجهات وميول السكان الاتراك ان كانوا ذوي ميول قومية وكذلك الحزب الذي يسيطر على البلدية إن كان حزب العدالة الحاكم أو أحزاب المعارضة المستاءة بدرجة أعلى من وجود السوريين، ووفق ما أكد عدد من الأهالي الذين تحدثت إليهم «القدس العربي»، فالأمر لا يتعلق بقانون محدد وإنما بمزاج ورغبة إدارة المدرسة التي عادة ما تطلب التبرعات من الأطفال الأتراك أيضاً.
وقال صحافي سوري في منطقة باشاك شهير الموالية لحزب العدالة الحاكم ذي الجذور الإسلامية إنه دفع 400 ليرة لابنه في المرحلة الابتدائية العام الماضي لكن هذا العام لم يدفع أي مبلغ للمدرسة، أما الروضة فدفع مبلغ 120 ليرة تركية.
وأضاف «الوضع هنا في باشاك شهير يبقى مقبولاً لكن في مناطق أخرى يطلبون دفع مبالغ أكبر، زميلي في العمل مثلًا طلبوا منه دفع 3000 ليرة لتسجيل ابنه بالمدرسة، لكنه رفض ونجح في النهاية بتسجيل ابنه دون دفع هذا المبلغ»، بينما قال أهالي سوريين يسكنون في مناطق مختلفة لـ»القدس العربي» إن مدراء المدارس يمتنعون عن تسجيل أبناءهم الا بعد دفع مبالغ مالية تثقل كاهلهم.
وفي جنوب تركيا حيث يتركز اللاجئون السوريون يواجه الاهالي اعباء من نوع اخر، اذ اضطر اللاجئ السوري محمد المقيم في ولاية غازي عينتاب التركية إلى تسجيل طفله في مدرسة بعيدة نسبياً عن مكان سكنه، رغم وجود مدرسة بمحيط منزله. يقول محمد لـ»القدس العربي»، إن إدارة المدرسة المجاورة امتنعت عن تسجيل الطفل في الصف الأول، بسبب اكتمال عدد الطلاب في الصف الأول، موضحاً أن «إدارة المدرسة سجلّت نحو 20 طالباً، من أصل أكثر من 50 طالباً سورياً في الصف الأول».
أعباء اقتصادية
ويؤكد محمد أن تسجيل طفله في مدرسة بعيدة عن مكان سكنه، سيزيد من الأعباء الاقتصادية عليه، بسبب المواصلات، أي دفع إيجار حافلة المدرسة وهو المبلغ الذي لا يقل عن 400 ليرة تركية شهرياً. وينطبق حال محمد على غالبية السوريين في مختلف الولايات التركية، وخاصة منها التي تضم أعداداً كبيرة من اللاجئين السوريين. وفي ولاية كلس القريبة من الحدود السورية، ينتظر الأهالي قرار الوالي بإحداث ُشعب مدرسية للصف الأول، نتيجة تعذر تسجيل مئات الأطفال السوريين في المدارس. ورغم افتتاح المدارس وبدء العام الدراسي إلا أن الوالي لا زال يتريث في إصدار القرار الذي ينتظره الأهالي بفارغ الصبر، وفي هذا الصدد يعرب معلم سوري عن أسفه لتأخر هذا الإجراء، ويقول: «كان الأجدى إحداث الشعب قبل بدء العام الدراسي»، متسائلاً: «هل كان سيتأخر القرار لو كان هناك أتراك من بين الطلاب غير المسجلين للآن»؟ من جانب آخر، ترفض بعض المدارس الخاصة المعتمدة من قبل وزارة التربية التركية تسجيل الأطفال السوريين، وهو ما يعزوه لاجئون سوريون إلى «التمييز والعنصرية» ضدهم من قبل الأتراك.
عنصرية
ووفق أحد المعلمين السوريين، فإن أكثر ما يشغل بال الأهالي هو تعرض أطفالهم في المدارس للتنمر والعنصرية من قبل أقرانهم الأتراك، الذين تأثروا بدرجة أو بأخرى بالخطاب السائد في الشارع التركي المناهض للاجئين العرب. ويقول المعلم خلال حديثه لـ»القدس العربي» إن العنصرية تتسبب في المرتبة الثانية، بعد الأوضاع الاقتصادية الصعبة، بزيادة ظاهرة التسرب المدرسي بين الأطفال السوريين في تركيا، حيث يمتنع بعض الأهالي عن إرسال أطفالهم إلى المدارس التركية خشية تعرضهم لاعتداءات لفظية وجسدية من قبل الأطفال الأتراك.
وكانت وزارة التربية التركية، قد أكدت أن نحو 394 ألف طفل سوري /35 في المئة/ من الأطفال السوريين في تركيا، لا يذهبون إلى المدرسة، وقالت في تقرير قبل أشهر، إن نحو 731 ألف طفل سوري يتلقون تعليمهم بمدارس تركيا في العام الدراسي 2021 – 2022، من أصل مليون و124 ألف طفل في سن التعليم، بين 5 و17 عاماً. وأشارت الوزارة إلى أسباب عدة تمنع الأطفال من الالتحاق بالمدارس، أبرزها اختلاف النظام التعليمي في سوريا عن مثيله التركي، ومساهمتهم في ميزانية الأسرة بعد التعليم الإعدادي، بسبب الحالة المادية الصعبة التي تعيشها الأسر السورية، والتفكير بالهجرة إلى بلد ثالث، إضافة إلى حاجز اللغة، والتغيّب الطويل عن المدرسة. ويعيش في تركيا نحو 4 ملايين لاجئ سوري، يتوزعون على غالبية الولايات، ويشتكون مؤخراً من انتشار خطاب الكراهية ضدهم في الشارع التركي.
“القدس العربي”