تشهد منظومة الإفتاء التابعة لـ»هيئة تحرير الشام» منذ فترة حالة من الاستقالات من قبل شخصيات بارزة، وآخرهم القاضي الشرعي يحيى بن طاهر الفرغلي المعروف بـ «أبي الفتح الفرغلي». استقالة الفرغلي جاءت بعد استقالة القاضي والشرعي المصري البارز في «تحرير الشام» أسامة القاسم المعروف بـ»أبي الحارث المصري» من مجلس الإفتاء، والقاضي الشرعي «أبو الزبير الغزي». وخلفت موجة الاستقالات هذه علامات استفهام كثيرة، وعزاها مسؤول سابق في «تحرير الشام» إلى رغبة أبو محمد الجولاني بإقصاء كل من يغرد خارج سربه، في حين أرجع قيادي سابق في تحرير الشام ذلك إلى رفض هؤلاء خطة تركيا الهادفة إلى اجتثاث بعض التنظيمات الجهادية الأكثر تشدداً، حسب قوله، بدون أن يوضح مدى رضى «الهيئة» عن هذه السياسة ودوافعها الذاتية.
و«أبو الحارث المصري» من بين أبرز القضاة المهاجرين لدى «تحرير الشام»، وتقول مصادر «القدس العربي» إن المصري دخل سوريا في العام 2014، حيث كان مبايعاً لتنظيم «القاعدة» ومن أشد المقربين لزعيمها السابق أيمن الظواهري. من جانبه، أشار أبو عمر الأنصاري في إدلب إلى وجود خلافات بين قيادات «تحرير الشام» تتمثل في شخصية «أبو الفتح الفرغلي» المصري الجنسية، والذي لعب دوراً في تمكين سطوة «تحرير الشام» على حساب باقي الفصائل حسب الانصاري.
وعلى حسابه في «تويتر»، أعلن «الفرغلي» استقالته من المجلس الشرعي التابع لـ»تحرير الشام» على خلفية اتهامات نشرت عن ضلوعه بمحاولة شق الصف واشتراكه بمحاولة انقلاب على القيادة، قائلاً: «بسبب كثرة الأسئلة في المجموعات العامة وعلى الخاص، وقطعاً لدابر الشائعات، تعين أن أعلن عن تقديم استقالتي من المجلس الشرعي لهيئة تحرير الشام سائلا المولى أن يوفقهم إلى ما يحبه ويرضاه». لكن مصادر «القدس العربي» من داخل «تحرير الشام» قالت أن المجلس الشرعي هو مَن اتخذ قرار فصل الفرغلي ونقله إلى الجناح العسكري، مضيفة أن الفرغلي رفض تنفيذ القرار ولم يلتزم أيضاً بقرار نقله معللاً ذلك بعدم وجود مبررات منطقية تستدعي نقله وفصله من المجلس، وأنه يمثل كتلة عسكرية تعتبر من الكتل المؤسسة لـ»تحرير الشام».
أبو هاشم وهو أحد كوادر «الهيئة» يقول لـ «القدس العربي» عن سبب استقالات بعض الشرعيين في «تحرير الشام»، إنه تم تجميد نشاطهم داخل «تحرير الشام» قبل إعلان استقالتهم. ويردف بأن أسباباً عديدة دفعت قيادة «تحرير الشام» لفعل ذلك، أهمها توجيه الاتهامات منهم بانحراف «تحرير الشام» عن منهجها، والمقصود بذلك هو الانتقال من التشدد إلى الاعتدال، ويقول: «لذلك اتخذت قيادة تحرير الشام» قرارات صارمة تجاه كل من أبو الحارث المصري والزبير الغزي».
ويقول الصحافي همام عيسى لـ»القدس العربي» إن أهم الشخصيات المنشقة مؤخراً، هو مسؤول القضاء العسكري القاضي أبو القاسم الشامي وعدد من الشخصيات البارزة المقربة منه في قيادة «تحرير الشام». وأوضح العيسى أن الشامي كان يشغل الكثير من المناصب ويدير ملفات امنية حساسة، وكان يشغل منصب المسؤول العام عن القضاء الداخلي في «تحرير الشام» ومسؤول قضايا المنظمات، وإلى جانب ذلك يعتبر أحد قضاة محكمة الجنايات الأمنية والعسكرية في إدلب، وقاضياً في محكمة الجنايات المدنية.
ويتحدث مقرب آخر من هيئة تحرير الشام وهو «أبو بلال العسكري» لـ«القدس العربي» عن أسباب إدارية وتنظيمية وراء فصل واستقالة بعض الشرعيين في «تحرير الشام»، مبيناً أن «الفرغلي الذي اتهم «تحرير الشام» بانحراف منهجها». وأضاف أن بعض الذين تم فصلهم كانوا يحاولون تأسيس تكتل داخلي ضمن «تحرير الشام»، مشدداً على أن «هذا الأمر مرفوض قطعاً»، لأن «تحرير الشام» هي جسم واحد ولا تقبل وجود تكتلات أو تيارات مختلفة، خشية زعزعة أمنها الداخلي. ويضيف العسكري، أن هذا أحد الأسباب التي أوصلت مشروع «تحرير الشام» لهذا النجاح مقارنة بباقي التشكيلات الكبرى التي فشلت في الحفاظ على كيانها كالجسد الواحد مما جعلها مثالاً يحتذى به أمام باقي الفصائل، وفق تعبيره.
وعلى النسق ذاته، يقلل محمد العمر وهو صحافي سوري من إدلب ومطلع على ملف «تحرير الشام»، يقلل من أهمية الاستقالات، ويضيف لـ «القدس العربي»: إن «الفرغلي رفض قرار نقله، ولا زال داخل إطار «تحرير الشام»، أما أبو الحارث المصري فلا معلومات دقيقة حول استقالته، وأبو الزبير الغزي يأخذ دوراً أكبر من حجمه». ويختتم العمر حديثه من إدلب بالإشارة إلى أن «الهيئة لها إطار عام، ومن يغرد خارجه لا يُرغب به، وما يميزها عن غيرها من التشكيلات العسكرية هو قرارها الموحد».
“القدس العربي”